“عيش- حرية – عدالة اجتماعية”.. هتاف أطلق صيحاته  عام 2010 في تونس  وتذبذبت موجاته بمصر وسوريا والعراق مرورا  باليمن والسودان، وانتهى صداه في لبنان.. بين ربيع الثورات وخريف الفقر هل استطاعت الدول العربية بعد 10 أعوام تحقيق العدالة الاجتماعية، وبمناسبة اليوم العالمي للعدالة الاجتماعية الذي تحيه، منظمة العمل الدولية في 20 فبراير من كل عام ، ويأتي الاحتفال هذا العام  تحت شعار «جسر هوة التفاوت لتحقيق العدالة الاجتماعية»

بحسب بيانات المنظمة الدولية، لا يزال 1 من كل 5 عمال يعيشون في فقر معتدل أو مدقع، وتؤدي التباينات الجغرافية إلى إعاقة الوصول إلى العمل اللائق، ويواجه العديد من العمال أجوراً راكدة، ويسود عدم المساواة بين الجنسين ولا يستفيد الناس على قدم المساواة من النمو الاقتصادي.

العدالة الاجتماعية في الدستور المصري

الدستور المصري المعدل كفل العدالة الاجتماعية في اكثر من مادة أبرزها المادة (8)ونصها “يقوم المجتمع على التضامن الاجتماعي وتلتزم الدولة بتحقيق العدالة الاجتماعية وتوفير سبل التكافل الاجتماعي، بما يضمن الحياة الكريمة لجميع المواطنين، علي النحو الذي ينظمه القانون”.
رغم ذلك كان للتقارير الرسمية رأي آخر، حيث أعلن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء في العام الماضي، عن ارتفاع معدلات الفقر في البلاد لتصل إلي 32.5% من عدد السكان، بنهاية العام المالي 2017/ 2018، مقابل 27.8 في المئة لعام 2015/ 2016.فيما كانت معدلات الفقر وصلت إلى 25.2% خلال عام 2010 /2011، موضحا أن الفقر يحتسب على اساس الدخل الشهري للفرد بحوالي 40.6 دولار وهو ما يعادل أقل من دولارين يوميا.

الدستور المصري المعدل كفل العدالة الاجتماعية في اكثر من مادة  

وحدد الجهاز خط الفقر القومي في بحث الدخل والإنفاق 2017 /2018 عند مستوى 8827 جنيها للفرد في السنة، وهو ما يعادل حوالي 735.5 جنيه شهريا، وذلك مقابل 5787.9 جنيه سنويا، أو نحو 482 جنيها شهريا، في البحث السابق لعام 2015.

وبحسب احصائية للجهاز، فإن متوسط دخل الأسرة المصرية سنويا لعام (2017-2018)  بلغ 58.85 ألف جنيه، فيما بلغ متوسط الدخل لعام (2010-2011) 25.35 ألف جنيه .

وبحسب تعريف الفقر وفقا لجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء المصري، الفقر بأنه هو عدم توفير الحد الأدنى من الاحتياجات الأساسية للفرد أو الأسرة، وتتمثل هذه الاحتياجات في الطعام والمسكن والملبس وخدمات التعلم والصحة والمواصلات. فيما يعرف بخط الفقر القومي، بأنه  تكلفة الحصول على السلع والخدمات الأساسية سواء للفرد أو الأسرة. ويتم الاستناد على هذا التعريف في تحديد من هم الفقراء.
بينما يحدد البنك الدولي معدل خط الفقر العالمي بـ 1.9 دولار (نحو 31 جنيه) يوميًا للفرد، وفقا لآخر أرقامه الصادرة عام 2015. وأشار البنك إلى أنه في الـ20 عامًا الماضية، زادت نسبة الفقراء بنحو 100%، حيث بلغت 32.5 في 2018 مقابل 16.7% في عام 1999/2000، بلغت 25.2% في عام 2010/2011.

