” الخلط بين ما هو حقوقي وسياسي إشكالية كبري، تطرح معها تساؤلات هامة، أبرزها: هل تؤثر على حركة حقوق الإنسان، والآليات الدولية المنظمة لها؟” هذا ما أجاب عنه، ورصده التقرير الصادر عن ” الجمعية الوطنية للدفاع عن الحقوق والحريات “، والذي استعرض تحليلا رقيما لدورة الاستعراض الدوري الشامل رقم 34 بمجلس حقوق الإنسان، التابع للأمم المتحدة ،بجنيف، وهي الدورة التي شهدت عرض مصر لتقريرها للمرة الثالثة أمام المجلس في إطار آلية المراجعة، خلال الفترة من 10 إلى 15 نوفمبر الماضي.

التقرير الصادر قبل أيام من إعلان الحكومة المصرية موقفها من التوصيات التي تلاقها الوفد الرسمي وشملت نحو 372 توصية ، لاحظ “أن الدول التي تشارك في الحوار التفاعلي العديد منها يشارك بخلفية سياسية و ليست حقوقية وأن التحالف او الخلاف السياسي يطغى على اهتمام الدول، و يأتي في المقام الاول بالنسبة لما يتناوله من ملاحظات، و يأتي هذا على حساب الملف الحقوقي ، على خلاف أداء المنظمات الحقوقية التي تقدمت بتقارير اصحاب المصلحة و التي يتضح منها أن أغلب المنظمات تولي اهتمام اكثر بالحالة الحقوقية، وان كان البعض منها يخرج عن الاطار و يتعامل بموجب خلفيات سياسية و ليست حقوقية الا انه يظل اداء المنظمات الحقوقية اقوى و اكثر مهينة من اداء العديد من الدول المشاركة في الاستعراض الدوري .

لاحظ التقرير “أن الدول التي تشارك في الحوار التفاعلي العديد منها يشارك بخلفية سياسية وليست حقوقية وأن التحالف أو الخلاف السياسي يطغى على اهتمام الدول 

 

مفاهيم مغلوطة

قدم التقرير صورة موضوعية عن نتائج تقرير الاستعراض الدوري الشامل الثالث لمصر بشكل كمي و كيفي، بعد رصد  معتقدات خاطئة لدى العديد من الاعلاميين و السياسيين و بعض من منظمات المجتمع المدني، بشأن عدد المداخلات والتوصيات باعتبارها مؤشرا لحالة حقوق الانسان لدى الدولة محل الاستعراض، بحسب التقرير فإن البعض سعى الي التهويل بشأن التوصيات التي تلقتها مصر، وعددها 372 توصية و البعض الاخر سعى الي التقليل من حجم تلك التوصيات بحجه انها تتناول خمس او ست موضوعات فقط لا غير، موضحا بإنه بعيدا عن التهويل او التقليل  سعي التقرير لاستعرض التوصيات التي تلقتها مصر، و تصنيفها طبقا لموضوعاتها و بحث مدى التغير الذي طرأ على معدل التوصيات، وأسباب هذا التغير و ما يعنيه هذا التغير.

من خلال الاستعراض الكمي  للتوصيات التي تلقتها الحكومة المصري بشأن تقرير الاستعراض الدوري الشامل ، خلص التقرير الي جملة من الملاحظات العامة بشأن جلسة الاستعراض المصرية، أبرزها أن التركيز العام للتوصيات التي تلقتها مصر  جاء على ملف الحقوق المدنية و السياسية بنسبة بلغت 56% حتى و ان كان هذا المعدل تراجع بنسبة 2% عن جلسة الاستعراض السابق الا انه يعبر عن معدل الانشغال الدولي و القلق بشأن تلك الحقوق، بينما  استحوذ الاهتمام بملف المرأة المصرية على أغلبية التوصيات التي وجهت لمصر، و ذلك على الرغم من التطور الملحوظ لملف التمكين السياسي و الاقتصادي للسيدات في مصر خلال الفترة الأخيرة و هو ما أنعكس على صياغة تلك التوصيات ،والتي كانت اغلبها يوصي بالاستمرار في اعمال التمكين السياسي و الاقتصادي، بينما جاءت التوصيات السلبية في شأن ملف المرأة فيما يتعلق بالعنف البدني و الاعتداء و التحرش الجنسي .

