فرضت الحرب الشرسة التي تخوضها الدولة المصرية ضد الإرهاب منذ عدة أعوام، تناولا إعلاميا واسع الطيف مع هذه الحرب، وتراوح هذا التناول بين المهنية والافتقار للأداء الاحترافي، ما يؤكد ضرورة إجراء قراءة معمقة في تناول وسائل الإعلام المصرية لجهود محاربة الإرهاب، خلال الآونة الأخيرة.

كشفت دراسة أعدها «مركز الصفوة للإعلام والرأي العام» بالقاهرة، عن غياب «استراتيجية إعلامية متكاملة» ترشد أداء الإعلام المصري في تناول قضايا الإرهاب، فضلا عن الافتقار إلى «كود مهني» يحكم أداء الإعلاميين في التعامل مع قضايا الإرهاب، وهو ما تسبب – وفق الدراسة- في ارتجالية الأداء الإعلامي في بعض الأحيان، بالإضافة إلى عدم وجود دليل تقييم يستند إلى المعايير المهنية، تعتمد عليه المؤسسات الإعلامية في تقييم أداء الإعلاميين خلال معالجة قضايا الإرهاب، وغياب الرصد الدقيق لما ينشر ويبث عن الإرهاب في وسائل الإعلام».

«السبق الإعلامي»

أظهرت أبحاث أكاديمية أجرتها الجامعات المصرية آليات تعاطي جمهور وسائل الإعلام مع قضايا الإرهاب، و خلصت دراسة ميدانية بعنوان «أثر اعتماد المشاهدين على القنوات الفضائية في تشكيل سلوكهم نحو مواجهة ظاهرة الإرهاب»، جرى إجراءها في قسم الإعلام بكلية الآداب جامعة المنصورة، إلى أن مكافحة الإرهاب احتلت الترتيب الأول في رؤية المشاهد لأخلاقيات التغطية التليفزيونية الإيجابية لظاهرة الإرهاب بنسبة (78.58%)، وأنها تبرز وجهات نظر على حساب أخرى، يليها بنسبة (77.50%) أن التغطية التليفزيونية تتأثر بوجهات النظر الرسمية، يليها بنسبة (75.42%) التزام التغطية التليفزيونية بأخلاقيات المهنة، يليها في المرتبة الرابعة بنسبة (74%) أنها تتماشى مع تغطية بعض الشئون السياسية لأسباب معينة، يليها بنسبة (72.50%) أنها لا تبرز الجوانب السلبية، ثم بنسبة (71.25%) أنها تبرز «الجوانب الإيجابية» للظاهرة الإرهابية.

دراسة ميدانية: مكافحة الإرهاب احتلت الترتيب الأول في رؤية المشاهد لأخلاقيات التغطية التليفزيونية الإيجابية لظاهرة الإرهاب بنسبة (78.58%)

ولخصت ورقة بحثية عنوانها «دور الإعلام في مواجهة الإرهاب»، للكاتب الصحفي رفعت فياض، هذا الدور في «ضرورة تنسيق السياسات الإعلامية بين وسائل الإعلام المختلفة فيما يتعلق بالقضايا المتعلق بالإرهاب والأمن القومي، وعدم تقديم تحليلات أو آراء تخدم الإرهابيين بذريعة الحياد أو حرية التعبير، وعدم التعامل مع الأحداث الإرهابية على كونها قصة خبرية أو سبقًا إعلاميًا، ولكن يتم التعامل معها على أنها عدوان على الدولة والمجتمع، ووضع نشاطات ومظاهرات المناصرين للجماعة الإرهابية وحلفائها في حجمها الطبيعي وعدم تسليط الأضواء عليها، وضرورة التركيز على ما تسببه الأعمال الإرهابية من أضرار فادحة للدولة والمجتمع، وإبراز الأضرار المباشرة التي تقع على المواطنين جراء أعمال العنف والإرهاب، بحيث تصبح قضية القضاء على الإرهاب قضية شخصية لكل مواطن».

ويحلل الكاتب بشير العدل في إحدى مقالاته الظاهرة قائلا«الحرب أيضا في حاجة إلى رسالة إعلامية جديدة، على المستوى المصري، والعربي، تعي أبعاد خطورة ما يتعرض له الوطن، والمنطقة بأسرها، من مخاطر تهدد الأمن والاستقرار، وهو ما يفرض على وسائل الإعلام، المحلية والعربية، ضرورة اتباع سياسة إعلامية، تقوم على فضح الممارسات الإرهابية، والدول التي تقف وراءه بالدعم والمساندة، بكل أشكالها، خاصة أن هناك دولا متورطة في دعمه، وأثبت ذلك القانون، والتقارير الدولية».

