تُعد السويد، بكل المقاييس، معقلا لجماعات اليمين المتطرف في أوروبا، حيث حذر تقرير صادر عن “المعهد السويدي لأبحاث الدفاع” FOI في أكتوبر 2019، من الخطر المتزايد الذي يشكله الأشخاص الذين ينتمون إلى البيئات اليمينية المتطرفة، ومن احتمالية قيامهم بأعمال إرهابية وهجمات في البلاد، مستلهمين أفكارهم من إرهابيين سابقين ينتمون إلى الفكر اليميني الأوروبي خلال الأعوام الماضية.

ذكر المعهد أن متطرفين سويديين من اليمين المتطرف ينشطون في شبكات ومواقع على الإنترنت تستلهم الفكر اليميني المتطرف، وتدعو الى استخدام العنف، وتمجيد الجناة السابقين. ومعظم هذه الشبكات هي باللغة الإنجليزية لكن بينها زوار وناشطين سويديين. وتقدر مصادر غربية أن هناك ما بين ألفين وثلاثة آلاف متطرف يميني ناشط في السويد.

وفي يناير الماضي، أعربت المخابرات السويدية “سيبو” عن مخاوفها من احتمال قيام المتعاطفين مع الأفكار اليمينية المتطرفة المعادية للأجانب، والداعية للعنف، بتنفيذ هجمات ضد المجتمع أو ضد أقليات عرقية أو أجنبية في البلاد.

 

قال رئيس جهاز الشرطة الأمنية والمخابرات، كلاس فريبري، في تصريحات للإذاعة السويدية، إن “المرء بات يرى اتساع رقعة الأفكار اليمينية المتطرفة ضد الأجانب، والتي تتبنى العنف وخاصة على شبكة الإنترنت، وأنها تجذب المزيد من الناس إليها كل يوم، وهي قريبة من فكر جماعات تفوق العرق الأبيض التي تمارس العنف”، واصفاً سلوك هؤلاء اليمنيين بأنه “يشبه سلوك المتطرفين الإسلاميين، حيث إنهم يخططون وينفذون اعتداءاتهم بسرعة وبوسائل بسيطة”.

رئيس المخابرات السويدية: المرء بات يرى اتساع رقعة الأفكار اليمينية المتطرفة ضد الأجانب، والتي تتبنى العنف وخاصة على شبكة الإنترنت

وأضاف “فيردباري” أن “ما يدعو إلى القلق هو أن يخطط أشخاص ممن من يتبنون أو يتأثرون بتلك الأفكار، أو أشخاص لم نعرفهم من قبل هجمات إرهابية، خاصة أن بعض الدول الغربية شهدت في الآونة الأخيرة هجمات كان منفذوها من ذوي الأفكار اليمينية المتطرفة”.

زلزال سياسي

أحصت منظمة “إكسبو” المعنية بشؤون مراقبة التحركات العنصرية والمتطرفة في السويد، جميع الاجتماعات والنشاطات التي نظمتها الجماعات اليمينية العنصرية خلال عام 2012، ولاحظت ارتفاعا بنسبة 24% في هذه الاجتماعات عن الأعوام السابقة، وأن معظم هذه النشاطات آتية من جهة واحدة، هي “منظمة السويديين” الشعبوية المتشددة، القائمة على مبدأ “سيادة البيض”، والتي يعتبرها جهاز الأمن السويدي تهديدا أمنيا حقيقيا للبلاد.

ومنذ ذلك العام، بدأ نشاط هذه التجمعات اليمينية بالتوسع من ناحية نشر المعلومات والملصقات ورسوم “الجرافيكي” المعادية للأجانب على الحوائط، بالإضافة الى تنظيم الحلقات الدراسية ومختلف النشاطات الاجتماعية، وهي الأنشطة التي لا يجرمها القانون السويدي حتى الآن.

 

على المستوى السياسي، شهدت السويد تقدم اليمين المتطرف على قوى اليسار والوسط في الانتخابات البرلمانية التي أجريت في 9 سبتمبر 2018، بعد أن حصد حزب «ديمقراطيو السويد» اليميني نحو 18% من الأصوات، ليضيف إلى مقاعده البرلمانية 13 مقعداً، ليصل عددها في البرلمان الحالي إلى 62 مقعداً، وتسبب هذا الفوز في شعور اللاجئين بالقلق إثر الارتفاع المتزايد في نسبة المؤيدين لقوى اليمين التي تدعو إلى ترحيل اللاجئين وغلق الأبواب في وجه المهاجرين الجدد، خاصة بعد أن فتحت السويد أبوابها لـ 163 ألف طالب لجوء عام 2015.

 

وشهد عام 2010، أول فوز لحزب “ديمقراطيو السويد” اليميني بمقاعد في الرايستاغ “البرلمان”، عندما حصل على نسبة 5.7% من الأصوات، وارتفعت تلك النسبة عام 2014 لتصبح 12.9%، أي 42 مقعدا من أصل 349. واعتبر بعض المراقبين وقتها هذه النتائج المتقدمة بمثابة “زلزال سياسي”، ألحق السويد بقائمة طويلة من الدول الأوروبية، التي صعد فيها اليمين المتطرف، من المجر وبولندا وإيطاليا والتشيك، ومروراً بالنمسا، ووصولاً إلى الدانمرك وهولندا وألمانيا.

شهدت السويد تقدم اليمين المتطرف على قوى اليسار والوسط في الانتخابات البرلمانية التي أجريت في 9 سبتمبر 2018

وتأسس الحزب عام 1988 عبر اندماج حزب شعبوي يركز على القضايا الاقتصادية، ومنظمة متطرفة تؤمن بتفوق البيض. وهو يركز في الانتخابات على قضية العداء للمهاجرين أكثر من أية قضية أخرى، زاعماً أن الهجرة رفعت معدلات الجريمة، فضلاً عن كونها تفرض ضغوطاً اقتصادية لا قبل للسويد بها، ومعتبرا أن هجرة المسلمين تحديداً «تقوض الهوية السويدية وتهدد الوحدة الوطنية».

وفضلا عن هذا الحزب، تنشط بقوة في السويد جماعة تسمى نفسها “حركة مقاومة الشمال” اليمينية المتطرفة، الداعية إلى طرد المهاجرين من القارة الأوروبية برمتها. وتؤمن هذه الجماعة بوجود نوع من “صراع حضاري” بين الشمال ممثلا في دول أوروبا المسيحية، والجنوب ممثلا في بلدان الشرق الأوسط وآسيا المسلمة.

وعلى الرغم من ذلك، يجادل الكاتب السويدي ماتس إنجستروم بأن “الحالة السويدية” تشبه جزئيًا ما يحدث في مناطق أخرى من أوروبا. فالشعبوية اليمينية في ازدياد. وفي حالة السويد، فإن الشعبوية ممثلة في حزب يميني ذي خلفية نازية. وصحيح أن النموذج السويدي يتعرض لتحديات، لكنه لا يزال حيًا إلى حد كبير. وكما كان الحال من قبل، فهناك توافق واسع في الآراء حول العناصر الأساسية لنظام الرعاية الاجتماعية. كما أن النقابات العمالية لا تزال قوية، وجنبًا إلى جنب مع القوى التقدمية الأخرى ومع سياسات أفضل ليسار الوسط، فيمكن أن تكون جميعها قوة حاسمة في الحد من دعم الشعبوية اليمينية.