سعت الجماعات الإرهابية منذ عدة أعوام إلى تجاوز الأشكال التقليدية في الإعلام الدولي، ولجأت إلى تطوير تقنيات جديدة عبر شبكة الإنترنت، مستغلة «شبكات التواصل الاجتماعي» على نطاق عالمي واسع، من أجل إيصال رسائلها واستقطاب مزيدًا من «المجندين» لحسابها، والمتعاطفين معها، ضمن ما بات يُعرف بـ «الإرهاب الرقمي».

سمحت التكنولوجيا لتلك الجماعات بالتواصل بشكل فوري وآمن بين بعضهم البعض وبين المجندين المحتملين، كما سمحت لها بعض «التطبيقات» الإلكترونية بالهروب من طائلة القانون، فضلًا عن تطور قدرتها على تصوير الأفلام الدعائية وتحميلها باستخدام منصات التواصل، ونشرها والترويج لها بصورة متطورة، فباتت تقنيات الشبكات الاجتماعية «منصاتٍ للدم»، وأصبح «الإرهاب الرقمي» خطرًا عالميًا بكل المقاييس.

عمدت الجماعات إلى استخدام مواقع التواصل الاجتماعي كأداة لتحديد أهدافها، والتعرف عليها، ومراقبة تحركاتها، خاصة في إطار عمليات الاغتيالات التي تطال بعض رموز الأجهزة الأمنية أو السياسية في الدول المستهدفة، وذلك إما بمراقبة من يمتلك حسابات على تلك المواقع، أو مراقبة دائرة أصدقائهم ومعارفهم للوصول إليهم، وجمع البيانات اللازمة عن تحركاتهم، وتوفير الوقت والجهد اللازمين للقيام بذلك على أرض الواقع، وأيضًا ضمان سرية المراقبة.

 

تعد وسائل التواصل الاجتماعي وسيلة بالغة الأهمية للجماعات المتطرفة، في إطار ما أسماه البعض «شبكات الكوادر»، التي تعد أحد أساليب استخدامها كمساحات افتراضية مغلقة، تعمل على التواصل بين كوادر التنظيم المسلح كأداة عابرة لقيود المكان، وذلك من أجل مهام عدة، منها التدريب على تكوين خلايا تنظيمية، واستقطاب مزيد من الكوادر وتدريبهم على استخدام الأسلحة، والتنسيق للعمليات المسلحة وتوقيتها، والتدريب على صنع القنابل البدائية.

تعد وسائل التواصل الاجتماعي وسيلة بالغة الأهمية للجماعات المتطرفة، في إطار ما أسماه البعض «شبكات الكوادر»

إلى جانب استخدام الإنترنت كوسيلة لتنسيق العمليات المسلحة على أرض الواقع، استخدمته الجماعات لتنفيذ هجمات إرهابية افتراضية على المواقع الإلكترونية المهمة، ولسرقة أرقام بطاقات الائتمان أو استهداف البنية التحتية للدولة التي تعتمد على أجهزة الحاسوب الرقمي بهدف تعطيلها أو مهاجمة أهداف اقتصادية لإيقافها عن العمل.

على الجانب الآخر، كشف مؤسس جمعية «أبحاث جرائم الكراهية في الإنترنت» بالسويد، توماس أبيرغ، أن نصف «جرائم الكراهية» عبر الإنترنت المرتكبة في البلاد استهدفت المسلمين، خلال الفترة بين 2017 – 2018. وذكر «أبيرغ» في تصريحات أدلى بها 19 أبريل 2019، للتلفزيون الرسمي السويدي، أن تقارير الشرطة أظهرت ارتفاع معدلات «جرائم الكراهية» على الإنترنت إلى الضعفين خلال الفترة المذكورة، في حين وصلت إلى 3 أضعاف في المدن الشمالية.

