لاعب كرة شهير يضع صورته مع زوجته وابنه على صفحته الشخصية بموقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك”، تصرف طبيعي منه، لكنه لم يكن يتوقع أنه بضغطة ذر واحدة سيقع ضحية موجة عاتية من التنمر، حيث استباح البعض الخوض في عِرضه، ومنهم من سخر من لونه الأسمر، ومنهم من تحرش لفظياً بزوجته واستكتر جمالها عليه، ومنهم من تهكم على ملامح الطفل الذي لا يشبه أبيه (على حد تعبيرهم) .

كان الضحية لاعب الزمالك محمود عبد الرازق “شيكابالا”، حيث تحول الأمر بين ليلة وضحاها إلى حديث الساعة فكثرت التعليقات التي أقل ما تُوصف به أنها تنمر باللاعب وتحرش بأسرته وتراشق الجميع السب والإهانات لمن يختلف معهم في الرأي أو يعترض على تصرفاتهم، تناسى هؤلاء أن التنمر من السلوكيات المرفوضة التي تتنافى مع قيم جميع الأديان، باعتباره شكل من أشكال الإساءة والإيذاء والسخرية، فالإنسان بقلبه وسلوكه وليس بشكله أو لونه .

اضطهاد السود بأمريكا.. العنصرية القديمة تنبعث من جديد

 في الوقت ذاته تصدر هاشتاج تحت عنوان (دفاعاً عن شيكابالا) الذي دشنه مشجعو نادى الزمالك على موقع التدوينات القصيرة “تويتر”، وذلك من أجل الدفاع عن قائد الفريق الأول لكرة القدم بالنادي حيث أثارت التعليقات المتنمرة التي تعرض لها اللاعب حفيظة الجماهير التي بادرت بالدفاع عن قائد فريقها.

وعلى الرغم من اعتقاد عدد كبير من مشجعى الزمالك أن من يتنمر على اللاعب هم بالطبع من مشجعي فريق النادي الأهلي باعتباره المنافس الأول لنادي الزمالك، إلا أن التعليقات التي تفاعلت مع الهاشتاج أوضحت أن المتنمرين كانوا من أكثر من فريق بغض النظر عن انتمائهم الكروي ومنهم من لا يشجع الكرة ولا ينتمي لأي نادي من الأساس.

وقال أمجد الشحات أحد مشجعي نادي الزمالك الذي قال إن الهاشتاج احتل المركز الأول على ترند مصر وتفاعل معة العديد من مشجعي نادي الزمالك حيث بلغ عدد التغريدات به ما يقارب من 60 ألف تغريدة خلال دقائق معدودة من تدشينة .

أنواع التنمر

أوضحت منال زكريا أستاذ علم النفس الاجتماعي بجامعة القاهرة، أن ما حدث مع اللاعب يعد أحد أنواع التنمر، موضحة أن للتنمر أوجه عديدة يأتي في مقدمتها التنمر البدني، كالضرب أو اللكم أو سرقة الأغراض، والتنمر اللفظي يتمثل في الشتم والسب وإطلاق الألقاب المسيئة والأسماء المستعارة التي لا يحبها الفرد، والتنمر الاجتماعي وهو ما يعني الإضرار بالسمعة الاجتماعية للآخرين، والسخرية من شكل الفرد سواء من لونه أو من طوله، أو كل ما يتعلق بمظهره وطريقة نطقه للحروف بالإضافة لعمليات الإقصاء التي يتعرض لها الشخص محل التنمر ، فهي في حد ذاته نتيجة للتنمر .

 وأضافت منال أنه بجانب تعرض اللاعب شيكابالا للتنمر الاجتماعي سابق الذكر، هو أيضاً تعرض للتنمر  الإليكتروني أو الرقمي وهو ما يعني استخدام وسائل التواصل  في إرسال رسائل مسيئة للآخرين، وءكثر الأفراد عرضة لهذا النوع من التنمر هم المشاهير، وهو ما اكده استطلاع رأي بالمملكة المتحدة، أظهرت نتائجه أن 56% من الأفراد يتعرضون للتنمر عبر الإنترنت، ونسبة 42% ممن شاركوا في هذا الاستطلاع يشعرون بعدم الأمان على الشبكة العنكبوتية من المشاهير، خوفًا من التنمر والازدراء من الآخرين.

 خلل مجتمعي

“لا أحد يولد متنمراً ” يقول أحمد عبدالله أخصائي علم الإجتماع إن الشخص الذي يتنمر على غيره غالباً هو ضحية لأفراد آخرين هم أيضاً تنمروا عليه، ولم يحصل على الدعم النفسي المطلوب وقتها، مما ترك في نفسيته آثار سيئةجعلته يفعل ذلك في غيره ليقتص بشكل لا إرادي مما حدث معه، ومن وجهة نظر هذا الشخص أن الآخرين يستحقوا هذا التنمر، ومعظم من يقع في هذا الأمر هم فئة الشباب والمراهقين، فتزداد لديهم الرغبة في الإنتقام وعدم الرغبة في الحياة ليلحق الأذى بمن فعلوا معه ذلك، وفي بعض الأحيان يأذي الفرد أشخاص أبرياء لم يقترفوا أي إساءات له فيشعر لا إرادياً أن الحياة بمجملها ميؤوس منها .

أضاف عبد الله أن حالة شيكابالا دعمها لدرجة كبيرة رغبة الأفراد المتنمرين في الشهرة، فعندما ينشر أي منهم تدوينة تحمل اسم اللاعب سرعان ما تتناقلها الصفحات المختلفة سواء من باب التأييد او النقد والرفض، في كلتا الحالتين يحصل الفرد على الشهرة المطلوبة وهو إضطراب من نوع آخر .                                                                                            عقوبة التنمر

يقول أحمد جاد المحامي الحقوقي إن تشويه سمعة الغير هي في حد ذاتها جريمة، وما يقوم به البعض من نشر أخبار ضارة بالآخرين والترويج لها عبر المنصات الإليكترونية المختلفة سواء من باب السخرية، أو من باب نشر الشائعات لإلحاق الأذى بالآخرين جميعها جرائم، وينص القانون المصري على معاقبة كل من يأتي بعمل من شأنه إحداث التمييز بين الأفراد أو طائفة من الناس بسبب اللون أو الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين، بالحبس أو بغرامة لا تقل عن ألف جنيه ولا تتجاوز 50 ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين.

“كورونا” في ماسبيرو.. إجراءات جديدة لمواجهة الجائحة

وأضاف أن العقوبة قد تصل إلى سنة، إذا ترتب على هذا التميز إهدارا لمبدأ تكافؤ الفرص أو العدالة الاجتماعية أو تكدير السلم العام، أو استعراض القوة، وقد تصل إلى السجن 5 سنوات إذا كان بالاشتراك مع آخرين طبقا لنص المادة 375 و375 مكرر المعدلة، بقرار بقانون رقم 10 لسنه 2011 م.

وأوضح جاد الله أن التنمر لكي يتم تصنيفه من الأساس لابد أن يتوفر في الفعل ذاته “التعمد، والتكرار” وهو ما توفر بوضوح في واقعة اللاعب شيكابالا، فضلاً عن الخوض في عِرض زوجته والسب والقذف وجميعها جرائم منتشرة جداً في ساحات القضاء هذه الفترة.