“‘طلاب وتلاميذ كثيرون، حول العالم، أصبحوا محرومين من التعليم في ظل تفشي فيروس” كورونا”، بحسب ما وصفته منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة “اليونسكو”، للأوضاع التعليمية في ظل انتشار الفيروس وتأثيره، في وقت أحصت فيه المنظمة عدد الطلاب حول العالم الذين قد يبقون في منازلهم لأسابيع نحو 300 مليون طالب.
المنظمة أرجعت أسباب هذا الحرمان لهذا الكم الهائل من الطلاب في العالم، نتيجة الإجراءات الاحترازية التي انتهجتها عدد من الدول التي تفشى فيها وباء “كورونا”، من بينها إغلاق تام للمدارس في 12 دولة.
وقالت الوكالة التابعة للأمم المتحدة، إن 9 دول أخرى أغلقت مدارس فى بعض المناطق لديها، وإذا أمرت هذه الدول أيضًا بإغلاق جميع المدارس، فإن نحو 180 مليون طالب آخرين سيُمنعون مؤقتًا من ارتياد المدارس.
في مصر، لم يكن الأمر مختلفًا عن سياق ما اتبعته بعض الدول، لاسيما في ضوء إعلان وزارة الصحة المصرية ارتفاع حالات الإصابة بين مواطنيها إلى نحو 210 حالة، في الإحصاء الأخير، ونحو6 حالات وفاة.
وهو ما دفع السلطات في مصر إلى تعليق الدراسة بالمدارس والجامعات لـ15 يومًا، وقد تستمر لأكثر من شهر، وهو ما يعني أن عدد الطلاب الذين سيُمنعوا من ارتياد المدارس بسبب كورونا نحو 22.5 مليون طالب، يدرسون في أكثر من 65 ألف مدرسة على مستوى الجمهورية، بجانب أكثر من 1.2 مليون مُعلم، مطالبين جميعهم بالتواصل على الإنترنت في نفس الوقت حال استمرار الوضع.
الوضع الجديد دفع بالسلطات المصرية إلى وضع حلول بديلة حال استمراروقف الدراسة في المدارس، وهو تطبيق نظام “التعليم عن بعد”، والدراسة من المنزل وعن طريق الانترنت، مع توفير 20% مجانًا لباقات النت، حتى يستطيع الطلاب التأقلم مع نظام التعليم الجديد.
والتساؤل الذي بدا في أذهان الكثيرين هل ستنجح التجربة بتغيير المنظومة التعليمية بالبلاد، أم ستؤثر حالة التخبط التي تعيشها الأسر المصرية والطلاب على فشل التجربة الوليدة؟.
وسيطرت حالة من الارتباك على الأسر المصرية، عقب تصريحات للمتحدث الرسمي لمجلس الوزراء المستشار نادر سعد، والتي تؤكد احتمال مد فترة توقف الدراسة لمدة شهر، ما يعني تغيرًا كاملًا في مواعيد جدول الامتحانات التى أعلنت عنه وزارة التربية والتعليم، مؤخرًا، خاصة المواعيد المتعلقة بسنوات النقل، من الابتدائي حتى مرحلة الثانوية العامة.
يأتى هذا في الوقت الذي أعلنت فيه وزارة التربية والتعليم والجامعات تدشين نظام التعليم عن بعد لمساعدة الطلاب على المذاكرة بالمنازل وتعويض فترة الغياب عن الذهاب للمدارس.
خطة الوزارة وسيناريوهات الأزمة
وزارة التعليم الفنى لجأت إلى تطبيق عدة بدائل بعد قرار تعطيل الدراسة لمدة أسبوعين، بعد اكتشاف حالات في المدارس والجامعات.
فيما لم يكن الأمر مختلفًا للتعليم الجامعي، فوزارة التعليم العالى، أعلنت عن انتهاجها نظام “التعليم عن بعد”، من خلال اتباع كليات الجامعة أسلوبًا جديدًا يتماشى مع الوضع الجديد، من خلال نشر المحاضرات عبر بوابة إليكترونية خاصة بكل كلية داخل الجامعات، ومن ثم يكون طريقة التواصل إليكترونيًا مع أساتذة الجامعات الذين بدورهم سيقومون بالرد على على استفسارات الطلاب من خلال الموقع.
