في مايو 2019، حصل حزب «النهج الحاد» اليميني المتطرف على 20 ألف توقيع من الناخبين، وهو العدد المطلوب الذي سمح له بالمشاركة في الانتخابات البرلمانية لأول مرة منذ تأسيسه عام 2017.

جاء حصول الحزب الذي يدعو إلى الحفاظ على «التركيبة العرقية» للدنمارك، على هذا التأييد رغم ما يُعرف عن زعيمه راسموس بالودان، من حملاته المهينة للمسلمين، وحرقه وتدنيسه نسخا من القرآن الكريم أكثر مرة، أمام مبنى البرلمان الدنماركي. وذلك بالتوازي مع تصاعد الاعتداءات العنصرية ضد المسلمين، والمهاجرين بشكل عام، في كل أنحاء البلاد.

أثارت صحيفة «يولاندس بوستن» الدنماركية أكبر أزمة سياسية عالمية، في 30 سبتمبر 2005، حين نشرت 12 صورة كاريكاتيرية مسيئة للنبي محمد، عليه الصلاة والسلام. وقوبل نشر هذه الصور الكاريكاتيرية بموجة غضب عارمة في العالم الإسلامي، وتعرضت عدة سفارات غربية للهجوم؛ وأخذت الاحتجاجات طابعاً عنيفا في العاصمة السورية دمشق، حيث أُضرمت النيران في المبنى الذي يضم سفارتي الدنمارك والنرويج، وتم إحراق القنصلية الدنماركية في بيروت. ووصف رئيس الوزراء الدانماركي آنذاك، أندرس فوغ راسموسن، هذا الحدث بأنه «أسوأ حادث للعلاقات الدولية في الدنمارك منذ الحرب العالمية الثانية».

 

كانت ردود الأفعال على هذا الحادث، هي بداية الشرارة لظهور جماعات وأحزاب اليمين المتطرف على الساحة الدنماركية، حيث اكتسبت هذه الأحزاب التي لم تكن تحظى بشعبية كبيرة مؤيدين جدد عاما بعد عام، وأصبح حزب «الشعب الدنماركي» اليميني الذي تأسس عام 1995، هو ثالث أقوى كتلة سياسية داخل البرلمان.

نقاء «العرق الدنماركي»

ينطلق اليمين المتطرف في الدنمارك من عدة منطلقات، أهمها الإيديولوجية النازية المبنية على نزعة عنصرية تؤمن بنقاء «العرق الدنماركي» وأهمية المحافظة عليه، وأيضا على مبدأ أن «الدنمارك فقط للدنماركيين»، وعدم استقبال أي لاجئ أو مهاجر من عروق أو أصول غير أوروبية.

ينطلق اليمين المتطرف في الدنمارك من عدة منطلقات، أهمها الإيديولوجية النازية المبنية على نزعة عنصرية تؤمن بنقاء «العرق الدنماركي»

من أهم الجماعات اليمينية في الدنمارك، الحركة الوطنية الاجتماعية الدنماركية «الحزب النازي الدنماركي»، التي تأسست عام 1970 وهي امتداد للحزب النازي الدنماركي، وشهدت خلال تسعينيات القرن الماضي فترة ذروة حيث قامت بالعديد من الأعمال الاحتجاجية ضد الأجانب في البلاد، ومازالت ناشطة حتى الآن.

هناك أيضا جماعة «الجبهة الدنماركية» التي تأسست عام 2002 وكانت عبارة عن موقع إلكتروني ومنتدى حوار، وما لبثت أن شهدت ارتفاعاً كبيراً في أعضاء المنتدى وزوار الموقع الإلكتروني. وشمل الموقع على أخبار ونشاطات الجمعيات اليمينية في الدنمارك.