خلص التقرير الي جملة من الملاحظات العامة بشأن جلسة الاستعراض المصرية، أبرزها أن التركيز العام للتوصيات التي تلقتها مصر  جاء على ملف الحقوق المدنية و السياسية بنسبة بلغت 56%

على الرغم من ارتفاع عدد التقارير الصادرة عن أصحاب المصلحة، وهي المنظمات غير الحكومية، الا أنه بمراجعة تلك التقارير أتضح أن أغلبها لمنظمات لا يوجد لديها مقرات بالدولة المصرية – وهو نتيجة مباشرة للقضية 173 المعروفة باسم قضية التمويل الاجنبي – إضافة الي قلة عدد التقارير الصادرة عن المنظمات الحقوقية المصرية، والتي تراجع عددها بشدة في ظل الحصار القيود المفروضة على منظمات المجتمع المدني المصرية وعلى رأسها المنظمات الحقوقية.

من بين الملاحظات الجوهرية التي لاحظها التقرير، انخفاض عدد المنظمات المتاح لها التواجد بالقاهرة، مما أجبر المنظمات الحقوقية بالخارج على الاعتماد على مصادر معلومات منها ما هو حقوقي ومنها ما هو سياسي بما أثر بالسلب على بعض التوصيات التي بنيت على بيانات غير منضبطة، وفقا للتقرير.

 تلقت مصر نحو 42 توصية بشأن ضرورة التعاون مع الآليات الدولية لحقوق الإنسان والسماح للمقررين الخواص بعمل زيارات دورية لمصر، وهو الأمر الذي علق عليه الوفد المصري، بأنه لا مانع من الزيارات الدورية للمقررين الخواص وهو الامر الذي يجب أن يطبق على أرض الواقع بالسماح للمقررين الخواص بزياره الأراضي المصرية، و التواصل مع المنظمات الحقوقية المصرية و المجلس القومي لحقوق الانسان بما يساهم بنقل صوره أكثر دقه عن حالة حقوق الانسان في مصر.

لاحظ التقرير ان كافة البيانات التي بنيت عليها التوصيات قد جاءت مستمده من تقارير أصحاب المصلحة، وتجميع الفريق العامل بالمجلس، وهو الأمر الذي يشير بوضوح إلي مدى أهمية الدور الذي تلعبه المنظمات الحقوقية و تأثيرها فيما يخص تقارير الاستعراض الدوري وإن كان من شأن هذا التأثير أن يتعاظم، إذ ما منحت المنظمات الحقوقية دورا اكبر في جلسات الاستعراض.

 

انتقائية ومكايدة سياسية

من خلال عملية الرصد والتحليل لجلسة الحوار التفاعلي والجلسات السابقة، لاحظ التقرير ما وصفه بـ “الانتقائية ” التي تتعامل بها الدول فيما يخص التوصيات المبنية على تقارير أصحاب المصلحة حيث تقوم الدولة بانتقاء بعض التوصيات والموضوعات من التقارير، بحسب التقرير فإن الدول لا تزال تتعامل بفكر ومنهج سياسي وليس حقوقي في شأن جلسات الحوار التفاعلي، والتوصيات الصادرة عنه.

تطرق التقرير إلي ظاهرة خطيرة وهي أن التوصيات الصادرة عن بعض الدول بشأن بعض القضايا والانتهاكات تختلف باختلاف الدول، وعلاقتها السياسية بالدولة مصدر التوصية، وهو ما يعني أن الاستعراض يبنى في الغالب على المكايدة والموائمة السياسية في المقام الاول ثم يأتي من بعد ذلك حماية حقوق الانسان في الدولة محل الاستعراض.