في ضوء النظام الجديد، بدت عدة سيناريوهات متوقعة في إطار تعامل الدولة مع الامتحانات حال استمرار تعليق الدراسة لأكثر من شهر، بين تلك السيناريوهات، استمرار “التعليم عن بُعد”، على أن يعود الطلاب للامتحانات مباشرة، بحيث يتم تشكيل لجان طبية من وزارة الصحة، أمام المدارس لقياس درجات الحرارة للطلاب قبل دخول الامتحانات، وفي حالة اكتشاف حالات مصابة أو اشتباه يتم تحويلها مباشرة لمستشفى الحميات والعزل، على أن يدخل الطلاب امتحانات الدور الثانى ويحصل على درجاته كاملا بعد الشفاء، مع إجراءات احترازية من خلال خلق مساحات كبيرة تفصل بين الطلاب أثناء الامتحانات، على أن يتم تهوية الفصول جيدًا، وتعقيمها قبل الامتحانات مباشرة وبشكل يومي.
لكن الأمر قد يكون مختلفًا بالنسبة لامتحانات الثانوية العامة فالسيناريو الأقرب يدور حول إمكانية استمرار الجدول دون تعديل، على أن تجرى الامتحانات عقب عيد الفطر المبارك، وسيكون هناك فرق طبية أمام اللجان للكشف على الطلاب قبيل دخولهم اللجان، على أن يتم السماح للطالب المصاب بدخول امتحان الدور الثاني والحصول على الدرجات كاملة في حالة إصابته بـ”كورونا” أثناء الامتحانات.
امتحانات “التابلت” الخاصة بطلاب الصفين الأول والثاني الثانوى، قد تبدو الخيار الأسهل في التعامل مع الوضع حال استمراره، لاسيما في سياق التعامل الإليكتروني، فمن المتوقع إجراء الامتحانات أون لاين للطلاب من منازلهم، أو «أون لاين» داخل المدارس عبر التابلت مع ترك مسافات كبيرة بين الطلاب وبعضهم البعض.
ومن بين السيناريوهات في حال تعليق الدراسة لأكثر من 15 يومًا، إجراء امتحانات للطلاب في منهج شهري فبراير ومارس على أن يعتبر منهج شهر إبريل للقراءة والإطلاع فقط، مع عدم وجود نية لدى الدولة إلغاء امتحانات التيرم الثاني والاكتفاء بنتيجة الترم الأول كنجاح ورسوب للسنوات الأعلى.
خبراء يفسرون الوضع الجديد
يري بعض الخبراء والمختصين بالمجال التربوي والتعليمي، أن نظام “التعلم عن بُعد” ليس كافيًا لتحقيق الهدف المرجو منه، لاسيما في ضوء آلية التواصل والتفاعل، لكنه، بحسب الخبراء، يعد حلًا مؤقتًا للتعامل مع الظروف الراهنة الخاصة بتفشي مرض كورونا.
الدكتورة بثينة عبد الرؤوف، الخبيرة التربوية، قالت إن مصر تعيش الآن ظروفًا صعبة، بخلاف حالة الطوارئ العالمية، وهو ما يقتضي تنفيذ بعض الإجراءات الاحترازية، من أجل الوقاية من كورونا، لذا لا توجد مشكلة تربوية حال تلقي الطالب المناهج عن بُعد وليس من المدرسة.
وأشارت “عبد الرؤوف” لـ”مصر 360″، إلى أن “هناك عد عوامل يجب أن تتوفر حتى ينجح الطالب في الدراسة عن بُعد، بينها ضرورة وجود مجهود من قبل المدرسين في تسجيل الدرس بالصوت والصورة وعرضه على “يوتيوب” أو في جروبات تعليمية خاصة، ومنها يحصل الطالب على المعلومة عن طريق الموبايل أو اللاب توب”.
