تعتبر بوركينا فاسو ، واحدة من النقاط الساخنة الجديدة في توسيع نطاق المواجهات بين الإسلاميين و حكومات الساحل المدعومة على ما يبدو من الغرب ، حيث يتشكل هذا الساحل من منطقة شبه قاحلة وتقع جنوب الصحراء الممتدة من السنغال وموريتانيا على المحيط الأطلنطي ، وتمر عبر مالي والنيجر و تشاد حتى السودان وإريتريا المطلة على البحر الأحمر .

قد لا تستحوذ هذه المنطقة على “العناوين الرئيسية ” بالصحف الأوروبية والأمريكية ، بحسب الكاتب البريطاني  سيمون تيدسال ، المتخصص في الشؤون الخارجية ،  في مقاله بصحيفة الجارديان البريطانية ، والذي قال :” لقى نحو 1800 شخص مصرعهم في أحداث عنف ارتكبها متمردون في بوركينا فاسو العام الماضي فقط ، بينما نزح قرابة 500 ألف شخص آخرين ، في حين  تحذر الأمم المتحدة من أنها قد تتحول إلى “سوريا ” أخرى .

وأضاف  بنبرة ساخرة :” تخيل رد الفعل في بريطانيا إذا اقتحم جهاديون إسلاميون مسلحون إحدى الكنائس أثناء صلوات الأحد في قرية سييريه الكندية ، لينطلق  سيلا منهمرا من نيران الأسلحة الآلية على جموع المصلين ويحصد أرواح ما لا يقل عن 23 منهم فضلا عن قتل الكاهن ، مؤكدا أن الذعر والغضب ينطلق عندئذ بلا حدود ، بينما  يثير الهجوم وعلى نحو سريع مشاعر وسائل الإعلام في جميع أنحاء العالم .

وتابع :” هذا ما حدث بالضبط في قرية بانسي التي تقع شمال بوركينا فاسو في 16 فبراير الماضي ، والذي استهدف المصلين البروتستانت ، ربما تعرف ما حدث بالكاد ، ولكن الحكم يكون من خلال الصمت الدولي الذي أعقب هذا الحادث .  

وأشار إلى أن التكرار المتزايد لمثل هذه الفظائع في منطقة الساحل بإفريقيا هو أحد التفسيرات الممكنة لتلك اللامبالاة الواضحة .

وذكر الكاتب أحداثا أخرى ، مثلما الحادث الذي وقع  في يناير الماضي ، عندما قتل المسلحون الإسلاميون عشرات القرويين في سيلجاجي الواقعة بإقليم سوم ببوريكنا فاسو ، وهي قرية واقعة شمال العاصمة واجادوجو ، حيث جرى انتقاء الضحايا ، حسبما أفادت التقارير ، استنادا إلى دينهم و علاقاتهم بالحكومة أو انتمائهم العرقي ، قائلا  :” النتيجة واحدة بغض النظر عن السبب ، فهو إرهاب محض “

متشددون إسلاميون قتلوا العشرات بسبب الدين والانتماء العرقي وصلاتهم بحكومة بوركينا فاسو.

 أضف إلى ذلك ما حدث في مالي والنيجر ، فقد ارتفع معدل الوفيات هناك إلى نحو 4 آلاف في 2019  ، أي زيادة تقدر بـخمسة أضعاف منذ عام 2016 ، بينما يحتاج ملايين آخرون إلى المساعدات الغذائية.

ولفت “تيدسال ”  إلى أن ما بدأ في 2012 ، كتمرد “محلي ” و”انفصالي ” بشكل جزئي في شمال مالي انتشر بلا هوادة ، بينما يعتبر الساحل الآن جبهة قتالية جديدة بين المتطرفين الإسلاميين والغرب .

