“من محطة حدائق المعادي في مترو الأنفاق بالقاهرة تركب أعداد كبيرة من ذوات البشرة السمراء والشعر المجعد، لن يتمكنوا معظم الوقت من الجلوس على المقاعد المخصصة تاركينها لأصحاب البلدة، لقد ألفوا الوقوف لحين مجيء محطتهم التي لم تأت بعد”.. يعاني  70.8 مليون شخص لاجئ من أوطانهم في جميع أنحاء العالم بسبب الصراع والاضطهاد. ويوجد بين أولئك المشردين ما يقرب من 30 مليون لاجئ، أكثر من نصفهم دون سن الـ18.  ويوجد كذلك ملايين ممن هم بلا جنسية، ويُراد بهم من حرموا من الحصول على الجنسية والحقوق الأساسية كالتعليم والرعاية الصحية والعمل وحرية التنقل، وفقا لما أعلنته الأمم المتحدة في اخر احصائية لها عن عام 2018.

أظهرت إحصائيات صادرة عن المفوضية السامية لشئون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، عن وصول إجمالي عدد طالبي اللجوء واللاجئين المسجلين لديها بمصر إلى 249.709 شخص، موزعةً بين 186.556  شخص طالب لجوء بنسبة 75% من العدد الإجمالي، و63.153 لاجئ. وأضافت الإحصائيات، أن جنسيات هؤلاء الأشخاص تتوزع بين 130.73 سوري الجنسية، بنسبة 52% من إجمالي الجنسيات، و119.338 أشخص من الجنسيات الأخرى بنسبة 48%.

تعمل المفوضية بجزء بسيط فقط من ميزانيتها السنوية البالغة 104.2 مليون دولار لدعم وحماية اللاجئين وطالبي اللجوء في مصر

ورغم إشادة المديرة التنفيذية للمكتب الأوروبى لدعم اللجوء نينا جريجورى، بجهود مصر لاستضافة أعداد كبيرة من اللاجئين من بلدان فى المنطقة وأفريقيا جنوب الصحراء تمر بأزمات ممتدة. واعتبرت مصر من أفضل الدول العربية في التعامل مع ملف اللاجئين، لاسيما في توفير التعليم المجاني والوصول إلى خدمات الرعاية الصحية على قدم المساواة مع المصريين، خاصة انخراط اللاجئين. إلا أن هناك تحذيرات من المفوضية حول أن دعم اللاجئين في مصر، وتعرضه  لضغوط شديدة بسبب ارتفاع أعداد الوافدين وعدم كفاية الموارد، مشيرة في تقرير لها إلى أن النزاعات الجارية في كل من اليمن والدول الأفريقية الواقعة جنوب الصحراء الكبرى، أجبرت عددا أكبر من الناس على الفرار إلى مصر، حيث تعمل المفوضية بجزء بسيط فقط من ميزانيتها السنوية البالغة 104.2 مليون دولار أمريكي لدعم وحماية اللاجئين وطالبي اللجوء في مصر.

مشهد ضرب الطالب السوداني  “جون منوت شولي” أواخر العام الماضي من قبل صبية مصريين، لم يكن الأول من نوعه، فبحسب روايته “بنتضرب ونتشتم ياما وبنسكت عشان إحنا ضيوف مش أهل البلد” ورغم ردة الفعل الرسمية وغير الرسمية على الواقعة واستضافته في مؤتمر الشباب الأخير لإيصال رسالة للعالم أن مصر تحترم حقوق اللاجئين وضد العنصرية والتنمرهل سيخفف الموقف من معاناة اللاجئين؟

برامج اللاجئين الحالية في مصر والهادفة لمساعدة وحماية ربع مليون لاجئ، أكثر من نصفهم من السوريين