وأكدت الخبيرة التربوية، أنه لا بد من تدريب المعلمين وأولياء الأمور على نظام “التعلم عن بُعد”، واستغلال هذا الفيروس للخروج بفوائد عظيمة من رحمه، مشير’ إلى أن هذا النظام سيسهم في القضاء على الدروس الخصوصية، موضحة: “قد يكون من حسنات الفيرس اللجوء إلى التعليم الذاتي وعدم الاعتماد على السناتر والدروس فيما بعد”.
ولفتت الخبيرة التربوية، إلى أن الوضع الحالي لا يشير إلى أنه إذا كانت الوزارة لديها نية في تمديد التعليق لمدد زمنية من عدمه، داعية إلى تبكير امتحانات الترم الثاني، مؤكدة على أن أولياء الأمور لهم دور كبير في نجاح عملية “التعلم عن بُعد” خلال الأسبوعين القادمين، خاصة بعد مطالبتهم بالإجازة خوفًا من كورونا، وذلك من خلال منع أبنائهم من الذهاب للمراكز التعليمية، وإلزامهم بالمذاكرة عبر الإنترنت وتشجيعهم على استذكار دروسهم وعدم الارتكان إلى تعطيل الدراسة.
وتابعت: يجب إعادة القنوات التليفزيونية التعليمية من جديد، والتي ستعمل على تأهيل الطلاب لاستيعاب المعلومة بشكل أسهل، حيث تمثل درسًا خصوصيًا فرديًا، كما يجب الترويج لها من خلال القنوات المصرية، لأنها الوحيدة التي لديها قدرة الوصول لكل الأماكن، دون التأثر بالإنترنت.
لكن الخبير التربوي محمود عبد التواب، يرى أن منظومة التعليم ما بعد “كورونا” ستتقدم للأفضل، خاصة بعدما لجأت الدولة المصرية إلى نظام تعليمي “مستحدث” يتبع التقنيات الحديثة سواء في المدارس أو الجامعات، لافتًا إلى أن هذه التقنيات هي ما سيتم اتباعها مقبل السنوات، حيث من المقرر عمل أشبه بقناة داخل كل كلية من خلال “سي دي” أو “فلاشة” للطلاب، يشرح عليها الدكتور المختص المنهج للطالب، وكأنه داخل المدرج.
لكن ثمة عائق قد يواجه الطالب في المنظومة الجديدة “التعلم عن بُعد”، سيتمثل في ثقافة التعليم الـ”أون لاين”، والتي يختلف فيها عن الطالب الأجنبي، وهو ما يمكن تجاوزه عن طريق التخفيف في عدد المواد، وترحيل الأجزاء الزائدة من المنهج للعام المقبل، حتى لا يتم التأثيرعلى البنية المعرفية للطالب.
بالمقارنة بين تجربتي “التابلت” التي نُفذت في المدارس المصرية، و”التعليم عن بعد” التي أوصت الجهات المعينة بتطبيقه حال استمرار الوضع، فسر الخبير التربوي، سبب نجاح “التابلت” إلى أنه وسيلة إليكترونية وليست وسيلة للتعليم، مثنيًا على جهود وزارة التعليم التي حاولت السير بخطى متوازية، لافتًا إلى أن الأمر في الوضع الحالي مختلف، فالتعليم عن بُعد تجربة عمرها الافتراضي قصير بالمقارنة بالتابلت.
وتابع:”رغم أمنياتنا بنجاح التجربة والعمل بها فيما بعد وتقليل الاعتماد على الدروس الخصوصية، لاسيما في مرحلة الثانوية العامة، إلا أن الطالب المصري سيلقى صعوبة لكثافة المادة العلمية، لاسيما وأن التجربة وليدة اللحظة ولم يعتد عليها في السابق في مراحله التعليمية المختلفة.
