“احتجاز وتعذيب وقتل.. كيف صدر الاتحاد الأوروبي سياسته للهجرة” كان عنوان المقال الذي نشرته الجارديان للصحفي وعالم الأعصاب البريطاني من أصل هندي كنعان مالك، والذي استهله بقوله إن أيديولوجية منحرفة أخلاقيا فحسب هي ما يمكنه تبرير فتح النيران على من كانوا يفرون للنجاة بحياتهم.

sss

ويقول كنعان أنه بعد خروج المقطع المصور الذي أظهر حرس الحدود اليونانيين وهم يعمدون إلى قلب قارب مطاطي مكدس بالمهاجرين وإطلاق الرصاص نحوه، طرح العديد من الأشخاص سؤالا عما “يمكن فعله سوى ذلك”. وجاءت تلك الواقعة بعد قيام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بفتح الحدود في محاولة هزلية لابتزاز الاتحاد الأوروبي لدعم الهجوم العسكري التركي في سوريا.

وأشار إلى أنه في حين أن الكثير قد صدمتهم أفعال حرس الحدود، فهناك الكثيرون أصروا على أن ذلك كان استجابة ضرورية، كما أعرب قادة الاتحاد الأوروبي عن “تضامنهم” مع اليونان، واصفين أنها “درع” أوروبا.

مهما كان ذلك المقطع صادما، فليس هناك ما هو غير معتاد من مثل ذلك التعامل مع المهاجرين، كما يقول كنعان، مشيرا إلى وجود تاريخ طويل لإطلاق النار على المهاجرين من قبل حرس الحدود الليبيين، والذين تم الدفع لهم وتدريبهم من قبل الاتحاد الأوروبي.

ولفت الكاتب إلى أن القبض على المهاجرين قد بات “تجارة رائجة” في ليبيا، بحسب مذكرة داخلية للاتحاد الأوروبي سربت العام الماضي. حيث زعم العديد من الميليشيات ومهربي البشر أنهم من حرس الحدود للحصول على أموال الاتحاد الأوروبي عن طريق الاحتجاز التعسفي للمهاجرين، مضيفا أنه بحسب منظمة العفو الدولية كان هناك نحو 20 ألف مهاجر احتجزتهم الحكومة، والميليشيات والعصابات الإجرامية، وأن الكثير منهم تعرض للتعذيب والإيذاء، وهي الممارسات التي كانت الحكومات الأوروبية “متواطئة” فيها.

ويرى الكاتب أنه ذلك جاء في نمط أعم، حيث أشار إلى أن تلك الأحداث لم تقتصر على ليبيا فحسب. حيث قام الاتحاد الأوروبي بإنشاء ما وصف أنه قطاع ضخم للاختطاف والاحتجاز في أنحاء شمال أفريقيا، والساحل والقرن الأفريقي. وأنه قام بإبرام اتفاقيات مع أشخاص مثل عمر البشير، حاكم السودان السابق الذي أدين من قبل المحكمة الجنائية الدولية في جرائم حرب. مضيفا أن قوات الجنجويد، الميليشيا التي شنت حرب إبادة عنيفة في دارفور، والتي تطلق على نفسها الآن قوات التدخل السريع وتقوم باصطياد المهاجرين لأجل الاتحاد الأوروبي بدلا من الثوار للبشير.

ويقول كنعان أنه لا يوجد أحد يعرف كم من المهاجرين قد قتلوا من قبل القوات التي تتلقى تمويلا من الاتحاد الأوروبي، وتابع أنه من بين الذين أفلتوا من براثنهم، تعرض 20 ألف على الأقل للغرق في البحر المتوسط على مدار الست سنوات الماضية وحدها.

أما بالنسبة للسؤال الذي يطرحه كثيرون وأورده الكاتب في بداية مقاله عما “يمكن فعله سو، يرد الكاتب بسؤال آخر قائلا: “ما الذي يمكننا فعله سوى الاحتجاز الجماعي، والتعذيب والقتل؟”

وتابع مستنكرا بقوله: ماذا عن أن تكون النقطة المبدئية هي رفض الاحتجاز، والتعذيب والقتل؟ مردفا أن هذا يبدو الموقف الواضح الذي لا ينبغي أن يمتنع عنه أي إنسان كريم. ثم يطرح أنه فعل ذلك فحسب من شأنه تقويض عين أساسات استراتيجية أوروبا “القلعة”. مدللا بذلك على ما وصف أنه مدى الانحراف الأخلاقي لسياسة الاتحاد الأوروبي.

