كاميرا صغيرة مثبتة في أحد الشوارع، أو نظارة ذكية مخزن عليها قاعدة بيانات، تحتوي علي ملايين الصور الشخصية، يمكنها استخراج شخص واحد من وسط الآلاف بسهولة، وتحديد مكانه عن طريق التعرف علي ملامح وجهه، وتقديمه للمحاكمة على أنه جاني.

sss

التقنية الذكية التي تتطور كل يوم، والتي أضافتها بعض شركات المحمول، للهواتف الذكية لضمان الخصوصية الشخصية وسرية البيانات، أثارت تخوفات شديدة في بعض الدول، من تحولها لسلاح للسلطة لمراقبة الحياة الشخصية.

تستخدم هذه التقنية على نطاق واسع في دولة مثل الصين، التي تمكنت من تطوير كاميرا تصل دقتها إلي 500 ميغابكسل، يمكنها التقاط صور مفصلة للوجه، والتعرف بسهولة على شخص وسط الألاف، وفي إحصائية شديدة قُدر عدد الكاميرات التي تنشرها الصين، للتعرف على هوية مواطنيها بحوالي 200 مليون كاميرا.

وتمكنت الشركات الصينية، في تطوير إمكانية التعرف علي الوجه، خلال ارتداء الكمامة في زمن كورونا، وهي تقنية لم تكن موجودة قبل انتشار الوباء في دول العالم. 

أقرأ أيضًا: “هدية اليابان للعالم” .. هل يوقف “أفيجان” زحف كورونا داخل مصر؟

انتهاك الخصوصية وحقوق الإنسان 

وإذا كان هذه التقنية مفيدة للأجهزة الأمنية، للتعرف علي الخارجين عن القانون وتتبعهم، فإنها وسيلة لتقيد الحريات ومراقبة الأشخاص، لاسيما أن هذه التقنيات تستخدمها سلطات الدول المستبدة، في مراقبة النشطاء السياسيين والمعارضيين.

ترى منظمات حقوق الإنسان، أن الخصوصية أثناء التواجد في الأماكن العامة، يحميها حق التعبير عن الهوية، دون أي تدخل من الدولة أو الشركات الأمنية، وهو ما يجعل التقاط الصور في الأماكن العامة لأشخاص، دون اتخاذ إذن مسبق منهم انتهاك للخصوصية ومخالف للقانون.

وما يزيد من صعوبة الأمر، أن معظم الدول ليس لديها تشريعات محددة لتنظيم تقنية التعرف على الوجه، بالرغم من محاولات بعض الدول إيجاد حل لهذه المشكلة، إلا أن التجارب والأبحاث، أثبت إمكانية خطأ هذه الأنظمة في بعض الاحيان.

ويري مراقبون أن التوسع في استخدام هذه التقنية، يؤدي لانتهاكات حقوق الإنسان، وممارسة العنصرية، وإلقاء القبض علي أبرياء.

ولاختبار هذه التقنية أجري الاتحاد الأمريكي للحريات المدنية “ACLU”، اختبارًا للتعرف على وجوه أعضاء الكونجرس الأمريكي، باستخدام قاعدة بيانات مجانية مفتوحة.

النتائج جاءت صادمة بتحديد 28 عضوًا بالكونجرس على أنهم مجرمين تم اعتقالهم من السلطات وهو ما دفع اتحاد الحريات المدنية بأمريكا للمطالبة بوقف تعميم هذه التقنية

 المثير للدهشة إن النتائج جاءت صادمة، بتحديد 28 عضوًا بالكونجرس على أنهم مجرمين، تم اعتقالهم من السلطات، وهو ما دفع اتحاد الحريات المدنية بأمريكا، للمطالبة بوقف تعميم هذه التقنية.

كما أظهرت دراسات وأبحاث ميدانية، في مختبرات معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا أن التعرف علي الوجه ذو البشرة الداكنة، والنساء اللآتي يستخدمن أدوات التجميل، يحمل نتائج غير دقيقة.

وهو ما يعني أن استخدم الأجهزة الأمنية لهذه التقنيات، يمكن أن يشوبه الكثير من اقتحام الحياة الشخصية والعائلية، في حالة استعانة أحد ضباط الشرطة بهذه التقنية، وتتبع أحد الأشخاص واقتحام منزله أو القبض عليه، بعدها يتضح براءته.

وهناك الكثير من الحالات، التي أثبت هذه القنية عدم دقتها، لاسيما مع الأشخاص الملونين، وهو ما دفع عددًا من الولايات الأمريكة لوقف استخدام هذه التقنية.

