التوقعات والتقديرات الرسمية تحذر من عواقب اقتصادية طاحنة، لفيروس كورونا المستجد، ولعل أبرزها الان، وما نعيشه من وقف عجلة الانتاج لتقليص التجمعات ، أمر لا تسيطع دول تحمله، ما أسفر عن انقسام ما بين مؤيد لعودة العمل فى ظل الجائحة وأخر اتعبرها مغامرة وأشبه بالانتحار.

sss

مع بداية انتشار كورونا بمصر، اتخذت الحكومة حزمة إجراءات احترازية لمنع تفشي الفيروس، وعملت الجهات المعنية على تقليص عدد الموظفين بالجهاز الإداري لنفس السبب، فيما بادر القطاع الخاص في تقليل عدد الحضور من الموظفين لمنع الاختلاط والزحام، ولكن يظل السؤال قائما ما هي البدائل التي تضمن سير عجلة الإنتاج دون توقف والحفاظ على سلامة المواطنين؟!.

رجال الأعمال

في الأونة الأخيرة، اشتعل صراع العقل والعاطفة بين جمهور السوشيال ميديا حول التصريحات الأخيرة لرجال الأعمال إزاء العودة للنشاط والعمل لأجل استمرارعجلة الإنتاج مع تفشي فيروس كورونا، حجج أصحاب الفكر الرأسمالي فيما لهم به علم حول أهمية الاقتصاد وتوفير الاحتياجات الأساسية بديلا عن الركود والكساد ، بينما انتقد أخرون هذه الممارسات وما تمثله من رأسمالية بحتة بعيدة عن الجوانب الإنسانية.

آخر التصريحات التي أثارت الجدل في مصر، كانت من نصيب رجل الأعمال حسين صبور، رئيس مجلس إدارة نادي الصيد السابق، الذي طالب في تصريحات صحفية، بضرورة عودة العمال والموظفين لعملهم رغم تفشي فيروس كورونا، قائلاً: “لو استمر التوقف الإفلاس ينتظر البلد، كل حد له طاقة استحمال، نحن دولة ضعيفة طاقتنا انتهت ولا بدّ من العودة للعمل”.

بينما أعلن المهندس ورجل الأعمال، نجيب ساويرس، والذي أثار الجدل يتصريحاته حول ضرورة العودة إلى العمل،إنه لم يلجأ إلى قرار تخفيض الرواتي أو تسريح بعض العمالة في شركاته، رغم التأثر الكبير بأزمة كورونا الإجراءات التي تلتها، موضحًا أن ضخ الأموال لإنعاش الحركة الاقتصادية دون عودتها إلى العمل أمر غير مجدي، مضيفًا: “لو ما فيش ناس تشغل الفلوس اللي بتضخ وترجع عجلة العمل هيرجع ازاي لوحده”، بحسب “سكاي نيوز بالعربية”.

 اقرأ ايضًا: “ضريبة الثروة” ترعب الأثرياء.. هل تصلُح في مصر ؟

خرجت بعض الدعوات لمنع تسريح العمالة والتشديد على حقوق العمالين في ظل أزمة كورونا، ودعت الجمعية المصرية لشباب الأعمال، كافة منظمات الأعمال والمستثمرين إلى التوقيع على ميثاق شرف،يستهدف الحفاظ على حقوق العمالة خلال فترة أزمة كورونا،والالتزام بسداد أجورهم ومرتباتهم، فى الوقت الراهن، بالإضافة إلى الدور التوعوى الصحى للعاملين بشركات الأعضاء.

قال الدكتور شريف الدمرداش، الخبير الاقتصادي، إن تداعيات كورونا على الاقتصاد العالمي “كارثية”، و الذي يعتبر الاقتصاد المصرى جزءا منه، ومع عدم وصول لعلاج فعال للقضاء على هذا الفيروس، لابد من التوازن بين الحفاظ على صحة المواطنين والعمل على تحريك عجلة الإنتاج،و ذلك لضمان توفير السلع و الخدمات التي يحتاجها السوق في الفترة المقبلة”.

وأضاف : أن من ضمن الاقتراحات لمواجهة الأزمة التي لابد من مناقشتها بين رجال الأعمال والدولة بشكل فعال هو عدم التفريط في العمالة بأي شكل، وهو ما يتطلب دعم حكومي، موضحًا أن بعض الشركات الخاصة عملت على تخفيض أجور العاملين، خاصة وأننا سنواجه زيادة فى العمالة الفترة المقبلة مع توقعات بدخولنا فترة ركود اقتصادي، وبالتالى فإن الانتاج سيقل ومن ثم ستضطر مصانع لخفض العمالة، ولكن إذا تم خفض الأجور فلن تلجأ إلى تسريح عمالة”.

وأردف :”كما لابد من إعفاء العاملين بالقطاع الخاص، على وجه التحديد، من ضرائب الدخل ورسوم التأمينات الاجتماعية لتخفيف اعباء الظروف الراهنة عليهم”.

“التحول الرقمي الحل”، هكذا يري سعيد الفقي، خبير أسواق المال، والذي يؤكد أن أزمة انتشار فيروس كورونا في جميع انحاء العالم أقرت بأن التحول الرقمي هو نافذة الاقتصاد الآمن في العالم، موضحًا أن آليات “التحول الرقمي” الذي أقرها البنك المركزي من قبل تعتبر الطريق الوحيد المتاح لمرور الاقتصاد المصري من هذه المحنة العالمية”.

