شهدت الأعوام الخمس الأخيرة مايعرف بـ”النقلات المضطربة على رقعة الشطرنج” على صعيد المشهد الإعلامي والصحفي في مصر، بدأت بقانون الإعلام الموحد ثم انقسامه لقانونين، مرورا باستحداث المجلس الأعلى للإعلام وآخرها عودة وزارة الدولة لشئون الإعلام، ورغم ذلك تؤكد تقارير عالمية ومحلية تراجع الحريات الصحفية.

sss

بدأت حزمة التشريعات بتشكيل “لجنة الخمسين” في نهاية 2014 لصياغة التشريعات الصحفية والإعلامية وكان رئيسها في ذلك الوقت علي عبدالعال رئيس النواب الحالي بصفته فقيه قانوني، ونتج عنها قانون الإعلام الموحد.

ورغم توافق الجماعة الصحفية وقتها على القانون فوجئوا بخروج مسودة قانون من قبل رئاسة الوزراء في أبريل 2015، تجتزء قانون الإعلام الموحد إلى جزئين أحدهما خاص بالتنظيم المؤسسي، والأخر خاص بتنظيم الإعلام،  ليصدر أواخر 2016 في تغافل لقانون حرية تداول المعلومات الذي طالبت الجماعة الصحفية مرار وتكرارا بضرورة سرعة إصداره.

الأمر الذي لقى اعتراضات واسعة حينها سواء من نقابة الصحفيين أو المشاركين بلجنة الخمسين التي تم تجاهل مسودة مشروعهم، كما رمت أزمة اقتحام الأمن لنقابة الصحفيين في مايو 2016  ظلالها على تأجيج الموقف، ليخرج نصف قانون يتعلق بالتنظيم المؤسسي للإعلام مستحدثا هيئات إعلامية ثلاثة (المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام- الهيئة الوطنية للصحافة بدلامن المجلس الأعلى للصحافة- والهيئة الوطنية للإعلام بدلا من اتحاد الإذاعة والتلفزيون ماسبيرو) في فبراير 2017، مؤجلين قانون تنظيم الإعلام والصحافة ليصدر بعد اكثر من عام في يوليو 2018 الذي لم تصدر لائحته التنظمية حتى لآن.

لم تحل القوانين من تعقيدات المشهد الإعلامي والصحفي على “الفوضى الإعلامية” أو المشكلات المزمنة للصحف القومية وماسبيرو 

لم تحل القوانين من تعقيدات المشهد الإعلامي والصحفي، سواء على ما أطلق عليه “الفوضى الإعلامية” أو المشكلات المزمنة للصحف القومية وماسبيرو، لذلك تم اللجوء لكارت “وزارة الإعلام” في ديسمبر العام الماضي برئاسة النائب البرلماني أسامة هيكل، الأمر الذي أثار جدلا حول موقفها الدستوري، وتشابه اختصاصتها مع اختصاصات واستقلالية المجلس الأعلى للإعلام والهيئتين  (الوطنية للصحافة والوطنية للإعلام).

ورغم ماتشهده ساحة الإعلام والصحافة من تحديات تواجه الصناعة فى المقام الأول، وارتباك وتراجع على مستوى الحريات الإعلامية واضطرابات بالمؤسسات الصحفية اضطر بعضها للغلق، إلا أن الآمال مازالت لدى صانع القرار وهو ما دفعه لعودة وزارة الإعلام ومايسمى بخطة إصلاح المؤسسات الصحفية القومية وقطاع ماسبيرو.. لكن هل ستخفف من وطأة ارتباك المشهد الإعلامي أم ستجعله أكثر تعقيدا؟

تقاير دولية ومحلية: تراجع حرية الإعلام والصحافة

وفقا لتقرير مراسلون بلا حدود عن عام (2019) احتلت مصر المرتبة 163 من أصل 180 دولة على مستوى حرية الصحافة، في تراجع مشهود حيث سجلت مصر المرتبة 161 في عام 2018.

فيما رصدت مؤسسة حرية الفكر والتعبير48 واقعة انتهاك ضد الصحفيين لعام 2019، فضلا عن  69 واقعة عوقب خلالها 144 شخصًا بالحبس الاحتياطي والاحتجاز والتحقيق، بسبب تعبيرهم عن آرائهم، وارتفع عدد المواقع المحجوبة في مصر إلى 546 موقعًا، حسب تقريرها السنوي الصادر في فبراير 2020.

خبراء: دستور 2014 لا يمنع وزارة الإعلام .. ولكن محدودية الصلاحية

عقب قرار إنشاء الوزراة في ديسمبر الماضي، اعتبر فقهاء دستوريين ونواب برلمان بلجنة الإعلام بمجلس النواب أن دستور 2014 لا يمنع تعيين وزير إعلام ولم ينص على وجوده ايضا، لكن في حال وجود مثل هذا الوزير، فإن الدستور لا يبقى له سوى صلاحيات محدودة جداً مثل: اقتراح سياسات الدولة الإعلامية، أو التحدث باسمها، أو تمثيلها في المؤتمرات والمحافل ذات الصلة، أو الإشراف على هيئة الاستعلامات، أو ترشيح أسماء للرئاسة والبرلمان للتعيين في الهيئات الإعلامية الدستورية الثلاث.

