بالتزامن مع الذكرى الأولى للحراك الشعبي الذي أسقط الرئيس الجزائري السابق عبد العزيز بوتفليقة، بعد أن رفع المتظاهرون شعار “لا للعهدة الخامسة” مطالبين برحيله، تستمر المظاهرات المطالبة بتطهير البلاد من وجوه النظام السابق الذي تفكك بإرادة المواطنين .
المظاهرات التي تأتي في الجمعة الـ53 من الحراك الشعبي، الذي اندلع في بداية العام الماضي، طالبت بتطبيق ما أسماه المتظاهرون “دولة القانون”.
“لا للعهدة الخامسة”
وبدأت مظاهرات الحراك في الثاني والعشرين من شهر فبراير الماضي، اعتراضا على إعلان بوتفليقة نيته الترشح في الانتخابات الرئاسية للعهدة الخامسة، بعد 20 عاما من بقائه في الحكم.
بوتفليقة، وبضغط من المؤسسة العسكرية في البلاد، استقال من منصبه في إبريل الماضي، قبل أيام قليلة من إتمامه 20 عاما في حكم الجزائر.
إلا أن رحيل بوتفليقة البالغ من العمر 82 عاما، لم يكن كافيا لتهدئة الشارع الجزائري، حيث استمرت المظاهرات حتى الآن مطالبة برحيل كل وجوه النظام.
وعلى رأس أولئك الذين يطالب الحراك برحيلهم، رئيس البلاد الجديد عبد المجيد تبون، الذي يعتبره المتظاهرون واجهة جديدة للنظام البائد.
وجه جديد للنظام
حيث يرى المتظاهرون أن تبون ما هو إلا وجه جديد من نفس النظام الحاكم منذ عام 1962، حيث تتمتع النخب العسكرية بسلطة أكثر من الرئيس وتحكم البلاد من وراء الكواليس.
واشنطن بوست: الرئيس الجديد يتبع نفس قواعد النظام القديم
وعلى الرغم من الخطوات التي اتخذها تبون نحو الإصلاح الدستوري ووعده بمحاربة الفساد وجعل حكومته أكثر شبابا، تظل الحريات الإعلامية مقيدة ولا يزال مئات السجناء السياسيين وراء القضبان.
حتى الآن، لم تطرأ تغييرات على الدستور، ولم تطرأ تغييرات ذات مغزى لجعل النظام الانتخابي أكثر مصداقية، وعدم تمكين البرلمان أو القضاء من تقييد الرئاسة.
صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية، ترى أن الرئيس الجديد يتبع نفس قواعد اللعب الخاصة بتقسيم المحتجين واحتوائهم، حيث أفرج تبون عن حوالي 10 آلاف سجين، من بينهم بعض شخصيات المعارضة، لكن آخرين ما زالوا في السجن.
كما التقى بعدد من قادة المعارضة واقترح حزمة إصلاحات، لكن هناك فجوة كبيرة بين النظام والحراك الشعبي، حيث ينظر المتظاهرون إلى هذه التنازلات بأنها ليست أكثر من مجرد محاولات للحفاظ على النظام.
هل يفشل الحراك؟
في الوقت نفسه، يرى البعض أن الحراك في طريقه للفشل، ففي يناير من هذا العام، كتب الكاتب والصحفي الجزائري كامل داود مقالا في صحيفة “Le Point” الأسبوعية الناطقة بالفرنسية، قال فيه إن الحراك “فشل”.
وكتب داود “هل فاز النظام؟ نعم، وإن كان ذلك مؤقتا، وهذا يعني أيضا أن حركة الاحتجاج قد فشلت هي الأخرى مؤقتا”.
كامل داود: قصر نظر نخب المعارضة تسبب في فشل الحراك
قصر نظر نخب المعارضة، و”الحرب الوهمية” ضد التدخل الأجنبي المتصور، وخاصة من فرنسا، القوة الاستعمارية السابقة، كانت هي الأسباب التي اعتبرها داود سببا في فشل الحراك، وإن كان “مؤقتا”.
حتى الآن لم تتمكن المعارضة الجزائرية من الاتحاد حول خريطة طريق انتقالية بديلة، في حين كانت هناك عدة محاولات للحوار بين قادة المعارضة، إلا أنها لم تساعد في إنشاء كتلة معارضة موحدة، كما أنه من غير الواضح مدى مصداقية هؤلاء القادة بين المتظاهرين.
إن عدم وجود خارطة طريق بديلة وعدم قدرة المعارضة على مضاهاة جهود الحراك، وجد النظام فرصته في فرض طريقه لإجراء الانتخابات الرئاسية في ديسمبر الماضي.
تجاهل دولي
حتى الآن، سمح هذا الوضع للنظام بالبقاء على قيد الحياة دون تنفيذ إصلاحات ذات مغزى، في الوقت نفسه استفادت الحكومة الجزائرية من عدم وجود ضغوط دولية مستمرة لإصلاح النظام السياسي، حيث أصدرت الحكومة الأمريكية بيانا عاما في مارس يدعو لوضع “خطة جديدة تعكس إرادة جميع الجزائريين “، ولكن بعد ذلك لم تشر إلى الجزائر حتى انتخابات ديسمبر، عندما هنأت تبون.
فرنسا والاتحاد الأوروبي من جانبهم قدموا بعض الدعم عن طريق البيانات الداعية للحوار، لكنهما لم يبذلوا جهودا متضافرة للحفاظ على الضغط الدبلوماسي على الحكومة للإصلاح.
ولعل أكبر إنجاز حققه الحراك، هو قدرته المستمرة على الحشد على مدار العام الماضي، على الرغم من محاولات النظام لتقسيم الحركة والاستفادة منها، واستنادا إلى الخبرة المكتسبة خلال العام الماضي، من المحتمل أن يعيد الحراك تشكيل مشهد المعارضة في الجزائر.