عام تقريبا علي عزل الرئيس عمر البشير، ومنذ الإطاحة به، مازال الحديث عن تسليمه إلى المحكمة الجنائية الدولية يتجدد من حين لآخر، آخرها، إعلان وزير الإعلام السوداني، فيصل محمد صالح، في 11 فبراير الجاري، أن الحكومة اتفقت مع “جماعات التمرد في إقليم دارفور” خلال محادثات سلام في جوبا على مثول المطلوبين أمام المحكمة الجنائية الدولية .

sss

 

أعلن وزير الإعلام السوداني، فيصل محمد صالح، أخيرا، أن الحكومة اتفقت مع “جماعات التمرد في إقليم دارفور”، خلال محادثات في جوبا عاصمة جمهورية جنوب السودان، على مثول المطلوبين أمام المحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية. في مقدمة هؤلاء الرئيس المعزول عمر البشير.

أوامر الاعتقال شملت عددا من رموز النظام السابق، فإضافة إلي البشير، عبد الرحيم محمد حسين وزير الدفاع الأسبق، وأحمد محمد هارون أحد مساعدي البشير ووزير الدولة الأسبق، وعلي كوشيب زعيم ميليشيا محلية، وذلك بتهم ارتكاب جرائم إبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب.

من جانبها تطالب المحكمة الجنائية الدولية السلطات السودانية بالإسراع في تسليم البشير، للمحكمة في هولندا أو محاكمته في الخرطوم، باعتباره مسؤولا عن الجرائم التي ارتكبت في إقليم دارفور، وذلك بناءً على أمري اعتقال أصدرتهما في 2009 و2010، متهمة البشير بخمس جرائم ضد الإنسانية وجريمتي حرب و3 جرائم إبادة الجماعية بسبب إجراءاته العسكرية في دارفور.

 المحكمة الجنائية الدولية تطالب السلطات السودانية بالإسراع في تسليم البشير للمحكمة في هولندا أومحاكمته بالخرطوم

هل تلوح النهاية السعيدة؟

ربما في هذه الإشارة لإمكانية محاكمة البشير في السودان قد يكمن حل هذه القضية التي لم يكن يلوح حل سهل لها حتى بعد عزله. فهذه القضية تظل دوما مرتبطة بحساسيات وطنية وشعبية تتمحور حول السيادة الوطنية للدولة بغض النظر عن تغير الظروف والملابسات. فهناك إمكانية لانتقال قضاة المحكمة الجنائية الدولية للبلد الذي شهد الانتهاكات. وإذا ما تمت هذه الخطوة تكون الحكومة قد نجحت في كسر طوق العزلة الدولية التي فرضت على السودان، في ذات الوقت ينفتح المجال لتحقيق قدر أكبر من المصالحة الوطنية الداخلية بتطبيق “القصاص” وعدم الإفلات من العقاب ضد من ارتكبوا جرائم دموية بحق قطاع واسع من السودانيين في عهد الرئيس المعزول.

ويذكر أنه في 2015، حاولت محكمة بجنوب إفريقيا تنفيذ مذكرات المحكمة الجنائية بتسليم البشير، لكن الأخير بقي لفترة وجيزة فقط هناك،مما دعا السلطات الجنوب إفريقية إلى إعلان “عدم امكانية اعتقال البشير، نظراً إلى أنه كان ضيفاً على الاتحاد الإفريقي”.

للمزيد ..

ميثاق روما.. سجل من الخلاف

خطوة تسليم المطلوبين تتطلب التعاون مع المحكمة الجنائية الدولية من خلال تصديق مجلس السيادة السوداني (أعلى هيئة حاكمة بالسودان) على “ميثاق روما” المنظم لعمل المحكمة للسماح بمحاكمة البشير، وباقي المتهمين.

وكان البشير يرفض منذ صدور القرار باعتقاله من قبل المحكمة تسليم نفسه أو أحد من المطلوبين .

تجدد الرفض ولكن تلك المرة والبشير خارج السلطة، حيث يقبع الآن في سجن بالعاصمة السودانية الخرطوم بتهمة الفساد وقتل المتظاهرين منذ الإطاحة به في إبريل 2019.

أبو بكر هاشم الجعلي، محامي البشير، أعلن أن تسليم المطلوبين للجنائية الدولية “عدوان وانتقام “، بينما شدد محامي آخر ضمن فريق الدفاع عن البشير بأنه “يرفض التعامل مع المحكمة الجنائية الدولية ووصفها بأنها “محكمة سياسية”، معتبرا “أن القضاء السوداني قادر على التعامل مع أي قضية”.

وشهدت البلاد فى عهد البشير الكثير من الأحداث منذ استحواذه على السلطة في انقلاب عسكري مدعوم من قبل إسلاميين في 1989، ليحل على الفور الحكومة المنتخبة .

شهدت البلاد فى عهد البشير الكثير من الأحداث منذ استحواذه على السلطة في انقلاب عسكري مدعوم من قبل إسلاميين في 1989

واستحوذ البشير على جنوب مضطرب، يقطنه سودانيون إفريقيون في حين أن الشمال كانت تقطنه غالبية من السودانيين العرب، ومع حلول 2011، حقق جنوب السودان استقلاله عن الشمال.

مع توقيع البشيرعلى اتفاق السلام مع جنوب السلام كان نزاع آخر يؤجج فيما عرف فيما بعد بـ “النزاع فى دارفور” حيث باشرت ميليشيات الجنجاويد العربية مدعومة من البشير أعمالا وحشية ضد أعراق محلية مثل ” المساليت” و”الفور” و”الزغاوة”، وصلت بالبشير فى نهاية المطاف إلى المطالبة بمحاكمته أمام المحاكمة الجنائية الدولية بتهم وقوع إبادة جماعية بدارفور.

 

 

 

احتجاجات السودان

 

الجنائية الدولية”.. فرص وانتقادات

ومع سقوط البشير في 11 إبريل 2019، تحولت قضية تسليم البشير للمحكمة الجنائية الدولية إلى قضية رأي عام داخل السودان، فى الوقت الذى اعتبرها أنصار الرئيس انها ضد سيادة الدولة السودانية، وتسييس لدور المحكمة والتى تثار بشأنها العديد من الملاحظات والانتقادات أبرزها المواءمات السياسية الدولية وتأثيرها علي عمل المحكمة.

يرى آخرون أن خطوة تسليم البشير (أيا كان شكلها) مهمة لتطبيق مبدأ عدم الإفلات من العقاب..وقد تكون خطوة لــ”تطييب جراح أهالي دارفور”

 

على الجانب الآخر، وهو الجانب الأكثر تأثيرا وانسجاما مع مصالح السودان ومنطق العدالة الدولية، يرى آخرون أن خطوة تسليم البشير (أيا كان شكلها) مهمة لتطبيق مبدأ عدم الإفلات من العقاب، إضافة إلى أنها وبحسب وصف بعض القوي السياسية السودانية قد تكون خطوة إيضا لـ “تطييب جراح أهالي دارفور”، ومحاولة لتصحيح أخطاء الماضي لنظام حكم دأب انتهاك حقوق مواطنيه، بعد أن أمسك بمقاليد السلطة فى بلد متعدد الأعراق والثقافات لقرابة 30 عاماً.