اختصاصات 

بالعودة للقرار الوزاري الصادر يناير الماضي حول اختصاصات وزارة الإعلام سنجد أنها مسئولة عن تحديد أهداف سياسة الدولية الإعلامية في الحفاظ على منظومة القيم المصرية وتماسك الجبهة الداخلية وتنمية الشخصية المصرية على أسس منطقية وموضوعية والحفاظ على وسطية الدولة بما يكفل البعد عن التطرف والمغالاة. كما تضمنت مهامها إبراز جهود الدولة في المشروعات القومية، وتقوية الإعلام المصري محليا وإقليميا ودوليا.
كما تختص الوزارة الإشراف على خطة تطوير أداء وسائل الإعلام المرئية العامة والخاصة بالتعاون مع الهيئات المختصة من خلال إتاحة مساحات أكبر للرأي والرأي الآخر وتطوير المحتوى الإعلامي وزيادة المنافسة بين القنوات المختلفة وذلك كله دون الإخلال باختصاص الهيئة الوطنية للإعلام، بالإضافة المشاركة في تنظيم المؤتمرات الصحفية لرئيس الجمهورية محليا ودوليا والإعداد للتغطية الإعلامية لزيارات القيادة السياسية الخارجية واللقاءات التليفزيونية بالتنسيق مع وزارة الخارجية والهيئة العامة للاستعلامات وغيرها من الجهات المعنية.

دستوريون وبرلمانيون: دستور 2014 لا يمنع تعيين وزير إعلام ولم ينص على وجوده ايضا

 

في إشارة لاختصاصات المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، وفقا للباب الخامس من قانون تنظيم الصحافة والإعلام 180 لسنة 2018، وخاصة مادته رقم  (68) فإن المجلس هيئة مستقلة، يتمتع بالشخصية الاعتبارية، ويتولى تنظيم شئون الإعلام المسموع والمرئي والرقمي والصحافة المطبوعة والرقمية وغيرها. ويتمتع المجلس بالاستقلال الفني والمالي والإداري في ممارسة اختصاصاته، ولا يجوز التدخل في شئونه.

ووضح القانون اختصاصات المجلس الأعلى في المادة (70) من القانون ووصلت 24 اختصاص أبرزها:  إبداء الرأي في مشروعات القوانين واللوائح المتعلقة بمجال عمله، كما اختص القانون المجلس الأعلى  بوضع وتطبيق الضوابط والمعايير اللازمة لضمان التزام الوسائل والمؤسسات الإعلامية والصحفية بأصول المهنة وأخلاقياتها والحفاظ على حقوق الملكية الفكرية المتعلقة بمحتواها. ووضع القواعد والمعايير المهنية الضابطة للأداء الصحفي والإعلامي والإعلاني بالاشتراك مع النقابة المعنية.

فيما كانت اختصاصات الهيئة العامة للاستعلامات، والتي يرأسها نقيب الصحفيين ضياء رشوان، تقديم صورة مصر إلى الرأى العام العالمى ونقل الحقائق عنها إلى وسائل الإعلام فى مختلف أنحاء العالم وذلك عبر مكاتب الإعلام الملحقة بالسفارات المصرية فى العديد من العواصم والمدن الكبرى.

مكرم : وزير بلا وزارة

ولتشابه هذه الاختصاصات مع بعض اختصاصات المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام الذي يتمتع بالاستقلالية وفقا لما كفل له الدستور، وصف رئيس المجلس الأعلى للإعلام مكرم محمد أحمد قرار تعيين أسامة هيكل وزير دولة لشؤون الإعلام بأنه”وزير بلا وزارة تتعلق بشؤون الاعلام، فحتى الآن القانون لم يوضح اختصاصاته، ولّا علاقته بالمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام والهيئة الوطنية للإعلام والهيئة والوطنية للصحافة” بحسب تعبيره.
فيما شهد  الشهر الأول من عمل الوزير أسامة هيكل شهد عدة اجتماعات مع وفود غربية ومشاركة في اجتماعات بالجامعة العربية مع وزراء إعلام عرب، لاسيما أنها ليست المرة الأولى التي يتولى فيها حقيبة وزراة الإعلام، لقد شغل المنصب ذاته في الفترة من يوليو عام 2011 حتي ديسمبر من نفس العام إبان حكم المجلس العسكري عقب ثورة 25 يناير 2011.

تنظيم المشهد الإعلامي وضمان حريته واستقلاليته والتزامه المهني ومسؤوليته العمومية وتطوره منوطان بالمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام

الهيئات الإعلامية في الدستور

وبالعودة للدستور نجد أن تنظيم المشهد الإعلامي، وضمان حريته واستقلاليته والتزامه المهني ومسؤوليته العمومية وتطوره، منوطان بالمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، وفق المادة 211 من الدستور. كما أن إدارة وسائل الإعلام المملوكة للدولة في شقها الصحفي منوطة بالهيئة الوطنية للصحافة، وفق المادة 212 من الدستور.  وإدارة الوسائل الإذاعية والتليفزيونية منوطة بالهيئة الوطنية للإعلام، وفق المادة 213.

تداول المعلومات

ومابين المخاض التشريعي على مدار 5 سنوات وتراجع الحريات الإعلامية، طالبت مؤسسة حرية الفكر والتعبير في تقريرها ضرورة إصدار قانون حرية تداول المعلومات، ورفض مشروع قانون مكافحة الشائعات، الذي يقيد من حرية التعبير وحرية تداول المعلومات، لاسيما انتهاء المجلس الأعلى للإعلام من مسودته، فضلا عن إصدار مجلس الوزراء اللائحة التنفيذية لقانون رقم 180 لسنة 2018 بشأن تنظيم الصحافة والإعلام التي لم تصدر حتى الآن رغم مرور عام على القانون، بالإضافة إلى مراقبة المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام تمويل المؤسسات الإعلامية والتحقيق في شبهات احتكار ملكية وسائل الإعلام.