خرجت أنجيلا ميركل في ظهور مفاجئ على غير عادتها لأول مرة في الخمسة عشر عامًا التي قضتها مستشارةً للحكومة الألمانية لتلقي خطاباً للشعب الألماني، وقالت ميركل عبارتها التاريخية “إن ألمانيا تواجه أكبر تحد لها منذ الحرب العالمية الثانية.

sss

واستدعى خطاب ميركل رسم المقارنات بين استجابتها وبين استجابة قادة دول آخرين؛ ففي حين أن ميركل كانت صريحة مع مواطنيها بغير فظاظة وأخبرتهم بأن كثير من الألمان سوف يصابون بالمرض، إلا أنها قالت إن هذه النسب ليست أرقامًا مجردة و”نحن في مجتمع كله حياة وكل شخص مهم”، مشيرةً إلى أنه ليس هناك علاج حتى الآن لفيروس كورونا، وأن الحل الوحيد هو احتواءه.

وفي صدى لذكرى قادمة من الفترة الأولى في حياتها إبان حكم النظام السلطوي الشيوعي، تحت ما يعرف باسم “الستار الحديدي” في ألمانيا الشرقية، قالت المستشارة إن القيود على السفر والتنقل بالنسبة لها ولمن نال تلك الحقوق بشق الأنفس مبررة فقط في حالة الضرورة القصوى، كما طمأنت المواطنين أن المواد الغذائية ستكون متاحة على الدوام.

بينما قال ترامب معلقاً على أعداد المصابين في الولايات المتحدة: “صراحة، الأعداد بسبب الإجراءات التي تم اتخاذها، هي في مستوى يدهش الكثيرين، خاصة بالمقارنة مع أماكن أخرى ذات تعداد سكان أقل”؛ وكذلك استجابة رئيس الوزراء البريطاني برويس جونسون الذي قال: ” الكثير سيفقدون أحبائهم قبل الآوان”.

هذه ليست أول أزمة أو كارثة عالمية تشهدها المستشارة الألمانية التي صعدت لمنصبها أول مرة في 2005، لتصبح أول سيدة تتولى رئاسة الحكومة الألمانية منذ سقوط جدار برلين في 1989 وتوحيد البلاد في 1990 بعد فوزها على المستشار السابق جريراد شرودر، فمن تصدرها مشهد الأزمة المالية العالمية إلى أزمة اللاجئين مرورًا باستيلاء روسيا على إقليم القرم وإلى البريكست وانتهاءًا بأزمة تفشي وباء فيروس كورونا.

نالت ميركل درجة الدكتوراة في الكيماء الفيزيائية عام 1986 في أكاديمية العلوم بألمانيا الشرقية، ودخلت السياسة في أعقاب سقوط جدار برلين.

وأصبحت المتحدثة الإعلامية باسم حركة الصحوة الديمقراطية في 1990، وانضمت الحركة فيما بعد إلى تحالف يضم حزب الاتحاد الاشتراكي الألماني والاتحاد الديمقراطي المسيحي، الذي انضمت إليه ميركل لاحقًا ذلك العام، وانتخبت ميركل رئيسة لحزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي في عام 2000 لتصبح أول سيدة ترأس الحزب.

هذا إلى جانب تصنيف ميركل كأحد أقوى الساسة وأقوى امرأة في العالم، فهي تلقب بين مؤيديها “الأم”، ويطلق عليها في أروقة الديمقراطية الليبرالية “زعيمة العالم الحر”.

صعود ميركل كان يبدو أنه يريد الإجابة عما يطلق عليه بين المحللين “معضلة كسينجر”، وزير الخارجية الأمريكي الأسبق، الذي قال “من أخاطب عندما أريد التحدث مع أوروبا”.

وتتمسك ميريكل في مواقفها بالتعبير عن “القيم الأوروبية” ورغبتها في المحافظة على “المشروع الأوروبي”، ونالت سمعة “الزعيمة الفعلية” للاتحاد الأوروبي عبر تصدرها استجابة الكتلة في الكثير من الأوقات الضبابية الحرجة، ما جلب عليها الكثير من الانتقادات وكان له تأثيراً على رصيدها في الساحة السياسية الداخلية بل وأحياناً الأوروبية.

الأزمة الاقتصادية

الأزمة الاقتصادية العالمية في 2008، كانت أكبر تحد يواجه “ميركل”، فلم يكن هناك من يعلم ما يخبأه المستقبل بعد.

ركزت استجابة “ميركل”،  في ذلك الحين على أكثر من شق في آن واحد؛ المحفزات الاقتصادية داخليا- لمحاولة استعادة الثقة في المنظومة المصرفية بعد الانهيار الذي أشعل الأزمة بسبب إفلاس بنك “ليمان براذرز”؛ وجلبت حزم قروض الإنقاذ أوروبيا، سخطاً في دول مثل اليونان بسبب إجراءات التقشف الشديدة المقرونة بها؛ ومحاولة دمج اقتصاديات عالمية كبرى ليست بشكل كبير جزء من النظام الاقتصادي العالمي مثل الصين والهند- التي كانت تعد في ذلك الحين محركًا إضافيا للاقتصاد العالمي في الوقت الذي ضرب فيه الكساد اقتصاديات العالم الكبرى الأخرى.

