نشرت صحيفة بوليتيكو الأمريكية مقالا لكبير مراسليها لدى الاتحاد الأوروبي جاكوبو باريجازي بعنوان: الاتحاد الأوروبي يواجه حربا أهلية من صنعه في ليبيا.

يرى الكاتب أن الخلافات حول الهجرة تقوض المساعي لتطبيق حظر الأسلحة إلى ليبيا، الذي ترعاه الأمم المتحدة؛ ويستهل الكاتب رؤيته بالقول أنه لأجل ترتيب الأوضاع في الحرب الأهلية الليبية، يحتاج الاتحاد الأوروبي أولا إلى ترتيب صراع مضن آخر، وهو  صراع خلافاته الداخلية.

sss

يذكر الكاتب أنه في حين أن الاتحاد الأوروبي أمام أول اختبار لطموحاته “الجيوسياسية”، فإنه يواجه عقبات على الجبهة الداخلية. حيث يشير إلى أن مساعي الكتلة الأوروبية لجلب الاستقرار في ليبيا تتعرض لعراقيل بسبب الانقسامات الداخلية حول أفضل طريقة للتعامل مع المهاجرين واللاجئين. 

ويضيف باريجازي أن ذلك يتضمن صراعا حول مستقبل حزب يمين الوسط حزب الشعب الأوروبي (كتلة بالبرلمان الأوروبي يرأسها دونالد توسك الرئيس السابق للمجلس الأوروبي)، الذي كان حتى وقت قريب القوة المهيمنة في بروكسل،  بالإضافة إلى الصراع القائم بين الحكومات الوطنية حول كيفية إعادة توزيع طالبي اللجوء.

ويستشهد الكاتب بما قاله الممثل السامي للاتحاد للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية جوزيب بوريل في مؤتمر صحفي مؤخرا: “لا يمكننا الزعم بأننا ‘قوة جيوسياسية’ أو ‘مفوضية جيوسياسية’ إذا كان لا يمكننا حل مشاكلنا في جوارنا مباشرة”. 

ثم يوضح الكاتب أن ليبيا، أحد البوابات الرئيسية لعبور المهاجرين إلى أوروبا، كانت حتى وقت قريب محل انقسامات بين دول الاتحاد الأوروبي، مع دعم إيطاليا للحكومة المعترف بها دوليا في طرابلس وقيام فرنسا بهدوء بدعم القوات المناوئة (قوات المشير خليفة حفتر) التي تهاجم العاصمة.

إخفاقات برلين

كما يتناول الكاتب أحد آخر المساعي لحل الأزمة الليبية، حيث قال إن المبادرة الألمانية الشهر الماضي قد خففت من حدة الخلاف بين باريس وروما، إلا أنه أضاف أنها حتى الآن لم تحقق سوى القليل. 

وينقل الكاتب عن المحلل في الشأن الليبي وزميل سياسيات بارز في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، أرتورو فارفيلي، إشارته إلى أن مؤتمر برلين “كان له حسنة أن جلب السلام بين روما وباريس، عوضا عن إيجاد اختلاف حقيقي في إدارة الأزمة”. 

ويضيف الكاتب أن ما وصفه بالالتزام على الورق من قبل الفاعلين الدوليين في ليبيا، بما في ذلك تركيا، وقطر، وروسيا، ومصر، والولايات المتحدة والإمارات العربية المتحدة، لاحترام حظر الأسلحة الذي فرضته الأمم المتحدة ووقف إطلاق النار لم يترجم إلى واقع بعد. 

ويدعم الكاتب قوله بما نقل عن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش الذي قال الأسبوع الماضي: “إنني محبط للغاية لما يحدث في ليبيا. الحقيقة أن حظر الأسلحة الذي فرضه مجلس الأمن مازال منتهكا”. 

العملية صوفيا

وينتقل الكاتب إلى ما بعد مؤتمر برلين الأخير بشأن ليبيا، فيقول إن مساعي متابعة الاتحاد الأوروبي لمقررات برلين، قد آلت إلى مشاحنات، فيما يتعلق بإعادة إحياء ما يسمى بعملية صوفيا، وهي مهمة بحرية للاتحاد في وسط البحر المتوسط.

