حتى لو حققنا المعجزة و قضينا على الفيروس في تونس أو في أي دولة أخرى، ووصلنا على سبيل المثال لصفر حالات ـ وهو أمر مازال بعيداـ فلن نستطيع فتح الحدود واستئناف الرحلات والتجارة مع العالم قبل أن تستطيع كل البلدان القضاء على الوباء أيضاً، وهو أمر شبه مستحيل خاصة في مناطق الصراعات و مخيمات اللاجئين و ما إليه٠
من الواضح أن الفيروس سيبقى يدور حول الكوكب وكل مرة نتخيل أننا قضينا عليه سيعود من مكان ما ٠٠ ففي أي لحظة بعد انتصار البشرية قد يخرج مصاب منسي من غابة في الامازون أو سيبيريا ويعيد الوباء لكل الكوكب٠
وحتى في حال اختفاء الفيروس فسنكون أمام حالة كساد اقتصادي عالمي أقوى من الكساد العظيم في أوائل القرن الماضي٠
ستكون هناك مجاعات و أوبئة أخطر من الكورونا نتيجة انهيار دول وأنظمة صحية ولن تجد الدول الغنية فرصة لمساعدة الأفقر لأنها ستكون متهالكة بدورها و تحارب لإعادة الحياة لشعوبها المنهكة وستنغلق أغلب الدول على نفسها وتواصل غلق حدودها خشية عودة الوباء .
في بلدنا أو في أي بلد لن يُرفع الحجر الصحي فجأة و تعود المقاهي والملاهي تضج بروادها و لن يعود عازفو الشوارع للغناء في قلب العواصم ولن تعود الحياة طبيعية وكأن شيئا لم يكن ـ لن يحدث ذلك طبعاـ أحسن الاحتمالات إن رُفِع الحجر سيكون تدريجيًا بوتيرة منخفضة تحت ضغط الوضع الاقتصادي الكارثي لكن القيود المفروضة على السفر و التجارة الدولية ستشتد، ستكون تونس مدفوعة كما سيحدث في أغلب الدول المشابهة لإجراء إصلاحات اقتصادية جوهرية كبلد منغلق على نفسه (بضغط من الشارع طبعا ) وستعود للفلاحة و الزراعة كتعويض عن السياحة ولبعض الصناعات المحلية كتعويض عن الصناعات التكميلية المرتبطة بالأسواق العالمية، مع التعويل على الكفاءات الذاتية للابتكار وتدوير الموارد المتوفرة بعيدًا عن إملاءات القوى المهيمنة.
لن يعود الناس للمصافحة و العناق و لن تمتلئ الأسواق و ملاعب الكرة و حفلات المهرجانات ومدارج الجامعات كما كانت ٠٠ لن تعود الحياة لسابق عهدها على المدى المنظور على أقل تقدير ٠
عالمنا تغير فجأة .. السرعة التي تغير بها هي ما جعلنا نرفض تصديق مايحصل ونتخيله أمرا مؤقتا لن يدوم سوى بضعة أسابيع رغم أن كل الدلائل تشير لمصيرنا و واقعنا الجديد.. فلا مناص من العمل على واجهتين: الأولى هي إدارة الأزمة القائمة بعيدا عن الارتجالية، والثانية التخطيط للمستقبل على قاعدة سيادة القرار المحلّي استباقا للمجهول.