ذكرت صحيفة «التايمز» البريطانية، في تقرير نُشر على موقعها الإلكتروني مؤخرًا، أن الإفراج عن سجناء حركة «طالبان» الأفغانية الخمسة من معتقل «جوانتنامو» على ساحل كوبا مقابل جندي أمريكي، في عهد الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، عام 2014، ساعد الرئيس الحالي دونالد ترامب على إنجاز اتفاق السلام الموقع في العاصمة القطرية الدوحة مؤخرًا، رغم رفض «ترامب» الشديد لإتمام الصفقة وقتها.

sss

وأعرب وزير الدفاع الأمريكي السابق تشاك هيجل، آنذاك، عن أمله في أن «يشكل هذا الحدث اختراقًا يمهد لاستئناف عملية السلام في أفغانستان»، غير أن «طالبان» أعلنت من جانبها أن الصفقة هي مجرد خطوة لتبادل السجناء تفتقر إلى أي بعد سياسي!.

التفاوض مع «إرهابيين»

في يونيو 2014، أطلقت حركة «طالبان» الأفغانية سراح رقيب في الجيش أمريكي يُدعى “بوي بيرجدال” Bowe Bergdahl، كان محتجزًا لديها منذ نحو خمس سنوات من أسره عام 2009، وذلك مقابل الإفراج عن المعتقلين الخمسة من قادة الحركة، الذين كانوا محتجزين في معتقل «جوانتانامو» لمدة 13 عامًا دون توجيه اتهامات لهم، وبقاؤهم في قطر لمدة عام.

 

وقع «بيرجدال» أسيرًا في أيدي مسلحي حركة «طالبان»، بعدما ترك قاعدته العسكرية النائية في جنوب شرق أفغانستان دون إعلام أحد، وجرى اقتياده إلى باكستان حيث قُيد بالأصفاد إلى سرير أو حُبس في قفص لفترات طويلة.

اقرأ أيضًا: واشنطن و«طالبان».. القصة الكاملة من الحرب إلى السلام (1- 2)

ودافعت إدارة «أوباما» وقتها بشدة عن صفقة التبادل، خاصة حين تعرض للهجوم من الحزب الجمهوري، بسبب الإفراج عن معتقلي «طالبان».

وقال الرئيس الجمهوري للجنة الاستخبارات في مجلس النواب “مايك روجرز”: «إننا بتفاوضنا بهذه الطريقة نوجه رسالة إلى جميع مجموعات القاعدة في العالم،ـ بعضها يحتجز رهائن أمريكيين ـ، مفادها أن هؤلاء الرهائن باتت لديهم قيمة أكثر من الأول، وهذا أمر خطير، نحن قلقون جدًا إزاء هذا التحول في سياسة الولايات المتحدة التي كانت ترفض التفاوض مع إرهابيين».

 

كان إطلاق سراح رجال «طالبان» الخمسة محل انتقاد رجال الإدارة الأمريكية الحالية، الذين أبرموا اتفاق السلام مع طالبان، ومن بينهم ترامب ومايك بومبيو الذي أصبح الآن وزير خارجيته، وكان آنذاك عضوًا بالكونغرس عن ولاية كانساس.

وقال بومبيو حينها: «لم أرَ أي شيء يجعلني أعتقد أن سلوكهم تهذَّب، أو أنهم لن يعودوا إلى محاولتهم إيذاء أمريكا»، وقال «ترامب» نفسه آنذاك إن «القتلة الخمسة» أُعيدوا مجددًا إلى ساحة المعركة.

 

اقرأ أيضًا: واشنطن و«طالبان».. القصة الكاملة من الحرب إلى السلام (2- 2)

وفي تصويت لمجلس النواب الأمريكي أجري في سبتمبر عام 2014، مرَّر أعضاء جمهوريون مشروع قانون يدين الإدارة لفشلها في إعلام المشرِّعين بعملية التبادل، ويعبر عن «القلق البالغ بشأن المخاطر التي تهدد الأمن القومي المتعلقة بتبادل خمسة من كبار قادة طالبان».

المتحدث باسم البيت الأبيض: تهديد المعتقلين السابقين الخمسة الذين كانوا مسؤولين بارزين في نظام «طالبان» قبل الإطاحة به أواخر 2001، «قد تم إضعافه بشكل كاف»

في المقابل، أكد “جاي كارني”، المتحدث باسم البيت الأبيض، أن تهديد المعتقلين السابقين الخمسة الذين كانوا مسئولين بارزين في نظام «طالبان» قبل الإطاحة به عقب الحملة العسكرية التي قادتها الولايات المتحدة أواخر 2001، «قد تم إضعافه بشكل كاف» وأن الإجراءات التي تم اتخاذها بالاتفاق مع قطر التي كان لها دور الوساطة «تجعلنا نشعر بالثقة بأن التهديد قد انخفض بشكل كبير».

وتابع: «نظرا لتصميم وزير الدفاع وبالتشاور مع فريق الأمن القومي بأكمله، فقد تم تخفيف التهديد المحتمل الذي يمكن أن يشكله المعتقلون العائدون، بشكل سمح لنا بالمضي في إعادة الجندي الأمريكي الأسير إلى الوطن، نحن في هذا البلد لدينا تاريخ من التأكد من عودة أسرانا إلينا، فنحن لا نتركهم وراءنا».