ويضيف”العدل”،«وحتى لا ندفن رؤوسنا في الرمال، علينا الاعتراف بأن أداء الإعلام الحالي، مصريا وعربيا، لا يرقى إلى درجة الخطورة التي تتعرض لها مصر ودول المنطقة، فلا معالجة جيدة، ولا معلومات يتم تسويقها للرأي العام، حتى تحول الأداء الإعلامي إلى ما يشبه الإذاعة المدرسية.

ولا نعفى الأداء الصحافي كذلك، من المسؤولية، – والكلام على لسان العدل- و لم تقم الصحافة المطبوعة بدورها الذي ينبغي عليها القيام به، خاصة في زمن الحالات الاستثنائية، كتلك التي تشكلها الممارسات الإرهابية، التي تتطلب أداء مغايرا عن ذلك الذي يتم اتباعه في الأوقات الطبيعية.

 سلاح ذو حدين

ويقول د. أشرف جلال، في دراسة بعنوان «أطر المعالجة الإعلامية لظاهرة الإرهاب في الإعلام المصري»، إن «تحليل أطر التغطية الإخبارية لظاهرة الإرهاب، يكشف عن اتجاه الإعلام المصري للاعتماد على أطر مُحدَّدة بالحدَّين السياسي والأمني؛ لأن المعالجة الإعلامية تركز على مظاهر الأزمة، وليس على الأطر العامة التي تميل إلى البحث في أسباب الظاهرة وكيفية مواجهتها وعلاج آثارها السلبية على المجتمع؛ الأمر الذي ينعكس في تغطية إخبارية وإعلامية سطحية ومبتورة تفتقد إلى العمق والشرح والتحليل والتفسير اللازم في قضايا معقدة مثل قضايا الإرهاب.

ويرى “جلال” أنه لا يظهر أثر واضح للاختلاف بين الوسائل أو لنمط الملكية في التأثير على استراتيجية القائم بالاتصال بشأن بناء الرسالة الإعلامية؛ فالاستراتيجية تنطلق من توجُّه محدود يعتمد على تقديم حدٍّ أدنى من المعلومات والمعارف، وترتكز على أهداف وأحداث بعينها لرغبة القائمين بالاتصال في تنظيم المحتوى بأسلوب يعتمد على شحن المتلقي عاطفيًّا بدلاً من إمداده بالمعارف اللازمة لتكوين رأيه».

“جلال”: تحليل أطر التغطية الإخبارية لظاهرة الإرهاب، يكشف عن اتجاه الإعلام المصري للاعتماد على أطر مُحدَّدة بالحدَّين السياسي والأمني

وتقول الدكتورة، مريم نوري أستاذ الإعلام بجامعة سطيف بالجزائر، إن «معالجة وسائل الإعلام بشكل عام لظاهرة الإرهاب، خلقت نوعًا من العلاقة الشائكة بين الإعلام والإرهاب، أصبحت تشكل هذه العلاقة سلاحا ذو حدين، ويتمثل الجانب السلبي لها في توظيف الجماعات الإرهابية لهذه الوسائل لنشر أيديولوجيتها وتجنيد الشباب وزعزعة أمن واستقرار الدول والمجتمعات، إضافة إلى استغلالها في الدعاية والترويج لنفسها لتحقيق أهدافها بسرعة وعلى نطاق واسع، وهو ما أعطى صفة العالمية لهذه الظاهرة،».

وتشرح “نوري”، “ثمة علاقة غريبة بين الإعلامي والإرهابي، ويسعى كل من الإعلام والإرهاب كجزء من وظائفهما وأهدافهما وراء الآخر، فمختلف وسائل الإعلام تسارع إلى السبق الإعلامي لكل ما يمارسه الإرهاب من عنف وتخريب واغتيالات لتزويد الجمهور بالمعلومات، وفي نفس الوقت تسعى الجماعات الإرهابية وراء وسائل الإعلام المختلفة لتحقيق أهدافها المتمثلة في إشاعة الرعب والخوف وعدم الاستقرار”.

وينتقد بعض الباحثين هيمنة الطابع الإخباري على التغطية الإعلامية المصرية للعمليات الإرهابية، وتقديم تغطية متعجلة وسريعة، وربما أحيانًا سطحية، تهتم أساسًا بتقديم جواب عن سؤال: ماذا حدث؟ مقابل تغييب التغطية ذات الطابع التحليلي والتفسيري، والتغطية ذات الطابع الاستقصائي، الأمر الذي يؤدي إلى بقاء المعالجة الإعلامية على سطح الحدث والظاهرة، ما يضعف قدرتها على الإقناع ويُفقدها التأثير الفاعل والملموس.