في الوقت نفسه، فإن برامج اللاجئين الحالية في مصر والهادفة لمساعدة وحماية ربع مليون لاجئ، أكثر من نصفهم من السوريين إضافة إلى آخرين من السودان وإثيوبيا وإريتريا وجنوب السودان واليمن، لا تحصل سوى على 4% من التمويل المطلوب لها. وتتسبب الزيادة الكبيرة في أعداد اللاجئين، مقترنة بنقص التمويل، في ترك العديد من اللاجئين بدون الدعم والحماية الحيوية لهم.  حيث قال فيليبو غراندي، مفوض الأمم المتحدة السامي لشؤون اللاجئين: “أشعر بقلق عميق إزاء حقيقة أن8 من أصل 10 لاجئين في مصر يعيشون في أوضاع إنسانية بائسة، ولا يمكنهم تلبية حتى أبسط احتياجاتهم. ويعتبر الحصول على لقمة العيش تحديا يوميا لهم. يحتاج هؤلاء اللاجئون إلى مساعدة إنسانية كافية وفي الوقت المناسب. ولكن مع ذلك، فنحن عاجزون الآن عن تزويدهم بالاحتياجات الضرورية أو المحافظة على برامجنا الأساسية لحماية اللاجئين في هذا البلد.”

 

“يكافحون من أجل توفير الطعام لأسرهم، وإرسال أطفالهم إلى المدرسة والحفاظ على مساكنهم. ويجد الكثيرون أنفسهم غارقين في الديون وعالقين في الفقر، مضطرين بذلك لاتباع آليات تكيف يائسة من أجل البقاء، كعمالة الأطفال والزواج المبكر، أو اللجوء إلى الشارع” تلك هي أحوال اللاجئين وفقا للمفوضية مما دفعها لاطلاق تحذيراتها من أن أنشطة الحماية الأساسية الموجهة للاجئين وطالبي اللجوء في مصر – بما في ذلك تسجيل اللاجئين وعمليات تحديد أوضاعهم، والحد من العنف الجنسي والقائم على نوع الجنس، وبرامج الاستجابة والمساعدة القانونية وأنشطة حماية الطفل- ستكون عرضة للخطر، معربة عن قلقها إزاء قدرتها على مواصلة برامج الحماية للأطفال اللاجئين، وخاصة الأطفال المنفصلين عن أسرهم، حيث أن 40% من اللاجئين في مصر هم من الأطفال، ووصل العديد منهم غير مرافقين ولا يزالون منفصلين عن عائلاتهم.

الأمم المتحدة في 2019:  زيادة عدد اللاجئين وطالبي اللجوء المسجلين في مصر بنسبة 24% عن العامين الماضيين 

 

الزواج والتجارة السورية في مصر

مابين تضارب وضعهم على أرض الواقع والتصريحات الرسمية والتقارير الدولية، هل تتقبل ثقافة الشعب المصري وجود اللاجئين والتجانس معهم خاصة لو كان يجمعنا مشتركات وثقافات عربية وافريقية؟ بحسب احصائية للمجلس القومي للمرأة في بداية نزوح السوريين فهناك 12 ألف حالة زواج تمت بين لاجئات سوريات ومصريين خلال عام واحد في 2013، ورغم ذلك قدم المحامي سمير صبري بلاغا للنائب العام يطالبه باتخاذ الإجراءات القانونية للكشف عن مصادر أموال السوريين الوافدين، معتبرا أنهم “غزوا المناطق التجارية في أنحاء مصر، واشتروا وأجروا المتاجر بأسعار باهظة، واشتروا الشقق والفيلات، وحولوا بعض ضواحي العاصمة المصرية إلى مدن سورية، وأبدى صدمته مما وصفه بالنمط السائد للعلاقات الاستهلاكية المبالغ بها والترف المفرط لكثير من هؤلاء السوريين قاطني هذه المناطق”. الأمر الذي قابله حملة عبر وسائل التواصل الاجتماعي تحت هاشتاج #السوريين_منورين_مصر” لدعم أهل الشام. وتشير الأرقام الصادرة من الأمم المتحدة إلى أن إجمالي الأموال التي استثمرها السوريون في مصر منذ اندلاع الأزمة في بلدهم عام 2011 يقدر بنحو 800 مليون دولار، من خلال 30 ألف مستثمر مسجل بالفعل لدى الحكومة المصرية.