وقال إن الدول الساحلية بمنطقة غرب إفريقيا تخشى “عدوى الإرهاب ” في إشارة إلى انتشار هذه الأحداث بها ، منبها  إلى أن الفروع التي تنتمي إلى  تنظيم الدولة الإسلامية ” داعش ” و القاعدة تقوم باستغلال المناطق التي لا تخضع للسيطرة الحكومية ، والمناطق التي تعاني من الفقر المدقع ، و التوترات الدينية والقبلية والانهيار الذي يتسبب فيه التغير المناخي ، حيث يطغى حضور هذه الجماعات على هذه المناطق على نحو متزايد .

وأشار  إلى أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ، يحاول أن يملأ” فراغ الزعامة ” في منطقة الساحل ، ولكن يبدو أن المعركة خاسرة هناك .

وأوضح أن التهديد الإرهابي الذي استحوذ في بداية أمره على الاهتمام العالمي في أفغانستان 2001 ، والذي “أعيد هيكلته ” في وقت لاحق في العراق وسوريا ، وجد مركز جديدا للعمليات ” في هذه المنطقة الإفريقية ” وبالنظر إلى الأحداث الأخيرة ، فإن من “الخطأ الجسيم ” أن يظن أحد أنه “تهديد بعيد وليس له تأثير في المستقبل على أمن لندن وباريس ونيويورك .

وحذر الكاتب بالقول :” إذا لم تكن معاناة الساحل غير كافية لتحض على التحرك ، فإن حسابات المصلحة الذاتية يجب أن توضع في الاعتبار ” ، مستدركا  :” ومع ذلك يوحي القصور الذاتي النسبي للحكومات الغربية ، ومن بينها بريطانيا ، بأمر آخر ، مؤكدا أن التهديد الذي تتصاعد وتيرته ، يلقى “اعترافا ” على نطاق وساع ، غير أن التحرك المشترك للقتال مازال قاصرا .

وأضاف أن فرنسا ، ذات الماضي الاستعماري و العلاقات الفرانكفونية المستمرة ، حاولت اتخاذ مركز الصدارة في هذا الصدد ، حيث أرسلت 4500 جندي إلى مالي في 2013 و قامت مؤخرا بإضافة تعزيزات جديدة ، بينما التقى الرئيس الفرنسي في يناير الماضي ، زعماء ما يسمى بمجموعة الـ5 دول بالساحل ، وفي نهاية فبراير انعقد مؤتمر قمة لـ”المتابعة ” والذي استضافته موريتانيا   .

وأكد  أن المشكلة تتعلق في جزء منها بالموارد ، والتي تتمثل في الإمكانيات المحدودة ، والدعم اللوجستي و التدريب ، مشيرا إلى أنه تم تأجيل خطة طرحتها مجموعة “الخمسة ” وهي بوركينا فاسو ، وموريتانيا ومالي والنيجر وتشاد ، لتشكيل قوة عسكرية مشتركة قوامها 5000 آلاف جندي ، حيث تم تأجيل هذه الخطة بسبب نقص الأموال والمعدات .

 إيمانويل ماكرون ، يحاول أن يملأ” فراغ الزعامة ” في منطقة الساحل ، ولكن يبدو أن المعركة خاسرة هناك

 ونبه إلى أن دولا إفريقية أخرى أخفقت في التصعيد لمواجهة هذه التهديدات ، فعلى الرغم من أن الاتحاد الإفريقي يزعم أنه “يتغير ” إلا أن الأمم المتحدة تؤكد أن هناك  قوة قوامها 13 ألف جندي من قوات حفظ السلام في مالي كما خصص الاتحاد الأوروبي8 مليار دولار كمعونة تنموية لدول المجموعة الخمس ، غير أن تصاعد الاضطرابات مازال مستمرا .