أما «الجمعية الدنماركية» فتأسست عام 1987 بمبادرة من القسيس سورين كاروب، ولعبت دوراً مهماً في تأليب الرأي العام على المسلمين والمهاجرين، وكانت تصدر مجلة دورية باسم «الدنماركي»، وضمت الجمعية في عضويتها العديد من أعضاء البرلمان عن حزب «الشعب الدنماركي». واهتمت الجمعية في بداية عملها بنشاطات تهدف إلى الضغط على القرارات والسياسيات وعملت على بناء لوبي سياسي ضاغط من أجل تشديد قوانين الأجانب، وتعتبر الجمعية كتجمع «للمحاربين القدامى» من رواد اليمين المتطرفين، وتقدم دعماً وإلهاماً معنوياً للقوى اليمينية الجديدة.

«الجمعية الدنماركية».. تأسست عام 1987 بمبادرة من القسيس سورين كاروب، ولعبت دوراً مهماً في تأليب الرأي العام على المسلمين والمهاجرين

ومن أخطر التنظيمات اليمينية جمعية «أوقفوا أسلمة الدنمارك»، التي تأسست في مدينة ألبورغ (رابع أكبر مدن الدنمارك) في عام 2005، ونشطت الجمعية إبان «أزمة الرسومات» الشهيرة، ونظمت عدة اعتصامات، كما شاركت في عدة اجتماعات أوروبية لجمعيات يمينية متطرفة، وما زالت الجمعية نشطة في شمال جزيرة يولاند.

من رحم الأزمات

يقول هانس يورغن، العضو القيادي في حزب «اللائحة الموحدة» اليساري، إن «أحزاب اليمين المتشدد الدنماركي تولد من رحم الأزمات، ولا تتراجع إلا لمصلحة أحزاب أخرى أكثر تشددا»، وهو ما يبدو جليا في حالة حزب «الشعب الدنماركي» اليميني، والذي حصد 21% من الأصوات في انتخابات 2015، ليصبح الحزب الثاني بعد «الاجتماعي الديمقراطي»، بينما تراجعت شعبية الحزب في الاستطلاعات التي تجريها وسائل الإعلام الدنماركية لتصل إلى 17% خلال العام الجاري، في ظل تقدم مفاجئ لحزب آخر، أكثر تشددا، وهو حزب «البرجوازية الجديدة»، فيما يتقدم كذلك «حزب الدنماركيين» ذو الأيديولوجية النازية، والذي تأسس في 2011، على يد منظره الشاب دانيال كارلسن.

هانس يورغن: أحزاب اليمين المتشدد الدنماركي تولد من رحم الأزمات، ولا تتراجع إلا لمصلحة أحزاب أخرى أكثر تشددا

يعتبر «يورغن» أن اليسار ويسار الوسط في الدنمارك مسؤولان، بشكل غير مباشر، عم انتشار أطروحات اليمين المتطرف، إذ تسامحت قيادات هذه الأحزاب اليسارية مع الخطاب والممارسات التمييزية والإجحاف الذي تعرض له الدنماركيون من أصول مهاجرة خلال الأعوام الأخيرة.

من جانبه، يقول أندرس كلاين، الباحث السياسي الدنماركي: «لا يفهم الشباب من المهاجرين المسلمين في البلاد، لماذا يجب عليهم تغيير أسمائهم من «محمد» إلى «سورن» أو غيره من الأسماء، للحصول على رد ما على طلب توظيف في الشركات الدنماركية. ولا يفهم هؤلاء لم يُرفضون في الوظائف، ويُطلق عليهم لقب «مهاجرين»، وهم الجيل الثاني في مجتمعهم الدنماركي الذي لا يعرفون غيره».

 

ويضيف كلاين: «أتعامل مع شبان وشابات رائعين يملكون مؤهلات وطاقات يفتقدها كثر من الأوروبيين، ورغم ذلك وبكل تبجّح يجري التمييز ضدهم. تصاعد التطرف لا أقول إنه سيؤدي بنا إلى حرب أهلية في مجتمعنا، لكنه سيحمل ذروة شقاق واصطفاف مجتمعي سيخرب نسيجنا وضياع رفاهية وتقدم مجتمعاتنا الاسكندنافية بشكل عام».