 

العنصرية ضد اللاجئين “سُمّ” في أوروبا

من حدائق القبة في القاهرة محل واقعة ضرب الطالب السوداني إلى ولاية بادن فورتمبيرج جنوب غربي ألمانيا، شهدت مقتل  9 أشخاص معظمهم من المسلمين الأتراك والأكراد بألمانيا في فبراير، وبحسب رسالة للقاتل، أكد فيها ضرورة “تدمير أشخاص محددين لم يعد بالإمكان طردهم من ألمانيا” وعدّد في رسالته مواطني 20 دولة عربية، في الوقت الذي وصفت فيه المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل  العنصرية بأنها “سم داخل مجتمعنا للأسف” في إشارة إلى الأفكار المعادية والعنصرية تجاه الأجانب. في السياق ذاته أكد الرئيس الألماني فرنك فالتر شتاينماير من جهته إنه يقف إلى جانب كل من يشعر بالتهديد العنصري، مضيفاً أنه “على قناعة بأن معظم الألمان يدينون أعمالاً كهذه، وكل أوجه العنصرية والكراهية والعنف”. فيما كتب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في حسابه على “تويتر” أنه “ماحدث محزن جدا، وأقف إلى جانب المستشارة ميركل في هذا الصراع ضد القيم وحماية الديمقراطية”

تقارير دولية: زيادة حدة معادة طالبي اللجوء

ورغم رد الفعل الرسمي تجاه الواقعة وتضامنهم مع حقوق اللاجئين والمهاجرين، إلا أن تقرير سابق  لشبكة المنظمات الاجتماعية الأوروبية -غير الحكومية- أظهرزيادة حدة نبرة معاداة طالبي اللجوء والمهاجرين، وانتشار الجماعات والأحزاب الشعبوية واليمينية المتطرفة أفكارها بشكل واسع، خصوصا عبر وسائل التواصل الاجتماعي. مشيرا إلى أن حركة “بيغيدا” المعادية للأجانب والمهاجرين في ألمانيا قد ساهمت بنشر سمومها في خلق أجواء متوترة ومنحت الفرصة للجماعات اليمنية المتطرفة لارتكاب اعتداءات على خلفية معاداة الأجانب، رغم عدم وجود أدلة على تورطها بنفسها في تلك الاعتداءات.

المظاهرات والاحتجاجات تكشف قوة تأثير الجماعات اليمينية المتطرفة فيما يخص نشر تصوراتها المعادية للإسلام

موضحا أن المظاهرات والاحتجاجات تكشف قوة تأثير الجماعات اليمينية المتطرفة فيما يخص نشر تصوراتها المعادية للإسلام وطالبي اللجوء والمهاجرين في أوروبا. ووثق التقرير تصريحات لسياسيين منتخبين من دول مثل رومانيا وسلوفينيا والمجر تحمل الكثير من العداء للأجانب. أما الخطابات النارية المعادية خصوصا للمهاجرين المسلمين فلها مواطن كثيرة في دول الاتحاد الأوروبي. ففي بولونيا وكرواتيا حصلت الأحزاب التي تحمل أفكارا عنصرية أكثر من 30% من أصوات الناخبين. وكانت هذه النسب بحدود 20% في كل من النمسا والدنمارك والمجر. فيما لا تجد هذه الظاهرة انتشارا واسعا في إسبانيا مثلا.

 

السياسات المعادية للهجرة واللجوء، أجبرت طالبي اللجوء والمهاجرين في أغلب الأحوال على العمل في الاقتصاد غير الرسمي، حيث يمكن أن يصبحوا بسهولة ضحية للاستغلال، فضلا عن اتساع الفجوة في التوظيف بين المهاجرين وأبناء البلاد. ويكشف التقرير أن الموظفين من أصول معينة وبخاصة من أصول إفريقية أو شرق أوروبية في العديد من دول أوروبا يحصلون على أجر أقل مما يحصل عليه الموظفون من أبناء البلاد في نفس الوظائف، بالإضافة إلى انتهاكات صارخة مثل إساءة معاملتهم على طول ممر البلقان الغربي، والاعتقال التعسفي، ويمثل المهاجرون المسلمون الذين يتم ربطهم غالبا بالإرهاب والمهاجرين الأفارقة والغجر (في شرق أوروبا) الذين يتم ربطهم بالهجرة غير المشروعة الفئات الأشد تضررا من النظرة السلبية للمهاجرين في أوروبا.