المار بشوارع القاهرة وأسواقها، يمكن أن يرى كميات كبيرة من البضائع الشعبية، يفترشها الباعة الجائلون في الطرقات، ينادون علي بضائعهم بصوت جهوري لجذب المارة، ويلعبون مع قوات الأمن والأجهزة التنفيذية، التي تحاول فتح الطرق، لعبة أشبه بلعبة ” القط والفأر”، رافضين الانسحاب أوالاستسلام من الشارع.

بالرغم من أن الحكومة حاولت تقنين أوضاعهم، بإنشاء أسواق بديلة لهم، إلا أنهم يؤمنون بأن الشارع لهم، وهو ما يتعارض مع حقوق المارة، والتظيم الحضاري للشوارع، الذي تعمل المحافظة والمحليات للحفاط عليه.

لعبة القط والفأر مستمرة بين الحكومة و الباعة الجائلين في الشوارع 

قدر الجهاز المركز للتعبية العامة والأحصاء، عدد الباعة الجائلين على مستوى بحوالي 6 مليون، بتحكمون في حوالي 30% من حجم التجارة غير الرسمية، ينتشرون في الميادين الرئيسية والأسواق، وأمام محطات السكك الحديدية ومترو الأنفاق، تمكنوا من إنشاء كيانات نقابية مستقلة  خلال الأعوام القليلة الماضية ، تم ضمها للنقابة العامة لعمال التجارة، التابع لاتحاد عمال مصر، تحت اسم شعبة الباعة الجائلين.

تقدمت النائبة هالة أبو السعد، وكيل لجنة المشروعات الصغيرة، مؤخرا  بمشروع قانون تنظيم عمل الباعة الجائلين، للمناقشة في مجلس النواب، تضمن القانون حصول البائع المتجول علي ترخيص لمزاولة المهنة، ومنع الأطفال من الحصول علي هذا الترخيص، وتضمن 16 مادة تضمن علاقة مستقرة بين الباعة والحكومة وتقنن أوضاعهم.

الباعة الجائلون

أكدت النائبة أن  هذه الفئة تضم حاصلين علي مؤهلات عالية، خلقوا فرص عمل لأنفسهم دون انتظار الحكومة، ووجودهم أصبح أمر ضروري لفئات المجتمع البسيطة والفقيرة، لأنهم يبيعون بضائع شعبية، يقل سعرها عن مثيلتها في المحلات والمولات  الكبيرة.

 بداية ظهورهم في العاصمة

بدأ ظهور الباعة الجائلين في شوارع القاهرة خلال فترة الستينات، بسبب الهجرات القادمة من محافظات خاصة الصعيد، وتحديدًا محافظتي أسيوط وسوهاج، التى يسيطر أبناءها الأن علي معظم الشوارع الرئيسية، ويمتلكون عددا كبيرا من محلات ومكاتب الجملة، في الموسكي والعتبة ورمسيس.

ففي أسواق الموسكي والعتبة، يوجد أبناء عائلات”الطوبية” بأسيوط، وبعض عائلات محافظة سوهاج، أما في رمسيس وأحمد حلمي فيسيطر عليها أبناء عائلات “البداري والغنايم” من أسيوط أيضًا، يشاركهم في ذلك عدد من عائلات “ساقلته وبنجا” من أبناء محافظة سوهاج.

عددهم 6 ملايين، بتحكمون في حوالي 30% من حجم التجارة غير الرسمية،

يخضع البيع في الشارع لقوانين صارمة، فأبناء هذه العائلات من الصعيد، يرفضون ضم الدخلاء إليهم بسهولة، أو تركهم يفترشون بضائعهم دون استأّذان، كما أن أصحاب المحلات في العتبة والموسكي ووسط البلد، يتقاضون إيجار شهري من البائع، في حالة فرشه بضاعته أمام محلاتهم.

كما تقوم بعض محلات ومكاتب الجملة، بتأجير مساحات لبيع بضائعها بشكل مباشر للمارة، لتحقيق أقصي استفادة من أسعار الجملة، ولا يستطيع البلطجية الاقتراب من أبناء هذه العائلات، الذي تجمعهم صلات قرابة.

