أزمة شركة “هواوي” الصينية ليست سوى معركة من المعارك المستعرة في الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، بحسب صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، التي أكدت أن واشنطن تحاول احتواء نفوذ بكين وقوتها، والتأكد من أن ثاني أكبر اقتصاد في العالم لا يسيطر على الصناعات المتقدمة التي قد تمنحها ميزة اقتصادية وعسكرية.

sss

يبدو أن الحملة الأمريكية لمنع أقرب حلفائها من استخدام تقنيات عملاق الاتصالات الصيني “هواوي” في تطوير شبكات الجيل الخامس، قد بائت بالفشل، حيث رفض عدد من قادة الدول الحليفة للولايات المتحدة، التصديق في الحجج الأمريكية القائلة بأن الشركة تشكل تهديدا أمنيا لا يمكن السيطرة عليه.

بريطانيا وصفت تهديدات الإدارة الأمريكية بأنها خدعة، وراهنت على تراجع المسؤولين الأمريكيين  عن تهديدهم بقطع تبادل المعلومات الاستخباراتية مع أي دولة تستخدم معدات “هواوي” في شبكتها، مشيرة إلى أنها ستسمح للشركة الصينية بالعمل في أجزاء محدودة فقط من شبكتها، في ظل رقابة صارمة.

ألمانيا هي الأخرى تميل إلى السير على درب بريطانيا، على الرغم من تهديدات المسؤولين الأمريكيين لها في مؤتمر ميونخ للأمن مؤخرا .

الاتحاد الأوروبي: بإمكان الدول الأعضاء التعاون مع “هواوي”

الجهود الأمريكية لم تفلح في إقناع الاتحاد الأوروبي بحظر التعامل مع “هواوي” في شبكات الجيل الخامس، حيث قال إن الدول الأعضاء بإمكانها التعاون مع الشركة الصينية، لكن تحت رقابة شديدة.

خياران أحلاهما مٌر

وضعت المعركة ضد “هواوي” العديد من الدول الأوروبية في وضع لا يسمح لها بالفوز، وأجبرتها إما على رفض تحذيرات الولايات المتحدة، الحليف الاستخباراتي والمخاطرة بتحالفها الرئيسي، أو عزل الصين، الشريك التجاري المهم. 

ومما يزيد من تعقيد هذا القرار الافتقار إلى معلومات استخباراتية أمريكية أكيدة، تُظهر تورط “هواوي” في التجسس على البيانات التي تتدفق عبر شبكاتها خلال العقدين اللذين زودت خلالهما الدول الأوروبية بمعدات الاتصالات السلكية واللاسلكية.

هواوي

في ألمانيا، أثارت الأزمة حالة من الانقسام داخل حكومة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، فبينما تبنى قادة أجهزة المخابرات الألمانية وجهة النظر الأمريكية بخصوص مخاطر “هواوي” على الأمن القومي، تركز ميركل على التأثيرات المتوقعة على الصادرات الألمانية إلى الصين.

قلق المستشارة الألمانية قد يكون مبررا، خاصة بعد أن ألمح عدد من المسؤولين الصينيين إلى أن شركات “فولكسفاجن” و”بي إم دبليو” و”دايملر” الألمانية ستتحمل العبء الأكبر من الانتقام.

الخسارة الألمانية قد تكون كبيرة في حالة تنفيذ بكين تهديداتها، حيث تعد الصين ثالث أكبر مستورد للسيارات الألمانية بعد الولايات المتحدة وبريطانيا.

في الوقت نفسه، تخاطر ألمانيا بخسارة الولايات المتحدة، الحليف الاستراتيجي لها، وواحدة من أقرب الشركاء لتبادل المعلومات الاستخباراتية.

نجاح أمريكي محدود

في الوقت نفسه، حققت الولايات المتحدة بعض النجاح في إقناع بعض حلفائها بعدم التعاون مع “هواوي”، حيث حظرت أستراليا بوضوح عمل “هواوي” في شبكات الجيل الخامس على أراضيها.