تطرق التقرير إلي ظاهرة خطيرة وهي أن التوصيات الصادرة عن بعض الدول بشأن بعض القضايا والانتهاكات تختلف باختلاف الدول وعلاقتها السياسية بالدولة مصدر التوصية

من خلال متابعة جلسات الحوار التفاعلي ارتفاع معدل المشاركة في جلسات الحوار طبقا للوزن السياسي للدولة و ليس طبقا لمعدل الانتهاكات الحقوقية لديها وهو ما يؤكد على ان المشاركة في الحوار التفاعلي و التوصيات التي تقدم تأتي طبقا لفكرة الدعم السياسي او المكايدة السياسية  وضرب التقرير مثالا علي ذلك مشيرا إلي أن الدورة التي شهدت استعراض التقرير المصري كانت تضم استعراض لدول  ( ايطاليا ـ السلفادور ـ زامبيا ـ بوليفيا ـ فيجي ـ سان مارينو ـ كازخستان ـ أنجولا ـ ايران ـ مدغشقر ـ العراق ـ سلوفينيا ـ مصر ـ البوسنة )  بخلاف الملف المصري وحالة الترقب لعرضه لم يكن هناك بين الملفات ما يمكن القول بأنه جاذب للتفاعل والاهتمام سوي ملفي ( العراق ـ إيران )، إلا أنه  جاءت معدلات المشاركة الأعلى في جلسات الحوار التفاعلي في استعراض العراق وإيران و مصر وإيطاليا،  وهو نفس الأمر الذي أنطبق على عدد التقارير الصادرة عن أصحاب المصلحة ، و هوما يؤكد فكره المشاركة على أسس سياسية لا حقوقية .

التقرير اعتبر أن أداء الوفد المصري والحكومة المصرية بشأن التعامل مع تقرير الاستعراض الدوري قد جاء أفضل من التقارير السابقة سواء من حيث إعداد الملفات والبيانات والتقارير، وعدم انكار وقوع انتهاكات والاقرار بحدوثها وهو تقدم ملحوظ لم يكن موجود في اي من التقارير السابقة.

توصيات

قدم التقرير عددا من التوصيات، حيث طالب الحكومة بالعمل على قبول كافة التوصيات الصادرة من الاستعراض الدوري الشامل، ووضع خطة استراتيجية وطنية بالشراكة مع منظمات المجتمع المدني المصرية و الاقليمية و الدولية من اجل خلق آليات لتنفيذ التوصيات التي تلقتها مصر، ومراجعة التحفظات المصرية على الاتفاقيات الدولية و العمل على التصديق على البرتوكولات الملحقة الخاصة بالية تقديم الشكاوي ، ووقف التعامل على القضية رقم 173 المعروفة باسم قضية التمويل الأجنبي .

طالب الحكومة بالعمل على قبول كافة التوصيات الصادرة من الاستعراض الدوري الشامل ووضع خطة استراتيجية وطنية بالشراكة مع منظمات المجتمع المدني المصرية والاقليمية والدولية

التوصيات شملت أيضا خلق شبكة من المنظمات المحلية والاقليمية والدولية من اجل متابعة تنفيذ التوصيات التي قبلتها الحكومة المصرية، والعمل عبر خطة استراتيجية تمتد لنوفمبر 2024م بهدف تقييم ما تقوم به الحكومة المصرية من أعمال في شأن تنفيذ التوصيات التي تلقتها الحكومة المصرية وذلك عبر ثلاث مجموعات، بينما طالب التقرير المجلس القومي لحقوق الإنسان، بلعب دور في إعداد خطط العمل المتعلقة بحقوق الانسان والاستراتيجيات المعنية بالاستعراض الدوري الشامل بالتعاون مع الحكومة.

وفيما يتعلق بتوصيات المفوضية السامية لحقوق الانسان بالأمم المتحدة، دعا التقرير بتنظيم جلسات حوار تتضمن خبراء حقوقيين، ومنظمات المجتمع المدني لبحث آليات تطوير منظومة الاستعراض الدوري الشامل بحيث تضمن تلك المنظومة منح منظمات المجتمع المدني دورا أكبر وأكثر تأثيرا فيما يخص الاستعراض الدوري، ومساعدة الحكومات في وضع خطط عمل وطنية لحقوق الانسان، بما في ذلك الخطوات الضرورية لتنفيذ توصيات الاستعراض الدوري الشامل.