أقرأ أيضًا: “النفايات السامة” تجارة إفريقيا الرائجة على حساب الإنسانية

معارضة تطبيقه في فرنسا

تمنع دول الاتحاد الأوربي استخدام تقنية التعرف علي الوجه، إلا أن إعلان حكومة الرئيس الفرنسي إيمانيل ماكرون، عن اعتزامها لاستخدام هذه التقنية، أثار موجات حالة من القلق في المجتمع الفرنسي وأوربا.

وتستعد الحكومة الفرنسية لأطلاق تطبيق التعرف علي الوجه، في نوفمبر المقبل، بعد اختبار البرنامج لمدة 6 أشهر، وسط انتقادات ومخاوف تتحدث عن انتهاك الخصوصية الشخصية، وهو ما يتعارض مع بعض القوانين والمواثيق الأوربية.

تسبب إصرار السلطات الفرنسية علي استخدام التطبيق خلال العام الجاري للجوء عددًا من المحامين لرفع دعوى قضائية لمنع استخدم التطبيق

وتبرر وزارة الداخلية الفرنسية، علي موقعها الإلكتروني، لجوئها لاستخدام تقنية التعرف على الوجه، بأن هذه التقنية يمكن من خلالها تأكيد هوية أي شخص بصورة آمنة على الأنترنت، لاسيما أن فرنسا تعرضت لعدة هجمات إرهابية، علي يد الذئاب المنفردة والدواعش العائدين لأوروبا.

ويمكن هذا التطبيق الحكومة الفرنسية، من مراقبة الخارجين عن القانون وتحركاتهم، والتدخل الفوري للقبض عليهم.

وتسبب إصرار السلطات الفرنسية، علي تطبيق القانون خلال العام الجاري، للجوء عددًا من المحامين، لرفع دعوى قضائية ضد الدولة، لمنع استخدم التطبيق الذي يتعارض مع قوانين الدول الأوروبية.

أقرأ أيضًا: “ثنائية الوباء والحرب”.. ليبيا في مواجهة صراع البقاء

دول الاتحاد الأوربي وأمريكا

بالرغم من أن دولة مثل فرنسا، أعلنت عن البدء في تفعيل التطبيق، تمنع دول الاتحاد الأوربي استخدام هذه التقنية، وسط تخوفات مستمرة للمواطنين، من استخدام هذه التطبيق في سرقة معلوماتهم الشخصية، عن طريق بصمة وجههم، أو استخدامها في طرق للاحتيال.

وتعتبر دول الاتحاد الأوربي استخدام هذه التقنية، خرقًا للخصوصية الشخصية، وهو ما دفع دولة مثل السويد لمنع استخدام هذه التقنية في المدارس، وفي الولايات المتحدة تمنع 4 ولايات هي ” واشنطن وتكساس وإلينوي وكاليفورنيا”، استخدام هذه التقنية.

فيما منعت مدينة “سان فرنسيسكو وسان دييغو وأوكلاند وسومرفيل” استخدام تقنية التعرف على الوجه، في جميع المؤسسات الحكومية، وتدرس مدينة “بورتلاند” منع استخدام هذه التقنية.

تعتبر دول الاتحاد الأوربي استخدام هذه التقنية خرقًا للخصوصية الشخصية وهو ما دفع دولة مثل السويد لمنع استخدام هذه التقنية في المدارس

ويمتلك مكتب التحقيقات الفيدرالي، قاعدة بيانات تحتوي علي صورة 640 مليون شخص، ويتم استخدام هذه القنية عن طريق كاميرات مراقبة، أو عن طريق نظارات شمسية ذكية، يمكنها مراقبة الأشخاص في أي مكان.

وتستخدم أمريكا هذه التقنية في التعرف على هوية المسافرين، وإذا ما كان أحدهم مطلوب جنائيًا، وتمكنت هذه التقنية، من التعرف علي شخص قتل 5 أشخاص، وتمكنت أيضًا من تحديد هوية شخصين، يشتبه فيهما بمحاولة قتل العميل الروسي “سيرجي سكريبال” ونجلته في بريطانيا.

أقرأ أيضًا:”إنفوجراف”..إجراءات الوقاية من “كورونا” طوق نجاة “سكان الزنازين”

الصين: المراقبة في أي مكان

في دولة مثل الصين، يزيد سكانها عن مليار شخص، ويصبح استخدام هذه التقنية ضرورة، ولكنها في نفس الوقت، تستخدمه السلطة لمطاردة المعارضين، والتدخل في الحياة الشخصية.

