يتعرض الآلاف من العمالة الأفريقية بدول الخليج، إلى “محن وانتهاكات قاسية”، بداية من الأجور الزهيدة وعدد ساعات العمل الطويلة وصولاً إلى الترحيل السريع و القسري، ولكن يبقى مصير المئات منهم مجهولاً، في ظل استمرار العمل بنظام الكفالة، بصورة تتعارض مع مواثيق العمل وحقوق الإنسان الدولية، ما يفسر لنا سبب وصفه بـ”نظام الاستعباد” من قبل بعض الحقوقيين .
في فبراير الماضي، جمدت المملكة العربية السعودية اتفاقية استقدام العمالة المنزلية الإثيوبية، وإيقاف معاملات استخراج التأشيرات، بحسب صحيفة “عكاظ” السعودية .
وأدان تقرير حديث لمنظمة هيومن رايتس ووتش، وضع العمالة الأفريقية في الخليج.
ونقلت الصحيفة السعودية، عن مصادر على صلة بمكاتب الاستقدام، أن إثيويبا فرضت رسوما على العقود اليدوية بقيمة 90 دولارًا على العقد الواحد، ما لا يتماشى مع الاتفاقية المبرمة مع السعودية، ووصلت المبالغ التي تحصل عليها الحكومة الإثيوبية نتيجة الرسوم على العقود الورقية بنحو 80 مليون دولار سنويًا على المواطنين، مشيرةً إلى أن ملف استقدام العمالة المنزلية من أوغندا ما زال متعثرًا ويراوح مكانه، وأن الاستقدام من كينيا مستمر.
وعلى غرار السعودية، أعلنت وزارة الداخلية الكويتية، في ديسمبر من العام الماضي، عن ارتفاع عدد الدول التى تقرر منع استقدام العمالة المنزلية منها إلى 24 دولة أفريقية، بالإضافة إلى دولتين آسيويتين.
انتهاكات وحملات ترحيل
في نهاية عام 2013، بدأت السعودية، مشروع “سعودة” أو “توطين” الوظائف في القطاعات الاقتصادية داخل أراضيها، كمحاولة للحد من ارتفاع معدلات البطالة بين السعوديين، ويقدر عدد العاملين الأجانب إلى 9 مليون من بين 27 مليون سعودي.
و صاحبت هذه الخطوة حملات طرد واسعة النطاق ضد الأجانب المخالفين، إذ شددت الحكومة القيود على العاملين الأجانب وحصرتهم في نظام الكفيل الذي يسمح للكفيل (صاحب العمل) بالتحكم في المكفول (العامل الأجنبي) بصورة تتعارض مع مواثيق العمل وحقوق الإنسان الدولية، ما يفسر لنا سبب وصفه بـ”نظام الاستعباد” من قبل بعض الحقوقيين والمهتمين بالشأن الخليجي.
وأنشأت الدولة نقاط تفتيش لمراقبة هويات العمال الأجانب وتصاريح العمل، واستهدفت في الغالب العمال ذوي المهارات المنخفضة من اليمن والصومال وإثيوبيا، إلى أن انتهت هذه العملية بطرد نحو 163.018 إثيوبيًا (100.688 رجل و732.53 امرأة و8.598 طفل) من المملكة، وفقًا لسجل المنظمة الدولية للهجرة.
وشنت الشرطة وسلطات العمل السعودية مداهمات للأحياء السكنية والشركات، لفحص الهوية الشخصية، ما أدي إلى احتجاز ما يزيد على 20 ألف عامل في اليومين الأولين وحدهما، وترحيل 427 ألفاً من الأجانب غير الموثقين على مدار الشهور السابقة.
وقدم وافدون آخرون لـ منظمة هيومين رايتس ووتش، وصفاً تفصيلياً لانتهاكات جسيمة أثناء الاحتجاز، تشمل نقص الطعام والمرافق الصحية، والضرب من جانب الحراس في بعض الحالات، في أعقاب الترحيل، وعاد الكثير من الوافدين إلى أوطانهم معدمين، بغير وسيلة لشراء الطعام أو دفع تكلفة المواصلات إلى منازلهم، بسبب تعسف السعودية في مصادرة متعلقاتهم الشخصية.
ورحلت السلطات السعودية، بحسب ما نقل التقرير عن المنظمة الدولية للهجرة، بترحيل نحو 260 ألف إثيوبي، أي بمتوسط عشرة آلاف إثيوبي شهريا بين مايو 2017 ومارس 2019 ، مشيرًا إلى أن عمليات الترحيل مستمرة، دون الحصول على أي دعم أو مساعدة.
