يبحث كتاب «حقول الدم: الدين وتاريخ العنف» للكاتبة كارين أرمسترونغ، عالمة الأديان البريطانية، في الكيفية التي استخدمت بها الحضارات القديمة الدين كمانعة صواعق سياسية للمحافظة على وجودها، ومن أجل صبغ حروبها وعنفها تجاه أعدائها بالقدسية اللازمة في نظر الشعوب.

«حقول الدم: الدين وتاريخ العنف».. هل اخترعت أوروبا الإرهاب؟

 

تقول أرمسترونغ في مقدمة كتابها، إن أحد أهدافها لتأليفه هو مقاومة «الرؤية المشوهة» للإسلام في أوروبا، والتي سادت في دول القارة على نطاق واسع منذ بداية القرن العشرين، وخاصة بعد دخول الإمبراطورية العثمانية غمار الحرب العالمية الأولى.

يبحث الكتاب في الكيفية التي استخدمت بها الحضارات القديمة الدين كمانعة صواعق سياسية للمحافظة على وجودها

وتناقش المؤلفة على مدار فصول الكتاب بعضا من قضايا العنف في الديانات الإبراهيمية الثلاث، اليهودية، المسيحية، والإسلام، وذلك بسبب «قناعة واسعة الانتشار في الفكر الغربي منذ عصر النهضة، مفادها أن الديانات التوحيدية المؤمنة بإله واحد، هي بشكل خاص أكثر عرضة لأن تكون عنيفة وغير متسامحة».

وفي فصل خاص، تتقصى أرمسترونغ بموضوعية بحثية عن «رسالة السلام» التي جاء بها القرآن الكريم، والتي هي في حقيقتها تنبذ الظلم والعنف، مؤكدة أن الإسلام دين سلام، وأن هذه الرؤية الغربية التي تلصق به – وحده- كل عمليات العنف والإرهاب التي تحدث في جنبات العالم، هي محض كذب وافتراء في نهاية المطاف.

اقرأ الكتاب الأول: الإرهاب والتطرف في أوروبا.. الأسباب والمعالجات

وتتناول «أرمسترونغ» حرب الثلاثين عاماً التي دارت رحاها في القرنين الـ16 والـ17 الميلاديين، مطلع الحقبة الحديثة في أوروبا، قائلة إن «الحروب الطائفية بين الكاثوليك والبروتستانت التي شهدتها أوروبا ذلك الوقت، والتي تسببت في مقتل ما يقرب من 35% من ساكنة وسط أوروبا، شكلت الأساس لاحقاً لظهور ما تسميه بأسطورة الإرهاب الديني المعاصر».

«أرمسترونغ»: الحروب الطائفية بين الكاثوليك والبروتستانت التي شهدتها أوروبا ذلك الوقت، شكلت الأساس لاحقاً لظهور ما تسميه بأسطورة الإرهاب الديني المعاصر.

وتتطرق الكاتبة إلى حقيقة الصراع الإمبراطوري البابوي في العصور الوسطى، وأثره في الدعوة إلى «جهاد الصليب» الذي أدى إلى نشوب الحروب الصليبية في المشرق العربي، مؤكدة على التناقض بين أخلاق السلام المسيحية الحقة، وبين الحروب المقدسة والأيديولوجية التي ألهمتها، والتي أدت إلى هذه المذابح التي قام بها الصليبيون في حق المسلمين، إلى أن دخلوا «القدس» وارتكبوا مجزرة دموية قتل فيها مئات الرجال والنساء والأطفال.

ويرصد الكتاب، في فصل آخر، وصول طلائع المستوطنين البريطانيين إلى قارة أمريكا الشمالية، وحروبهم الدموية ضد الهنود الحمر التي أدت إلى استئصال السكان الأصليين من القارة، محيث برر المستعمرون الجدد عنفهم وفق قراءة انتقائية للكتاب المقدس، معتبرين أن حربهم هي «حرب الصليب» ضد الهمج والبرابرة.  

وتناقش المؤلفة، في ختام الكتاب، بعضا من حوادث «الجهاد العالمي» التي ارتكبتها الجماعات المتطرفة، وعلى رأسها أحداث 11 سبتمبر 2011 في الولايات المتحدة، ودور الحداثة والدول العلمانية في نشوء هذه الجماعات، حيث دعمت أمريكا «المجاهدين» الذي تدفقوا إلى أفغانستان لمحاربة الاتحاد السوفياتي في ثمانينيات القرن الماضي، فقدمت لهم التمويل، والتسليح والتدريب.

تناقش المؤلفة، بعضا من حوادث «الجهاد العالمي» التي ارتكبتها الجماعات المتطرفة، وعلى رأسها أحداث 11 سبتمبر 2011

وبعد أن أجبر «المجاهدون» السوفييت على الانسحاب من أفغانستان عام 1989، شعر «الأفغان العرب» بالفخر الشديد لأنهم هزموا قوة عالمية كبرى، فكان لابد أن يديروا دفة «الحرب المقدسة» نحو أمريكا، فينقلب السحر على الساحر. وفي أغسطس 1996، أصدر أسامة بن لادن «إعلان الجهاد» على الولايات المتحدة وإسرائيل باعتبارهما معا «الحلف الصليبي الصهيوني»، وأن من واجب المسلمين جميعا أن يهاجموا الولايات المتحدة وحلفاءها في كل بقعة من بقاع العالم.

وتشير «أرمسترونغ» إلى أنه «حدثت مجموعة من العمليات الإرهابية بعد 11 سبتمبر في مناطق متفرقة من العالم، وكان جميع الإرهابيين المستقلين الذين ارتكبوا هذه العمليات يمتلكون معرفة سطحية بالقرآن، ولذلك فمن العبث أن نحاول مناقشة تأويلهم للنص أو نلوم الإسلام عن جرائمهم، فليست المشكلة في الإسلام وإنما في الجهل بالإسلام».

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الكتاب: «حقول الدم: الدين وتاريخ العنف»

المؤلف: كارين أرمسترونغ

ترجمة: أسامة غاوجي

الناشر: الشبكة العربية للأبحاث والنشر، 2016.