تتذكر أنجلينا جولي أولى المرات التي شاهدت فيها المأساة الإنسانية في سوريا عند الحدود الأردنية بعد شهور قليلة من بداية النزاع السوري، حيث وصفت الأسر السورية المصدومة ممن كانوا يعبرون تحت جنح الظلام لتجنب نيران القناصة. وما أخبرها به أحد أفراد الأطقم الطبية عند النقطة الحدودية بشأن أسرة كانت وصلت مؤخرا، وأنهم كانوا يحملون طفلهم البالغ من العمر ثماني سنوات وساقه المبتورة، التي قطعت في غارة جوية، وأنه كان توسل إليهم أن يجلبوها معهم وهم يفرون، على أمل أنه يمكن بطريقة ما إعادتها إلى ما كانت عليه.
وتقول الممثلة العالمية الحاصلة على الأوسكار والمبعوثة الخاصة للمفوضية السامية للأمم المتحدة للاجئين في مقال لها في مجلة التايم الأمريكية أنها كانت تأمل في أن مثل تلك القصص لربما تجبر العالم الغني والدول القوية على التدخل لوقف العنف. ولكنها تستطرد بأنه الآن بعد عقد تقريبا، مازالت تلك الرمزية صادمة لها كالنزاع السوري نفسه: البراءة الممزقة لجيل من الأطفال؛ والضرر الذي لا يمكن التعويض عنها .
وكانت جولي قد ذهبت إلى المنطقة السورية 10 مرات منذ بداية النزاع. وتبين الفرق بين الأزمة في بدايتها وما صارت إليه بعد ذلك؛ حيث في بادئ الأمر كان هناك أمل لدى الأسر التي التقت بها. وتذكر ما قالوه لها حينها “من فضلك، أخبري الناس بما يحدث لنا”، وثقتهم في أنه بمجرد أن تعرف الحقيقة سوف يأتي العالم لإنقاذهم. إلا أن الأمل قد تحول إلى غضب، وإلى ألم، وإلى صراع للبقاء، وتقول إن ذلك كان غضبا لوالد يحمل طفله ويسألها “هل هذا إرهاب؟ هل ولدي إرهابي؟ والألم كان لأسر قابلتهم يواجهون يوميا خيارات مثل أي واحد من أطفالهم سيحصل على الطعام الشحيح والدواء اليوم.
صور لا حصر لها رأتها جولي لأطفال اختنقوا بسبب الغاز، أو أصيبوا بتشوهات جراء شظايا القنابل، أو غرقوا على سواحل أوروبا، أو وفي وقت كتابتها مقالها، أطفال يتجمدون حتى الموت في محافظة إدلب السورية الباردة. ولم يكن أيا من ذلك كافيا ليكون أقوى من عدم التمييز القاسي للقوات المتحاربة والمصالح التي شاركت في تدمير سوريا.
وفيما كان أبعد مما يكون عن شفاء جراح سوريا، كان لاستجابة بعض القوى الخارجية أن أدت إلى إيقاع مزيد من الجراح، وتلوثت يدها بالدماء في هذا. مضيفة أن الدول الأخرى ركزت على محاربة الإرهاب أو جهود الإغاثة الإنسانية، بينما الحرب نفسها قد أصبحت أكثر ضراوة.
وتقول جولي إن القوانين التي تمنع قتل المدنيين، وقصف المستشفيات والمدارس، أو الاغتصاب الجماعي؛ والمعاهدات التي تمنع شن هجمات كيماوية؛ ومسؤولية الحماية، الموقعة جميعها من قبل دول الأمم المتحدة؛ والقوى التي لدى مجلس الأمن ليقوم بفعل لوقف النزاع، وميثاق الأمم المتحدة نفسه، كلها قد كسرت، ولم تفعل أو أسيء استخدامها في النزاع السوري. ومنذ 2014 والأمم المتحدة غير قادرة إحصاء القتلى في سوريا. موضحة أن بعض التقديرات تقول أن عدد القتلى من السوريين قد تجاوز نصف مليون شخص.
نحن في مواجهة خيار بين تدخلات عسكرية ودبلوماسية مفتوحة النهاية فيما قد شهدناه من قبل في العراق وأفغانستان، كما تقول جولي، وبين ترك الدول الأخرى بالدفاع عن نفسها، وإرسال أي قدر من المساعدات الإنسانية يمكننا إرسالها، وأن بالانغلاق. وتتابع بأن سوريا هي دليل على افتقار القيادة والدبلوماسية له تبعات.
يثير هذا أسئلة أساسية لهم كأمريكيين، حيث تتسائل جولي متى توقفوا عن الدفاع عن الضعيف، وعن الأبرياء، عمن يقاتلون لأجل حقوق الإنسان لأنفسهم. وأي بلد سيكونونه إن تخلوا عن هذا المبدأ. وترجع ذلك لأن هناك تركيز كبير في أمريكا الآن على الانغلاق. وتقول إن التاريخ يظهر أنه عندما قاتل الأمريكيون لتحرير أوروبا في الحرب العالمية الثانية، أو عندما ساهموا في بناء النظام العالمي بعد الحرب، جاء ذلك لصالحهم وأنهم حصدوا منافع من ذلك. وتضيف أنه عندما تمت مهاجمة أمريكا في الحادي عشر من سبتمبر، وقف إلى جانبهم في قضيتهم الكثير من الدول لأنهم قد اكتسبوا صداقتها.
وتقول جولي إننا نشهد النهاية القاسية للحرب في سوريا كما لو كان ليس للأمر علاقة بهم. لكنها تقول إن ذلك غير صحيح، وتطالب بأن تستخدم الولايات المتحدة قوتها الدبلوماسية للإصرار على وقف إطلاق للنار ومفاوضات سلام مبنية على الأقل على بعض المشاركة السياسية، والمحاسبة والظروف الآمنة لعودة اللاجئين.
البديل لذلك أن تصبح سوريا مرجعا مأساويا على القسوة والدمار الذي يمكن أن يقع برعونة على المدنيين وأن ذلك سيثقل كاهل الجيل المقبل المثقل بالفعل في بناء نظام عالمي ممزق.