وجرى إثارة هذه القضية مجددًا في عام 2017، حين أعلنت المملكة خطتها لطرد نحو نصف مليون إثيوبي من الذين يعيشون فيها بشكل غير قانوني، ما أدى إلى تكثيف الجهود الدبلوماسية والحقوقية لإلغاء هذه الخطوة التي سوف تعرض الآلاف للانتهاكات الخطيرة على أيدي حكومتهم في حال عودتهم، لكن السلطات السعودية أصرت على موقفها بحجة ضبط العمل في المملكة، وذلك ضمن حملة “وطن بلا مخالف”.
وفي عام 2019، نشرت الإذاعة الألمانية، تقريرًا كشفت فيه عن بعض الانتهاكات التي تواجه العمالة الأفريقية، ومصيرهم الغامض بعد الترحيل القسري، موضحة أن منع العمل والرسوم وفرض ضرائب جديدة وارتفاع الأسعار، أدت إلى مغادرة ملايين العمال خلال الأعوام الأربعة الماضية بشكل سريع، مما يثير القلق على مصير الباقين.
ولعل الملفت في الأمر أن مغادرة وترحيل ملايين العمال العرب والأجانب من السعودية بهذه السرعة لا يحظى باهتمام يُذكر من حكومات بلدانهم الأم ولا يلقى اهتمامها بترتيب عودة تدريجية لهم وتأمين تعويضات تساعدهم على ترتيب وبناء مقومات حياتهم من جديد، كما أن الترحيل المذكور يواكبه ردود أفعال خجولة من قبل منظمات حقوق الإنسان الدولية ووسائل الإعلام العربية والعالمية.
وتعود العمال من دول الخليج الأخرى مذلولة ومكسورة الخاطر بسبب سوء المعاملة وعدم دفع الرواتب لعدة أشهر ناهيك عن عدم دفع تعويضات عن سنوات الخدمية، وهو الأمر الذي لايساعدها على بناء حياتها مجددا في الوطن الأم الذي لا يعرفه الكثيرون من أبنائها إلا من خلال الحكايات والزيارة.
وتقول النقابات ومنظمات حقوق الإنسان كما نقلت بعض المصادر، إن العمال الوافدين في دول الخليج يتقاضون أجوراً متدنية ويعملون في بيئة خطيرة ودون أي حماية قانونية، وهو أمر بات واضحاً من خلال حادثة وفاة عدد من عمال البناء في قطر، التي تقوم ببناء عدد من ملاعب كرة القدم تمهيداً لاستضافة مونديال سنة 2020، ولا تختلف أحوال العمال الوافدين في الدول الخليجية الأخرى.
قانون الكفالة
يعتمد سوق العمل في الخليج أساساً على الوافدين الذين يشكلون أكثر من ثلثي إجمالي السكان، ويعتبر نظام الكفالة من أهم دعائم عملية إدارة الوافدين.
ويرى رجال قانون أن نظام الكفالة المعتمد في دول الخليج من أكثر الأنظمة صعوبة بالنسبة للعمالة المهاجرة، ويندرج في باب “العبودية الحديثة”؛ لما له من إشكاليات وما يترتب عليه من انتهاكات وضعت هذه الدول في مواجهة انتقادات من قبل المنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان.
وفي تقرير لمنظمة هيومن رايتس ووتش لعام 2018، أوضح أن بعض العمال في السعودية يتعرضون للاستغلال الذي يرقى أحيانا إلى مصاف السخرة، بالإضافة إلي تعسف أرباب العمل ومصادرة جوازات سفر العمال وعدم دفع أجورهم وإجبارهم على العمل ضد إرادتهم، ومن يترك عمله دون موافقة رب العمل، يتهم بـ”الهروب” ويواجه السجن والترحيل.
وكان البريطانيون أول من استحدث فكرة الكفالة في شبه الجزيرة العربية، أيام الاستعمار البريطاني هناك، وبدأ العمل بهذا النظام كقانون رسمي قبل اكتشاف النفط عام 1928، لتنظيم عمل الغواصين الأجانب الباحثين عن اللؤلؤ في البحرين، إذ لم تكن هناك حدود أو جوازات سفر في المنطقة آنذاك.