في حين، كشف أستاذ المناهج وطرق التدريس بجامعة عين شمس، حسن سيد شحات، أن هناك حالة من الإحباط والخوف لدى الأهالي من سياسة التعليم عن بُعد، وهو ما بدا واضحًا في الاستفسارات الكثيرة التي تلقاها أستاذة الجامعات حول آلية التعليم عن بُعد، لافتًا إلى أن الجو العام بين الأهالي يشير إلى عدم قناعتهم بهذه الطريقة الجديدة باعتباره أمرًا غير معتاد عليه، موضحًا أن الوزارة لديها من الإمكانات ما يساعدها على توفير بدائل كثيرة.
وأضاف أستاذ المناهج وطرق التدريس لـ”مصر 360″،: “أن وزارة التعليم العالي لديها فضائيات تعليمية، وتمتلك أكبر منصة للتعليم في الوطن العربي وهو بنك المعرفة، ومن ثم فهي تعتبر جاهزة لتدريس الطلاب في فترة التعليق”، وهناك مواقع إلكترونية بسيطة يمكن للمعلمين استخدامها وتوفير حصص للطلاب، لافتا إلى أنه نفذ هذه الآلية عبر إنشاء منصة دروس افتراضية وهو موقع يسمى “جوجل كلاس” للتواصل مع الطلاب.
واستطرد: “كان لابد من الاستعداد بشكل سريع للغاية لمواجهة أزمة “كورونا”، وبالفعل نجحت الحكومة في وضع خطة سليمة لحل مشكلة تعطيل الدراسة في المدارس والجامعات، وهي التعليم عن بُعد، ومواكبة العصر التكنولوجي الحديث من خلال خلق وعي جديد للطلاب المصريين لفتح آفاقهم على التعلم من خلال استخدام الأجهزة الإلكترونية”.
الوضع الجديد أضحى يستلزم من الإمكانات التكنولوجية وخدمات الاتصالات بما يتفق ومعايير الضغط على الشبكة العنكبوتية، وهو ما دفع بالدكتور حمدي الليثي خبير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، بالقول إن دخول ملايين الطلاب والأساتذة على شبكة الإنترنت لتبادل المحاضرات والمقررات الدراسية يتطلب بنية تحتية قوية على مستوى مصر بالكامل.
ولفت الخبير التكنولوجي، إلى أن بعض المناطق في مصر ومنها في محافظة القاهرة، ليس بها شبكة إنترنت أرضية وتعتمد على الشبكة الهوائية، وبالتالي من الصعوبة الوصول بالكفاءة المطلوبة إلى كل مدينة وقرية، موضحًا أن الشبكات المتاحة حاليًا غير قادرة على استيعاب كثافة الدخول الكبير على شبكة الإنترنت والتي تقدر بالملايين.
وأضاف أن تطبيق عملية الدراسة على الإنترنت، لابد أن تكون هي الحل في مثل هذه الأوقات، وليس بشكل دائم ولكن لابد من الجاهزية لمثل هذه الأزمات.
قلق طلابي
الطالب، كريم عادل، في الصف الثالث الثانوي، قال إن نظام التعليم الجديد جيد في ظل الظروف الحالية، لكنه يرى أن المنظومة الجديدة “حديثة” على الطلاب ولم يعتادوا عليها من قبل.
فيما أثنت الطالبة، هدير محمد، على النظام الجديد التي اتبعته الجامعة بتطبيق قرار الدراسة “أون لاين”، بالقول: “خطوة جيدة للحفاظ على مستوانا الدراسي في ظل الظروف الصعبة التي تشهدها البلاد، ولكن تبقي مشكلة ضعف الإنترنت في مصر العائق الأكبر أمامنا” .
وعبرت “أ.ح”، إحدى أولياء الأمور، عن استيائها من نظام “التعليم عن بُعد”، موضحًا أنها لم تستوعب بعد ولم تعتاده في مذاكرة دورس أولادها، كاشفة عن خوفها من التجربة ومصير أولادها في الامتحانات.
في المقابل، اعتبرت شيماء عادل، الموظفة بالشئون الاجتماعية، وام لأربعة أولاد، أن تجربة التعلم “اونلاين” فرصة ذهبية للقضاء على وباء الدروس الخصوصية والتخلص من هذه المافيا بشكل كامل.