وتابع:”منذ بداية أزمة كورونا اتجهت كافة المؤسسات الصناعية والمالية، وجزء من القطاع الخاص، الذي يمثل نسبة 80% من إجمال العمالة بالبلاد، للحفاظ على رأس المال البشري من خلال تطبيق سياسة “العمل من المنزل”، وهو حل لجئت له الكثير من دول العالم، ويبقي الحل الأكثر امانًا .

واستطرد خبير أسواق المال، أن دعوات رجال الأعمال باستمرار عجلة الانتاج لابد من وضعها في نصابها الصحيح، مع العلم بأن الدولة لديها التزامات في مجال التصدير، وعقود مبرمة، هو ما يتوجب تشغيل الشركات التي تم توقيفها مع الالتزام بكافة الاجراءات الاحترازية والمسافات بين الموظفين وبعضهم البعض، مشددًا على ضرورة إعادة تشغيل المصانع والشركات مرة أخرى دون توقف لعجلة الإنتاج لدعم الاقتصاد الوطني اولا واخيرًا”.

 اقرأ ايضًا: ” التبرع” لمواجهة حرب كورونا.. جدل المسئولية المجتمعية والتعارض الدستوري

آراء

على جانب آخر، أثارت قضية “العودة للعمل” في ظل أزمة كورونا القائمة، الكثير من المناقشات والجدل محليًا وعالميًا، فمن جهة يطالب رجال أعمال- من وجهة نظر اقتصادية بحتة- ضرورة تشغيل عجلة الانتاج ومن جهة آخري تعلو بعض الآراء بشعار “الانسانية فوق العمل”، ولكن على الهامش يبقي المجازفة بصحة المواطنين وأوضاعهم المعيشية أمر واجب الحديث عنه .

وفي السياق، تطرق الكاتب عمرو الشوبكي، عبر صفحته الرسمية على الـ”فيسبوك” لهذا الأمر، قائًلا:”أضعنا فرص حقيقية لنقاش عام جاد حول قضايا كثيرة حتى وصلنا للقضية الصحية الأولي مصريا وعالميا وهي مواجهة فيروس كورونا، ولعل قضية العودة للعمل التي طرحها كثير من رجال الأعمال كان يجب أن تكون محل نقاش حقيقي في وسائل الإعلام بدلا من الكلام الفارغ وبرامج التجهيل المنتشرة”.

وتابع في منشوره، “إن نقطة الانطلاق يجب أن تكون أولا صحة الناس والوقاية من الفيروس وعلى ضوء إجراءات الوقاية ومؤشرات الاختبارات يتم البدء في اتخاذ الاجراءات الاقتصادية لا أن يتحول الأمر وكأنه خناقة بين الدولة ورجال الأعمال، مضيفًا أن هناك نقاش عالمي في دول متقدمة حول قضية العودة للعمل وترامب ومن معة أحد رموز هذا الاتجاه، حيث قدموا رؤية علمية دعمتها منظومة صحة قوية جعلت انقاذ الناس هي المهمة الأولي للعالم لأن بدونها لن يكون هناك رجال أعمال يربحون أو يخسرون ولن تكون هناك طاقة عمل قصوي أو صغري”.

وفي مقال بعنوان ” المعادلة الصعبة فى وقت كورونا”، يقول الكاتب عبدالله السناوي، بصحيفة “الشروق”،”لا الاستخفاف بحياة المواطنين على أى نحو مقبولا ولا تعطيل حركة الاقتصاد لفترات مفتوحة ممكنا،لا توجد إجابة سهلة على تلك المعادلة الصعبة، لا فى مصر ولا بأى مكان فى العالم”.

ويضيف “السناوي”، ما بين التعطيل الإجبارى للاقتصاد وعودة عافيته هناك فئات اجتماعية فقيرة ومهمشة تدهس حياتها بالكامل وتحتاج إلى مساندة حقيقية من الدولة، متابعًا” العودة إلى العمل فى الظروف الحالية تناقض صارخ مع نداءات «خليك فى البيت» وتقويض لاستراتيجية منظمة الصحة العالمية لحصار الوباء ومنع تفشيه”.

واختتم” قد تكون هناك ضرورات لتحريك بعض أوجه النشاط الاقتصادى، لكنه لا يصح أن يتم بعشوائية، أو تحت ضغط صراخ بعض رجال الأعمال خشية الانتقاص من ثرواتهم المليارية”.

وأكد محمد وهب الله، عضو لجنة القوى العاملة بالبرلمان والأمين العام لاتحاد عمال مصر ورئيس نقابة العاملين بالتجارة،أن “هناك ضرورة قصوي للالتزام بقرار الحكومة بشأن تخفيض أعداد العاملين فى القطاع الحكومي والخاص، مشددًا على ضرورة قيام أصحاب الأعمال بمسئوليتهم المجتمعية من أجل مواجهة تلك الأزمة”

وقال”وهب الله” لـ مصر 360، إن هناك قطاعات من الصعب أن تتعافى في الوقت الحالى كقطاع الطيران والسياحة ولكن يمكن مع الحوافز المقدمة من جانب الدولة الحفاظ على العمالة، لذلك على المواطن أن يتعاون مع الدولة لعبور تلك المرحلة الصعبة”.

ووفقًا، لمنظمة العمل الدولية، من المتوقع أن يخسر سوق العمل ما بين 5 إلى  25 مليون عامل حول العالم، فضلاً عن التأثير الكبير على قطاع المشروعات المتوسطة ،الصغيرة، متناهية الصغروالذي يلجأ إليها العالم كجزء رئيسي من التنمية الاقتصادية.