ويذكر أنه منذ أن جردت المهمة من أصولها العسكرية البحرية في مارس الماضي، تحت ضغوط من وزير الداخلية الإيطالي السابق ماتيو سالفيني، باتت العملية صوفيا غير قادرة على متابعة تفويضها لفرض حظر الأسلحة من الأمم المتحدة بفاعلية. 

ويشير الكاتب إلى أنه في الأسابيع الأخيرة، ومنذ مؤتمر برلين، لم يتمكن دبلوماسيو الاتحاد الأوروبي من التوافق على إعادة القدرات البحرية للعملية صوفيا، وتوافقوا فقط على تعزيز المراقبة الجوية وعبر الأقمار الصناعية. 

عقبة فيينا

ويرى الكاتب أن العقبة هذه المرة في فيينا وليس في روما، حيث ردد مستشار (رئيس الوزراء) الحكومة النمساوية الشاب الطموح سيباستيان كورتز بعضا من حجج سالفيني المعارضة للمهمة صوفيا. 

ويورد الكاتب أنه في مقابلة حديثة، قال كورتز أن التواجد البحري العسكري في المتوسط قد شكل عامل جذب في تشجيع المهاجرين على المخاطرة بالعبور الخطر إلى أوروبا، اعتقاد بأنهم سيكونون في وضع آمن أكثر، مضيفا أن وجود سفن الاتحاد الأوروبي بمثابة “تذكرة (مرور) إلى أوروبا لآلاف من المهاجرين غير الشرعيين”. 

ويوضح الكاتب أنه بالنظر إلى أن العملية صوفيا تستلزم الموافقة بالإجماع من الحكومات الوطنية بالاتحاد الأوروبي، فإن الفيتو من قبل فيينا قد ترك المهمة دون أية سفن بحرية.  

ونقل قلق أحد دبلوماسي الاتحاد الأوروبي في قوله: “نحن في خضم معركة لأجل مستقبل حزب الشعب الأوروبي”.  

الهجرة

ويشير الكاتب إلى أن كورتز، المعارض بقوة للهجرة- يعد منافسا لقيادة حزب الشعب الأوروبي الفعلية. حيث أوضح أنه مع انتهاء عصر أنجيلا ميركل، فإن الحزب يواجه احتمالات بشأن ما إذا كان سيستمر على الخط اللين للمستشارة الألمانية بشأن الهجرة. ويضيف أن كثير من دبلوماسيي الاتحاد الأوروبي لديهم تشكك في أن تدخل العملية صوفيا في هذه المعركة.  

ويستطرد الكاتب أن الصراع حول الهجرة يمتد كذلك إلى ما وراء الصراعات السياسية السابقة، وذلك مع استمرار اختلاف الحكومات الوطنية حول ما ينبغي فعله مع المهاجرين الذين يتم إنقاذهم في البحر. 

 حيث يدلل على ذلك بقول الدبلوماسيين أنهم غير قادرين على التوافق في تلك المسألة. وإشارتهم إلى حقيقة أن المفوضية على وشك تقديم مقترح جديد عن كيفية إعادة توزيع طالبي اللجوء، ويضيف الكاتب أن هؤلاء الدبلوماسيين لاحظوا أن كل محاولة للتوصل إلى مسلك مشترك منذ أزمة الهجرة 2015 قد باءت بالفشل.  

ويختم الكاتب بأن وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي من المتوقع أن يطرحوا السؤال حول العملية صوفيا مجددا في اجتماعاتهم المقبلة، غير أن لا يوجد الكثيرون ممن يتوقعون حدوث أي انفراجة فيما يتعلق بالحرب الأهلية الليبية. حيث يرى أن ذلك غير مرجح ما دامت بقيت الصراعات الأوروبية حول الهجرة دون تسوية. وأن القرارات في هذا السياق، يمكن لقادة الاتحاد الأوروبي فحسب اتخاذها، كما قال دبلوماسي أوروبي رفيع المستوى، وذلك في إشارة للفجوة بين اتخاذ القرارات وبين تنفيذها فعليا  .