وتوسعت الحكومة الصينية في استخدام هذه القنية، في المناطق الحدودية وصلات السفر والوصول بالمطارات، والحدائق العامة والشوارع الرئيسية والمولات، والمجمعات الصناعية.

ويزداد نشاط السلطات الصينة، في استخدام هذه التقنية خلال العطلات والأجازات الرسمية، عن طريق نشر المخبريين السريين، وسط ملايين الصينين وفي الشوارع الرئيسية، وهم يرتدون نظارات ذكية، مزودة بقاعدة بيانات تحتوي علي ملايين الصور لمطلوبين.

وتمكنت الأجهزة الصينية من خلال هذه التقنية، من إلقاء القبض علي أعداد كبيرة من المطلوبين والمجرمين الجنائيين والهاربين بسهولة والتحقيق معهم، كما استخدمت السلطات الصينية هذه التقنية، في القبض علي المعارضين لها والمنشقين سياسيًا.

استخدمت الصين هذه التقنية في تعقب واضطهاد الأقليية المسلمة بالإيغور وتقوم السلطة بجمع بياناتهم ومسحة الوجه للتتبعهم ومعرفة أماكن تواجدهم وخريطة علاقاتهم

وتعتبر شركة ” LLVision” للتكنولوجيا ومقرها بكين، هي الشركة المطورة للنظارات الذكية، وتنتج نظارات مزودة بكاميرات فيديو، يمكن أرتداؤها، وتشترط الشركة الحصول علي وجه المشتري وبياناته، ولا تبيعها للمستهلكين العاديين.

وتعتبر الصين رائدة في مجال المراقبة القائم علي الذكاء الاصطناعي، ويمكن للأجهزة المحمولة التي يمسكها معظم الناس، التعرف علي الوجه بسهولة، مما يتيح للسلطات الوصول لأي شخص تحدده.

وبحسب الشركة الصينة، يتم استخدام هذه التقنية عن طريق أجهزة المحمول، التي يتم تزويدها بيانات وصور الأشخاص، وبمجرد فتح كاميرا التليفون المحمول، وتمريره في محيط معين، يمكن تحديد الأشخاص المطلوبين بسهولة.

وخلال الفترة الأخيرة، استخدمت الصين هذه التقنية، في تعقب واضطهاد الأقليية المسلمة في الإيغور، وتقوم السلطة بجمع بياناتهم ومسحة الوجه، للتتبعهم ومعرفة أماكن تواجدهم وخريطة علاقاتهم.

ويقول الباحث الصيني ” وليام ني”، الباحث في منظمة العفو الدولية، إن استخدام رجال الشرطة الصينية، تقنية التعرف علي الوجه، يجعل المراقبة في الصين موجودة في كل مكان وفي كل وقت.

أقرأ أيضًا:متى يخجل اليسار  من دعمه لديكتاتورية الصين المتوحشة؟

سوق بحجم 7 مليار دولار

تشير مؤسسات أبحاث السوق، أن حجم الكاميرات المزودة ببرامج التعرف على الوجه، قدر في 2019 بحولي 3.2 مليار دولار، ومن المتوقع أن يصل في 2024 إلي 7.8 مليار دولار، بمعدل نمو يصل 16% سنويًا. 

وهو ما يثير مخاوف كبيرة في هذه الدول، من إمكانية تحديد المعارضين بسهولة، خلال المسيرات المعارضة  أو المظاهرات، والقبض عليهم أو أداء القتل الخطأ.

لاسيما أنه لا توجد في هذه الدول، أي قوانين أو ضمانات لاستخدامها، لتتحول هذه التقنية لسلاح في يد السلطة لمطاردة المعارضين.

ما يثير مخاوف كبيرة في هذه الدول من إمكانية تحديد المعارضين بسهولة خلال المسيرات المعارضة أو المظاهرات والقبض عليهم وتبرير قتلهم 

في الوقت ذاته توجد استخدمات مفيدة لهذه التقنية، مثل مساعدة المكفوفين علي التعرف على الشخص في الصورة، أو المتواجد معه في الغرفة، وتطور شركات بطاقات الائتمان هذه التقنية، للتعرف علي الوجه، لضمان عدم سوء الاستخدام أو الاحتيال.

وتطور شركات المحمول أجهزتها، للحفاظ على خصوصية الاستخدام، والتعرف بدقة على المستخدم للحفاظ على بياناته.

أقرأ أيضًا: قبل أن يحول كورونا سجونهم إلي مقبرة.. أطلقوا سراحهم