من جانبها، قالت شبكة CNN الإخبارية الأمريكية إن «السجناء الخمسة الذي يتبوؤون مناصب عليا في حركة طالبان، والذين أفرج عنهم مقابل إطلاق سراح الرقيب بيرجدال، ليسوا بذي أهمية قليلة، وقد يشكلون تهديداً مستقبلياً للولايات المتحدة، لكن هؤلاء الرجال لن يتم إطلاقهم ليتحركوا بحرية في المجتمع الأفغاني، إذ أصبحوا بعهدة قطر، التي تتصف بثرائها وفعاليتها وقدرتها في الشرطة، وقد منعوا من السفر لمدة عام، وعلى افتراض بأن حظر السفر هذا سيختتم عامه، فإنه من المرجح أنه وفي وقت رجوعهم لأفغانستان، لن يكون هنالك تواجد للجيش الأمريكي فيها بتوقع انسحاب جميع القوات بحلول ديسمبر لعام 2014، لذا فإن أي تهديد يمكن أن يشكله هؤلاء المعتقلون الخمسة برجوعهم إلى أفغانستان سيعتبر ضئيلاً حينها».

CNN: السجناء الخمسة يتبوؤون مناصب عليا في حركة طالبان وقد يشكلون تهديدًا مستقبليًا للولايات المتحدة

غير أن القوات الأمريكية لم تنسحب بالكامل من أفغانستان حتى هذه اللحظة، ومازالت الآمال معلقة على انسحابها خلال 14 شهرا، وفق اتفاق السلام الموقع مع «طالبان» بالعاصمة القطرية الدوحة في 29 فبراير الماضي.

وقدم اتفاق السلام جدولاً زمنياً لانسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان في مقابل موافقة «طالبان» على خوض محادثات مع الأطراف الأفغانية الأخرى، على الرغم من عدم تحقُّق هذا إلى الآن.

ويتضمن الاتفاق أيضاً اقتراحات لتشارك السلطة مع الحكومة الحالية في كابل.

السجناء في فريق التفاوض

سجناء «طالبان» السابقين هم: محمد فضل، الذي عمل نائبا لوزير دفاع طالبان خلال الحملة العسكرية الأمريكية عام 2011،  ومتهم بارتكاب جرائم حرب محتملة، وسعيد والي، أحد كبار مسؤولي طالبان، وعبد الحق وثيق، الذي كان يشغل منصب نائب وزير الاستخبارات في «طالبان»، وملا نور الله نوري، وكان قائدا عسكريا بارزا في الحركة وحاكم إحدى الولايات، وأخيرا محمد نبي عمري، الذي أدى أدوارا متعددة في قيادة «طالبان» بما فيها مسئول الأمن في الحركة، وعاد بعضهم إلى بلادهم في يونيو 2015، وبقي البعض الآخر في قطر، وشرعوا في تمهيد الطريق لإحلال السلام بين واشنطن والحركة عبر وسطاء قطريين.

اقرأ أيضًا: حروب الاستخبارات الأمريكية «السرية» في أفغانستان وباكستان

وفي 12 فبراير 2019، أعلنت «طالبان» عن فريقها للتفاوض مع الأمريكيين في الدوحة، وظهرت المفاجأة بعد ما كشفت الحركة وقتها عن أسماء فريقها المؤلف من 14 عضوًا، وتبين أن من بينهم السجناء الخمسة السابقين في «جوانتانامو»!.

 

وقال سعيد والي في تصريحات صحفية وقتها: «أثناء وجودنا في جوانتانامو، كان شعورنا هو أننا أُحضرنا إلى هنا ظلمًا وأننا سنحصل على حريتنا، ولم يخطر ببالي قط أنه في يوم ما ستكون هناك مفاوضات معهم، وسأجلس معهم في مكان واحد».

ومع دفع إدارة «ترامب» باتفاق السلام مع «طالبان»، حشدت الحركة الدعم السياسي اللازم للاتفاق، فقد سافر محمد فضل، المعتقل السابق، إلى باكستان مرتين لإقناع أعضاء الحركة المتشككين بمزايا الاتفاق، حسب صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية، وبدأت جهود «فضل» تؤتي ثمارها في أكتوبر من العام الماضي، عندما بدا أن المساعي السرية الرامية لإبرام الاتفاق تواجه الانهيار، وهكذا، ساعد رجال «طالبان» الخمسة الرئيس «ترامب» في إنجاز اتفاق السلام، وقدموا للإدارة الأمريكية الحالية خدمة كبرى ستكون بمثابة رصيد سياسي لـ «ترامب» في الانتخابات المقبلة.

ــــــــــــــــــــــــــ

قادة طالبان المفرج عنهم

  •  
  • محمد فضل: عمل نائبا لوزير دفاع طالبان خلال الحملة العسكرية الأمريكية عام 2011، واتهم بارتكاب جرائم حرب محتملة، تشمل قتل آلاف الشيعة.
  • خير الله خيرخوا: أحد كبار مسؤولي طالبان ووزير داخلية ومحافظ هيرات، ثالثة كبريات المدن الأفغانية، ويقال إنه كان على صلات مباشرة بأسامة بن لادن.
  • عبد الحق وثيق: كان نائب وزير الاستخبارات في طالبان، ويقال إنه لعب دورا مركزيا في تشكيل تحالفات مع الجماعات الجهادية الأخرى للقتال ضد قوات أمريكا والتحالف.
  • ملا نورالله نوري: كان قائدا عسكريا بارزا في طالبان وحاكم إحدى الولايات، واتهم أيضا بالضلوع في أعمال قتل جماعي للشيعة.
  • محمد نبي عمري: أدى أدوارا متعددة في قيادة طالبان بما فيها مسؤول الامن في الحركة. ويقال إنه ضالع في هجمات على قوات أمريكا والتحالف في أفغانستان.