وانتقل نظام الكفالة بعد ذلك إلى باقي دول الخليج وشمل العاملين في مهن أخرى كعمالة المنازل، وتتشابه النظم والقوانين التي يقوم عليها نظام الكفالة المعمول به في دول الخليج مع وجود بعض الاختلافات البسيطة، وتتركز المآخذ على نظام الكفالة في ثلاثة قيود رئيسية يواجهها العمال وهي: تغيير العمل والاستقالة والسفر، إذ لا يسمح القانون للعامل بالقيام بأي منها دون إذن مكتوب من الكفيل.
وأعدت منظمة «هيومن رايتس ووتش» تقريرًا بعنوان بـ «لقد قمت بشرائك سلفًا» ذكرت فيه العديد من الانتهاكات التي تقع بحق العمالة المنزلية في الإمارات، وذكر التقرير أن سلطات الإمارات ادخلت إصلاحات في نظام الكفالة في السنوات الأخيرة، لحماية بعض العمال الوافدين، ولكن ليس للعاملات المنزليات، فهناك أكثر من 20 عاملة منزلية أكدت لـ”هيومن رايتس ووتش”، أن أصحاب عملهن أساءوا إليهن بدنياً أو جنسيًا.
وبعد مطالبات من منظمات دولية بإلغاء نظام الكفيل، ترددت أنباء عن رغبة المملكة العربية السعودية، إلغاء قانون الكفالة، ألا أن الممكلة نفت ذلك.
رحلة الموت
على جانب آخر، يحاول أكثر من ثمانية آلاف أثيوبي الهجرة الى السعودية عبر اليمن سنوياً، أملا في الحصول على فرص عمل وحياة أفضل لكن طريقهم في الهجرة مليء بمصاعب كثيرة، ويتعرض المهاجرون الإثيوبيون إلى السعودية إلى “محن وانتهاكات لا توصف”، بحسب أحدث تقرير لمنظمة هيومن رايتس ووتش التقرير والذي يتحدث عن “الاستغلال والتعذيب في اليمن” وصولا إلى احتجازهم في السعودية في ظروف “مسيئة” ثم طردهم منها.
ونددت المنظمة، بالانتهاكات التي يتعرض لها المهاجرون الإثيوبيون، واستندت إلى شهادات مهاجرين إثيوبيين طردوا من السعودية؛ إذ وثق تعرض هؤلاء للاستغلال والعنف والإتجار بالبشر منذ بداية رحلتهم عبر البحر الأحمر وخليج عدن.
وسلطت صحيفة “الجارديان” البريطانية الضوء على ما وصفته بالانتهاكات اليومية التي يواجهها الإثيوبيين في السعودية، من ضرب واعتقالات وترحيل.
من جانبه، أوضح الدكتور صلاح سلام، عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان، أن قانون الكفالة المعمول به في دول الخليج به الكثير من الأخطاء والانتهاكات، ولابد من تغيير هذا النظام من خلال منظمة العمل العربية.
وتابع عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان، لـ مصر 360، أن كثير من منظمات الحقوقية الدولية والمحلية نددت بما يتعرض له العمالة الأجنبية والعربية في دول الخليج من قبل بعض الكفالين معدومي الضمير، مشيرًا إلى الحوادث الانتهاك التي تعرض لها بعض المصريين الأعوام الماضية بالكويت وغيرها، مؤكدًا أن الإنسان ليس سلعة تباع أو تشتري بل له قدر متأصل لمجرد كونه بشراً.
وأشار سلام، إلى أن هناك بوارد بإلغاء نظام الكفالة في المملكة العربية السعودية نهائيًا كخطوة تالية لدخول نظام “الإقامة المميزة” حيز التنفيذ في مايو الماضي بعدما أقره مجلس الوزراء وأقره مجلس الشورى من أجل “الدفع بعجلة الاقتصاد والنشاط التجاري للتوسع والشفافية”، حيث يمنح النظام للمقيم حرية التنقل وإصدار تأشيرات إقامة وزيارات للأقارب ويهدف لاستقطاب أصحاب رؤوس الأموال، وهو أمر جيد ونافذة أمل .
واختتم حديثه بأن علاقة العمل علاقة إنسانية ولا يمكن التعامل مع العامل باعتباره عبد، ويتم التحكم فيه من قبل الكفيل، لافتًا إلى أن هناك دول عربية بدأت تتراجع عن هذا النظام بالفعل.