لعبة “القط والفأر”

تلعب الحكومة مع الباعة الجائلين لعبة “القط والفأر”، فلا تتوقف حملات الأحياء عن مطاردة الباعة الجائلين في كل مكان، و يتم القبض عليهم، وأخذ بضائعهم لمخازن الحي، ولا يفرج عنهم إلا بعد تحرير محاضر لهم، ودفع غرامات للأفراج عن بضائعهم ، وهو ما جعلهم  يبتكرون أساليب للهروب من رجال الأمن، مثل الوقوف بجوار مداخل العمارات للاختباء فيها، وحفظ الشوارع للوصول لأماكن آمنة، أو الاتفاق مع أصحاب المحال التجارية القريبة لإخفاء بضائعهم،  

بالرغم من مطاردات الأمن للباعة الجائلين، إلا أنهم لعبوا دورًا مهمًا في الدفاع عن أقسام الشرطة خلال ثورة 25 يناير، وتمكنوا – بحسب شهاداتهم – من حماية قسم الموسكي والأزبكية، وعددًا من أقسام وسط البلد من الهجوم عليها، وهو ما يفسر بقاء هذه الأقسام دون تضرر خلال فترة الثورة.

ولكن خلال فترة الفوضي التي أعقبت الثورة، امتلأت شوارع وسط البلد بالباعة الجائلين، حتى أنهم سدوا الشوارع وأعاقوا حركة المرور، وظهرت عدة نقابات مستقلة تمثلهم وتدافع عن حقوقهم، وتمكنوا لأول مرة من تكوين تنظيمات عمالية، أنتهت بضمهم في شعبة الباعة الجائلين، التابعة لنقابة التجارة، في الاتحاد العام لعمال مصر.

الباعة الجائلون

فشل الأسواق البديلة

حاولت الحكومة  والأحياء تقنين أوضاع الباعة الجائلين ، بعمل حصر وجمع أسماءهم، وتخصيص أسواق بديلة لهم، بعد أن فككت تجمعاتهم خاصة في وسط العاصمة ،  فتم افتتاح سوق موقف أحمد حلمي وسوق أخر في الزاوية، ونقل عدد من الباعة إلي موقف الترجمان، إضافة إلى الأسواق التي تم إنشاؤها في المحافظات.

أكد محمد عبد الله، رئيس شعبة الباعة الجائلين، باتحاد العام لعمال مصر، إن عودة الباعة الجائلين مرة أخرى للشارع الآن، أكبر دليل على فشل منظومة الأسواق البديلة التي أنشأتها المحافظة.

وأضاف رئيس شعبة الباعة الجائلين، إن السبب الأساسي في فشل الأسواق البديلة، هو الأماكن غير المناسبة التي تختارها الأحياء، لإنشاء هذه الأسواق وتسكين الباعة الجائلين فيها، بنظام حق الانتفاع لا التمليك أو الأيجار لفترات طويلة محددة.

مشروع قانون أمام مجلس النواب لحصول البائع المتجول علي ترخيص مزاولة المهنة

وأوضح أن نظام حق الانتفاع، لا يشعر البائع بالأمان، لاسيما إنه يتم دفع إيجارات تصل لـ 430 للباكية في سوق الزوية بزيادة 10% سنويًا، و 300 جنيه للباكية في سوق أحمد حلمي بجور السكة الحديد، وهو نفس النظام المطبق بالأسواق البديلة التى تم إنشائها في جميع المحافظات، مشيرًا إلي أن معظم الباعة تركوا هذه الباكيات وعاد معظمهم  للشارع مرة أخرى، يقضون معظم وقتهم في مطاردات مع رجال الأمن لترك الشارع.

ولفت رئيس الشعبة، إن الباعة الذين أجبروا علي ترك وسط البلد، انتشروا في الأسواق الأخرى، مثل سوق العتبة ورمسيس وشبرا، مؤكدًا أن مهنة الباعة الجائلين لا يمكن القضاء عليها، لأن الباعة لا يعرف سوى البيع والشراء، وعلي الحكومة أن تعمل لتقنين أوضاعهم.

وطالب الأجهزة التنفيذية بالمحافظة والأحياء، بالتعامل بطريقة مختلفة مع الباعة الجائلين، والاستماع للمقترحات التي تقدمت بها النقابة أكثر من مرة، مثل تأجير الساحات بوسط البلد بنظام إيجار يومي، وتجهيزها بشكل حضاري لإقامة أسواق، وحصول البائع علي ترخيص للبيع ووقف مطاردات الشرطة لهم.

ستظل الحكومة تلعب مع الباعة الجائلين، لعبة “القط والفأر”، تطاردهم في الشوارع وتصادر بضائعهم، وترفض تقنين أوضاعهم المخالفة للقانون، أما الباعة فيصرون على عدم ترك الشوارع، لأنهم كما يقولون لا يعرفون مهن أخرى غير البيع والشراء