اليابان هي الأخرى كانت قد قررت في 2018 منع شركة “هواوي” من المشاركة في بناء شبكاتها، وسط مخاوف من الانتهاكات الأمنية، ومن المرجح أن تسير بولندا، التي تتوق إلى تحالف أعمق مع الولايات المتحدة، بالسير في الاتجاه نفسه. 

وعلى الرغم من توقيعها عقدا مع الشركة الصينية باستثمارات تقدر بنحو 3 مليارات دولار لبناء شبكات الجيل الخامس، أعلنت إيطاليا، أنها ستراجع كل هذه الصفقات.

معركة في حرب أوسع

ترى صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، أن أزمة “هواوي” ليست سوى معركة واحدة في الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، حيث تحاول واشنطن احتواء نفوذ بكين وقوتها والتأكد من أن ثاني أكبر اقتصاد في العالم لا يسيطر على الصناعات المتقدمة التي قد تمنحها ميزة اقتصادية وعسكرية. 

يتضمن ذلك شبكات الاتصالات من الجيل الخامس، التي تبنيها “هواوي”، وستتحكم من خلال هذه الشبكات فائقة السرعة في الاتصالات والبنية التحتية الحيوية، بالإضافة إلى الأجهزة ذاتية التحكم في المصانع والقواعد العسكرية، وهو الأمر الأكثر إثارة للقلق بالنسبة للمسؤولين الأمريكيين.

هواوي

وفي محاولة لتقييد وصول الصين إلى التكنولوجيا الأمريكية المتقدمة، تدرس الولايات المتحدة تقييد بيع الرقائق الإلكترونية، وتطبيقات الذكاء الاصطناعي، والروبوتات للصين، إلى جانب منع شركات التكنولوجيا الأمريكية من التعامل، أو حتى تبادل الأبحاث مع نظيراتها الصينية.

عدم وجود بديل قوي باستطاعته منافسة الشركة الصينية،هو أحد الأسباب التي تعوق جهود الولايات المتحدة في مواجهة استثمارات “هواوي” على أراضي حلفائها.

المنافسة الحقيقية الوحيدة التي تواجهها “هواوي” التي تقدم معدات الاتصالات منخفضة التكلفة ومدعومة جزئيا من الحكومة الصينية، تأتي من “نوكيا” و”إريكسون” وهما شركتان أوروبيتان تدعيان أنهما قادرتان على نشر قد شبكات الجيل الخامس بشكل أوسع من “هواوي”، لكنهما يواجهان صعوبة في الوصول إلى أسعار الشركة الصينية، أو مواكبة أبحاثها المتقدمة.

اتهامات للشركة بالتجسس 

النقاش الأمني ​​حول “هواوي” ليس جديدا، رغم أنه اشتد في الأسابيع الأخيرة، حيث تتهم الأجهزة الأمنية الأمريكية “هواوي” بالتجسس باستخدام معداتها المستخدمة في شبكات المحمول والإنترنت الأجنبية.

مكتب التحقيقات الفيدرالي:منذ تأسيسها في 1987، تتلقى هواوي دعما مستمرا من الحزب الشيوعي الصيني والجيش

وتزعم الولايات المتحدة أن “هواوي” مرتبطة ارتباطا وثيقا بالحكومة الصينية، وتتلقى أوامرها من أجهزة الأمن الصينية، كما زُعم أن الشركة قد تلقت تمويلا من وكالات الاستخبارات الصينية. 

هواوي

الاتهامات الأمريكية قد تكون غير مدعومة بأدلة واضحة، إلا أن هناك بعض الشواهد عليها، حيث أٌسست الشركة على يد “رين جينغ في” المهندس السابق في جيش التحرير الشعبي الصيني. 

كما أشار تقرير لمكتب التحقيقات الفيدرالي نشر عام 2015، إلى أنه : “منذ تأسيس شركة هواوي في 1987، لا تزال الشركة تتلقى دعما مستمرا من كبار مسؤولي الحزب الشيوعي الصيني وقادة جيش التحرير الشعبي الصيني”.

أدت هذه العلاقات بين مؤسس الشركة وأجهزة الدولة الصينية، إلى تدعيم وجهة النظر الأمريكية القائلة بأن “هواوي” تشكل تهديدا للأمن القومي.