مؤسس جمعية «أبحاث جرائم الكراهية في الإنترنت» بالسويد: نصف «جرائم الكراهية» عبر الإنترنت المرتكبة في البلاد استهدفت المسلمين، خلال الفترة بين 2017 – 2018

وأوضح الناشط الاجتماعي، أن «نسبة 50% من تلك الجرائم بالبلاد ارتُكبت ضد المسلمين، و22% منها استهدفت طالبي اللجوء، في حين كان 21% من تلك الجرائم موجهة ضد المنحدرين من أصول أفريقية»، لافتا إلى أن الجرائم المذكورة ارتُكبت من قبل أشخاص تزيد أعمارهم عن 50 عامًا، مبينًا أن 83% من مرتكبيها هم من الرجال، و17% من النساء. ونوه أبيرغ بأن 459 شخصًا صدرت بحقهم أحكام مختلفة لارتكابهم جرائم كراهية، العام الماضي.

سؤال «الإرهاب الأبيض» الأخلاقي

تدرك الحكومات الغربية والأمريكية، على وجه التحديد، أن مواقع التواصل الاجتماعي ساهمت في تغذية التطرف والعنف والإرهاب، ولكنها غير معنية إلا بمحاربة شكل واحد منه، وهو ما تسميه «الإرهاب الإسلامي»، ولا يهتمون بالإرهاب الذي تنشره جماعات «التفوق الأبيض»، والإرهاب اليميني المتطرف. وقد تعاونت معهم الشركات التكنولوجية وتوصلوا إلى حلول لمحاربة «داعش» وغيرها من الحركات التي تدعي «الإسلامية» على الإنترنت، ولم يتخذوا إجراءات تجاه «الإرهاب الأبيض» المضاد.

وهذا التراخي في مواجهة إرهاب اليمين المتطرف في أوروبا وأمريكا يستوجب توجيه السؤال الأخلاقي، ليس إلى المستخدمين أو مالكي منصات التواصل الاجتماعي وحدهم، وإنما إلى الجهات الحكومية العالمية كذلك، إذ يتشارك الجميع هذه المسؤولية بنسب متفاوتة، ويجب عليهم جميعاً تحمل مسؤولياتهم كاملة لوقف جنون الإرهاب الذي إذا تحول إلى الرقمية فإنه لا يمكن السيطرة عليه أبدًا.

يشير المحللون إلى أنه تم تصميم «مذبحة نيوزيلاندا» الإرهابية في 15 مارس 2019، لتكون «إرهابا رقميا» من الأساس، شكلًا ومضمونًا وانتشارًا وترهيبًا، ذلك أنها أرادت الاستفادة من خصائص الرقمنة. فالمجرم ومن معه يعلمون أن المحتوى الرقمي ينتشر بسرعة فائقة، وإلى أكبر عدد متعاظم من المستخدمين حول العالم، وأنه محتوى مستقر لا يمكن محوه أو إزالته مهما سعينا لذلك، لتخلده مخازن رقمية وحواسيب عالمية إلى مدة زمنية لا نهائية، فيمكن لهذه الجريمة أن تشاهدها الأجيال بعد آلاف السنين، دون مبالغة، وهنا يكمن التحدي الأخلاقي الأكبر.

أجرت لجنة الشؤون الداخلية (HASC) في المملكة المتحدة، منتصف عام 2018، تحقيقات موسعة حول معدلات «جرائم الكراهية» في مواقع التواصل الاجتماعي. وأوصت اللجنة بفرض نظام إلكتروني أتوماتيكي يراقب محتويات العنف والكراهية عبر الإنترنت، مع فرض غرامات «ضخمة» من قبل الحكومات على شركات الإعلام الرقمية التي تفشل في إزالة المحتوى الذي يدعو ويشجع على الإرهاب في إطار زمني واضح ومحدد.