وأشارإلى أن السودان وتشاد يعانيان من تأثيرات سلبية جراء الحرب الليبية ، فهما يتصفان بـ”الهشاشة ” بشكل خاص ، في حين أن الجهود السودانية للتحول الديمقراطي عقب الثورة التي اندلعت العام الماضي ، لم تأت إلا بمكافأة هزيلة في شكل معونة غربية و تخفيف للعقوبات ،  محذرا  في الوقت نفسه من وقوع انقلاب إسلامي مضاد في الخرطوم إذا استمر هذه الوضع المؤسف  .

ونقل عن وزير الخارجية الفرنسي جان-يافيس لو دريان ، قوله للقمة :” ارتفاع مستوى التعبئة و التنسيق أو ترتيب الأوليات أمر مهم ، والذي أكد  أن الهدف الكلي هو الدمج ما بين الأمن والتنمية . ” ، بينما لم يترك الأطراف الأخرى التي أجرت المباحثات مع لو دريان ظلالا من شك حول حاجتهم الملحة.

” فمنطقة الساحل تستلزم أكثر من أي وقت مضى اهتماما متزايدا ويقوم على التنسيق بين دول المنطقة والمجتمع الدولي لاقتلاع شأفة العنف المتصاعد “، حسب الرئيس الموريتاني محمد غازوني بينما أضاف رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي موسى فقي  :” نحتاج بشكل ملح إلى تحقيق انتصارات ضد الإرهاب “

تنظيمات إرهابية مثل داعش والقاعدة تستغل المناطق التي تعاني الفقر والتوترات الدينية والقبلية 

وقال إن المشكلة سياسية بقدر ما هي عملية ، فبينما انضمت إيطاليا إلى فرنسا بالقمة في تعهداتها  ببذل مزيد من الجهد ، إلا أن المساهمة العسكرية البريطانية تصل إلى الحد الأدنى لها  وألمانيا مثلها .

وأضاف أن تدخلات ماكرون  تثير الجدل ، والتي يعتبرها البعض أنها تذكيرا ، على نحو محزن ، بالحقب الاستعمارية ، بينما يرى منتقدو التوجه الفرنسي أن دعم فرنسا للوضع الراهن من شأنه أن يدعم حكما غير ديمقراطي ومتجاوز وفاسد ،  و أن هذا التوجه  يعتمد بشكل كبير على الديكتاتورية و القوة “الوحشية ” ، فهو من الممكن أن يدعم المتمردين بدلا من إلحاق الهزيمة بهم .

وتابع  :” يجب إضافة موقف إدارة ترامب “غير الواقعي ” إلى هذه المتناقضات ، فالقوات الأمريكية لم تعد مشتركة بشكل مباشر في منطقة الساحل  ، وذلك عقب تكبدها خسائر في النيجر عام 2017 ، غير أن ألف جندي أمريكي تقريبا يوفرون دعما حيويا يشمل النقل و التزود بالوقود جوا و المراقبة بالطائرات المسيرة “بدون طيار “

ترامب لا يبدي اهتماما بإفريقيا وتنصب أولوياته على ايران والمواجهة المحتملة مع الصين 

وحذر من أن هذا الدعم قد يفقد بسبب  خطط التطوير التي يتبناها البنتاجون والتي تضع تصورا لسحب جميع القوات الأمريكية وقوامها 5 آلاف جندي أمريكي يتمركزون في القارة الإفريقية ، فجميع قادة القوات البرية الأمريكيين  يقدرون تماما حجم التهديد الإرهابي بمنطقة الساحل ، لكن بالنسبة لترامب ، الذي لا يبدي أي اهتمام بإفريقيا ، تنصب أولوياته على إيران و المواجهة المستقبلية المحتملة مع الصين .

واختتم الكاتب بأن ترامب لا يهتم كما هو واضح ببوركينا فاسو ، ولكن كي “نكون منصفين ” فإن  النقد نفسه يمكن توجيهه للكثيرين في أوروبا ، كما أن ماكرون يحاول في “الساحل ” وغيره من المناطق أن يملأ  فراغ الزعامة ، ولكن يبدو أنها معركة خاسرة في الوقت الراهن .