“إذا فشلت أوروبا في الإجابة عن سؤال اللاجئين لن تكون أوروبا التي نريدها”- أنجيلا ميركل.

أزمة اللاجئين 2015-2016

وكان قرار “ميركل” باستقبال أكثر من مليون لاجئ، من سوريا، والعراق وأفغانستان، أبرز النقاط في مسيرتها.

بدأت ما تعرف باسم أزمة اللاجئين في 2105 عندما تكدست معسكرات اللاجئين في تركيا ودول الجوار الأخرى، التي كان يتراكم بها اللاجئين منذ اندلاع الحرب الأهلية السورية في 2011، وبدأ اللاجئون في رحلة شاقة على الأقدام على طريق البلقان، بينما ألقى البعض بنفسه في رحلة بحرية محفوفة بالمخاطر في البحر المتوسط.

ولكن اتخذت “ميركل” قرارًا استثنائيًا بسبب “الوضع الاستثنائي”، بتطبيق سياسة “الباب المفتوح”، حيث قالت في معرض دفاعها عن قرارها قبل الانتخابات المحلية في 2017: “كان الوضع استثنائيًا، واتخذت قرارًا بناءًا على ما أعتقد أنه صائب من المنطلق السياسي والإنساني”.

“التاريخ سيثبت أنها كانت على صواب”- جان كلود يونكر، الرئيس السابق للمفوضية الأوروبية.

قرارات مشرفة لـ “ميركل”

في 2014، تصدرت “ميركل” استجابة الاتحاد الأوروبي بفرض عقوبات على مسئولين “روس” تحت نظام “بوتين” بعد اجتياح روسيا أوكرانيا واستيلائها على إقليم القرم.

وفي 2019 قالت “ميركل” في، مؤتمر صحفي مع رئيس جمهورية أوكرانيا “فولوديمير زيلينسكي”: “طالما ليس هناك تقدم على هذه الجبهة، ليس من الممكن رفع العقوبات، وتلك العقوبات المتعلقة بالقرم يمكن أن ترفع فقط إن عاد القرم إلى أوكرانيا”، ومن المعروف عن ميركل إجادتها الممتازة للغة الروسية.

في 2013، تم الكشف عن تجسس وكالة الأمن القومي الأمريكية، على “ميركل” ومسؤولين أوروبين آخرين، منهم الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند حينذاك، إضافة إلى ملايين المراسلات والمكالمات لموطنين فرنسين.

وهاتفت ميركل الرئيس الأمريكي السابق بارك أوباما، تطلب منه توضحيًا على هذه المسألة، والذي أكد من جانبه أن الولايات المتحدة لم ولن تتجسس على اتصالات المستشارة الألمانية.

“أنا أؤمن بشدة أن البيانات الشخصية لا تنتمي لا للدولة ولا للشركات. يجب ضمان سيادة الأفراد على بياناتهم وأن يمكنهم تقرير إلى من ولأي غرض هم يشاركونها”- أنجيلا ميركل.

ومن المعروف تأييد “مريكل” لتشريعات حماية الخصوصية، حيث طرحت بعد الحادثة السابقة مشروعا لشبكة أوروبية لا تمر فيها المراسلات عبر الولايات المتحدة، كما أنها صرحت مؤخرا في 2019 أن أوروبا في حاجة إلى بنية قانونية ملزمة إلى جانب النظام الأوروبي العام لحماية البيانات.

وقالت ميركل:”أنا أؤمن بشدة أن البيانات الشخصية لا تنتمي لا للدولة ولا للشركات. يجب ضمان سيادة الأفراد على بياناتهم وأن يمكنهم تقرير إلى من ولأي غرض هم يشاركونها”- أنجيلا ميركل.

وفي 2018، أعلنت أنجيلا ميركل حظر تصدير الأسلحة الألمانية إلى المملكة العربية السعودية والأطراف المشاركة في حرب اليمن، في أعقاب مقتل الصحفي السعودي جمال خشقاجي في قنصلية المملكة بتركيا، كما قررت في 2019 مد حظر تصدير الأسلحة.

وأثار القرار الألماني، حفيظة فرنسا والمملكة المتحدة السعودية بيد أن الحظر قد امتد إلى المعدات التي تحتوي على مكونات ألمانية، حيث أن هذه الدول تشارك معها برامج عسكرية لتصنيع الأسلحة.

وفي نهاية 2019، صرحت “ميركل” أنها سوف تواجه التغير المناخي بكل ما أوتيت من قوة لكي تمكن الأجيال المقبلة من العيش في ازدهار وسلام، لذلك لُقبت بـ “المستشارة المناخية”، حيث أنها عالمة بالأصل، وكانت وزيرة للبيئة منذ 1994 إلى 1998 وكانت المسؤولة الألمانية في المفاوضات التي توصلت إلى خروج اتفاقية “كيوتو” للحد من انبعاثات الغاز الدفيئة في 1997، المعاهدة الدولية الوحيدة الملزمة حتى الآن.

والفترة الحالية ستكون أخر فترة ترأس فيها أنجيلا ميركل الحكومة الألمانية والتي تنتهي في 2021 وذلك بعد استقالتها من رئاسة الحزب الديمقراطي المسيحي وعزمها عدم الترشح لفترة مقبلة، وستودع الاتحاد الأوروبي بعد أن يحين موعد ألمانيا للرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي في النصف الثاني من 2020.