ويقول «جيم كيلوك»، المدير التنفيذي لمجموعة «open rights» والمتخصصة في مجال حقوق مستخدمي الإنترنت، ومقرها لندن، إن «التوصيات بفرض رقابة على المحتويات الإرهابية، وإن كانت ستهدد حرية التعبير إلا أنها مهمة، لا سيما بعد التوصل لحقائق تشير إلى أن عددًا من مواقع التواصل والإعلام الاجتماعي تتصرف بشكل غير مسؤول، وتتهاون وتفشل في إزالة المواد المتطرفة من منصاتها».

من جانبها، تبنت الشركات العاملة في صناعة محتوى التواصل الاجتماعي 3 آليات، في تطوير عملها لمكافحة المحتوى المتطرف على وسائل التواصل، وهي أولًا: الاستعانة بخبراء في مجال مكافحة الإرهاب من مجتمع مدني وأكاديميين وحكومات، ثانيًا: العمل على إزالة المحتوى الإرهابي، ثالثًا: تحسين العمل الفني المشترك بين الشركات الأربعة مثل مشاركة قواعد البيانات وتصنيف المحتوى من خلال آليات التعلم الآلي.

يرى بعض الباحثين أن من التدابير التي يجب أن تتخذها الدول لمكافحة الإرهاب الإلكتروني، رصد أنشطة الجماعات الإرهابية على الشبكات الاجتماعية وتحليل محتواها وأهدافها والاستراتيجيات المعتمدة فيها

ويرى بعض الباحثين أن من التدابير التي يجب أن تتخذها الدول لمكافحة الإرهاب الإلكتروني، رصد أنشطة الجماعات الإرهابية على الشبكات الاجتماعية وتحليل محتواها وأهدافها والاستراتيجيات المعتمدة فيها، وإشراك المجتمع المدني ومؤسساته في التعاون للإبلاغ عن المواقع ذات العلاقة بالإرهاب والإرهابيين، والعمل على نشر الثقافة الوقائية وتوعية المجتمع بمخاطر الإرهاب عامة والإرهاب الإلكتروني خاصة، والتصدي له من خلال نبذ الكراهية والعنف وثقافة الإقصاء، ونشر ثقافة التسامح والحوار مع الآخر واحترام الديانات والثقافات على اختلافها .

وفضلًا عن ذلك، ينبغي لمواجهة الإرهاب الإلكتروني، سن القوانين والتشريعات على المستوى الدولي، التي من شأنها تسد كافة الثغرات في مجال ملاحقة الجريمة الإرهابية الإلكترونية، أو سبل التحقيق فيها، والقوانين المتعلقة بكيفية اكتشاف الأدلة الإلكترونية وحفظها، مع إيجاد منظومة قانونية دولية تحت مظلة الأمم المتحدة، يُعهد إليها توثيق وتوحيد جهود الدول لمكافحة ومواجهة الإرهاب الإلكتروني، وعقد الاتفاقيات الدولية لتنظيم كافة الإجراءات المتعلقة بتبادل المعلومات والأدلة التي من شأنها تفعيل اتفاقيات تسليم الجناة في جرائم الإرهاب الرقمي.

ـــــــــــــــــــــــــــ

المصادر:

  1. الإرهاب الإلكتروني وطرق مواجهته، حوراء رشيد مهدي الياسري، موقع مركز الفرات
  2. الإرهاب الرقمي: أنماط استخدام الإرهاب الشبكي، سماح عبد الصبور، دورية «اتجاهات الأحداث» الصادرة عن مركز المستقبل للدراسات والأبحاث المتقدمة، العدد الثاني، سبتمبر 2014
  3. مكافحة الإرهاب.. أساليب الوجود الرقمي وآليات المكافحة الرقمية، محمود قاسم وشادي محسن، المرصد المصري
  4. في السويد.. نصف جرائم الكراهية عبر الإنترنت ضد المسلمين، الإمارات 71
  5. الإرهاب الرقمي: السؤال الأخلاقي الأصعب، أسماء ملكاوي، موقع «تي آر تي عربي»