أما بعد ذلك، يضيف كنعان بأن عليهم التفكير في كيفية كسب الحجة لأجل سياسات هجرة أكثر ليبرالية. لافتا إلى أنه لا توجد هناك ليبرالية دون دعم شعبي. حيث يرى أن المعضلة الرئيسية اليوم هي أنه لا توجد أي سياسة أخلاقية للهجرة يرجح فوزها بتفويض ديمقراطي، وأن أي سياسة تحظى بدعم شعبي ستكون على الأغلب غير أخلاقية. ثم يستدرك بقوله إن ذلك لا يعني أن الجماهير الأوروبي تميل للسياسات غير أخلاقية؛ بل بالأحرى إنها الطريقة التي تم تأطير الهجرة من خلالها من قبل السياسيين والمعلقين السياسيين، وذلك في تقديم المهاجرين على أنهم دخلاء.، وأن السياسات التي يروجون لها لا مفر من أن تولد عدوانية.

ثم يعطي مثلا على ذلك بما حدث في اليونان في 2015، مشيرا إلى أنه كان هناك الكثير من التعاطف مع المهاجرين الواصلين. حيث قام سكان لسبوس، أقرب جزيرة يونانية إلى تركيا، والمقام بها معسكر احتجاز موريا، بتقديم الكثير من المساعدة للواصلين، بما في ذلك الطعام والملبس.

ويخلص من ذلك إلى أن إخفاقات سياسة الاتحاد الأوروبي هي ما غير الاتجاهات.

قائلا إن اليونان ربما تكون دولة عضو في الاتحاد الأوروبي لكنها كانت تعامل من قبل بروكسل كأنها ليبيا أو النيجر، جزء من الحدود الأوروبية، سجن عملاق يترك فيه المهاجرين ليتعفنوا كي لا يصبحوا مشكلة لدول “قلب” الاتحاد الأوروبي. واستشهد بما قاله عمدة لسبوس حتى العام الماضي، من أن الاتحاد الأوروبي قد “تركنا بلا حماية وبمفردنا”، وكانت النتيجة أن تلك “الطيبة تحولت إلى غضب”.

على جزر مثل لسبوس، هناك أعداد ضخمة من المهاجرين المحتجزين في ظروف مروعة، ما يؤدي إلى توليد غضب بين المحتجزين والسكان. ولكن الكاتب يقول إنه لو كانت أوروبا تحملت المسؤولية الجماعية، كانت الأعداد ستكون صغيرة نسبيا.

مشيرا إلى أنه باستثناء عامي 2015 و2106، التي كانت سنوات غير معتادة بسبب الأحداث في سوريا، كانت أعداد المهاجرين إلى أوروبا غير المسجلين سنويا أقل من أعداد المهاجرين المسجلين القادمين إلى بريطانيا وحدها، وإلى أن المشكلة الحقيقية ليست الأعداد بل السياسات التي تخلق الكثير من أعناق الزجاجات، والظروف المروعة سواء للسكان المحليين أو المهاجرين، واسقاط صورة أن القارة تحت الحصار.

ويختم الكاتب بقوله إن سياسات أكثر ليبرالية سوف تعني أعداد أكبر من المهاجرين. وذلك لما الكثيرون يستبعدون أن تكون سياسات أكثر ليبرالية كيوتوبيا مثالية، وأن ما تحتاجه أوروبا هو تشديد أكثر للقيود. ويعلق قائلا إن من يتخذون وجهة النظر هذه في حاجة إلى أن يكونوا أمناء بشأن حجتهم. وبدلا من التخفي وراء تعبيرات مثل “قيود حدودية” أو “درع”، ينبغي عليهم القول صراحة: “أنا سعيد لقبول الاحتجاز الجماعي، والتعذيب والقتل كثمن يستحق دفعه لإبقاء المهاجرين غير مسجلين بعيدا”. لأن هذا هو جوهر سياسة قلعة أوروبا.