 

تونس الشرارة الأولى

كانت تونس أول ركاب المنطقة العربية في قطار الانتفاضات الذي غادر ديسمبر 2010 للوصول لحلم العدالة الاجتماعية بعد اشعال البائع المتجول محمد بوعزيزي النار في جسده اعتراضا على تردي المعيشة، ومع ذلك قدرت نسبة الفقر في تونس بـ15.2%، بحسب الإحصائيات الرسمية للدولة في 2019.

تونس أول ركاب المنطقة العربية في قطار الانتفاضات الذي غادر ديسمبر 2010 للوصول لحلم العدالة الاجتماعية  

بينما تجاوز عدد الفقراء مليون و700 ألف من اجمالي عدد السكان الذي يبلغ 11.53 مليون تونسي، فيما يقدر البنك الدولي نسبة التونسيين المصنفين في خانة الفقر المدقع بـ3.5 بالمائة، إلى جانب 700 ألف من الفقراء لتكون النسبة 11.5% أي قرابة 1.4 مليون من الفقراء.

 

لبنان الشعلة الأخيرة

لبنان أخر البلدان العربية لحاقا في قطار الانتفاضة العربية من أجل العدالة الاجتماعية في اكتوبر 2019، وبحسب البنك الدولي فإن تقدير عدد اللبنانيين الفقراء عام 2018  بحوالي الثلث من إجمالي السكان البالغ 5.5 مليون، فيما كانت نسبة الفقراء تبلغ  27.4 % في 2011/2012. فيما يمكن أن يرتفع الفقر إلى 50٪ إذا تفاقم الوضع الاقتصادي سوءاً؛حيث لا يتعدى الحد الأدنى للأجور الـ450 دولارا. فهناك مليون و232 ألف فقير لبناني يعيشون بمليار و611 مليون دولار سنويا، وهو ما يقارب ثروة شخص واحد في عائلة واحدة من العائلتين الأكثر ثراءً في لبنان. إذ أن حجم ثروة عائلتين لبنانيتين فقط، هما عائلتا الحريري وميقاتي، يصل الى 16 مليارا و800 مليون دولار.

لبنان أخر البلدان العربية لحاقا في قطار الانتفاضة العربية من أجل العدالة الاجتماعية في اكتوبر 2019

لكن هل سيصل قطار الانتفاضات إلى وجهته التي انطلق من أجلها  “العدالة الاجتماعية”؟ يظل هذا التساؤل مطروحا منذ سنوات وقبل انطلاق موجات الاحتجاجات في المنطقة العربية، ولعقود طويلة ظل محل بحث ودراسة من قبل الخبراء والهيئات الدولية الكبري ومن بينها البنك الدولي .

 

وفقا لتقرير السنوي  للبنك الدولي الصادر العام الماضي، فإنه من المتوقع أن يسجل معدل النمو في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا 1.5%عن عام 2019، منخفضا من 1.6% في عام 2018، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى ضعف النمو العالمي وتقلبات الأسواق المالية العالمية، لكن أرجع التقرير زيادة معدل الفقر المدقع بالمنطقة العربية من 207% في عام 2011 إلى 5% في عام 2015 إلى الصراعات المتأججة في بعض البلدان مثل اليمن وليبيا.

من المتوقع أن يسجل معدل النمو في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا 1.5%عن عام 2019   

واعتبر البنك الدولي أن هناك تقدما فيما وصفه بجهود الانتعاش الاقتصادي والإعمار بالعراق حتى وإن جرى بوتيرة بطيئة، فيما سجلت مصر التي طبقت إصلاحات قوية على جبهتي المالية العامة والطاقة نمو قدره 5.5% عام 2019.

كما يستعد الأردن ولبنان اللذان مازالا يتحملان تكلفة ملاين اللاجئين للشروع في اصلاحات اقتصادية ضخمة. في حين اعتبر البنك أن الانتخابات البرلمانية والرئاسية في تونس أدت إلى إبطاء أجندة الإصلاح الاقتصادي.