أصدرت المحكمة العليا بمدينة «دريسدن» الألمانية، أمس الثلاثاء، أحكامًا بالسجن لمدد تراوحت بين عامين وثلاثة أشهر، إلى خمسة أعوام ونصف العام، في محاكمة خلية يمينية متطرفة من «النازيين الجدد» معروفة باسم «ثورة كيمنيتس»، وذلك بتهمة الانضمام إلى «جماعة إرهابية».

sss

 

الحكم هو الأول من نوعه في تاريخ ألمانيا الحديث، الذي يصدر على متهمين في قضية خطيرة هي «التخطيط لقلب نظام الحكم»، والإطاحة بالنظام الديمقراطي، وإسقاط حكومة المستشارة الألمانية أجيلا ميركل بـ «القوة»، وهي التُهم التي كانت حتى عهد قريب قاصرة على دول العالم الثالث فقط!

كما وجهت المحكمة لأعضاء الخلية الإرهابية اتهامات بالتخطيط للقيام بأعمال عنف واسعة النطاق، في ذكرى الوحدة الألمانية، فضلًا عن ارتكاب أعمال إرهاب ضد المهاجرين والسياسيين المنفتحين على قضايا الهجرة، والصحفيين، وفاعلين آخرين في المجتمع الألماني.

ألمانيا.. ليست دولة؟

قبل أيام من الحكم على خلية «ثورة كيمنيتس»، قررت وزارة الداخلية الألمانية، للمرة الأولى، حظر جمعية تابعة للجماعات النازية المعروفة باسم «مواطنو الرايخ»، الاسم الرسمي لألمانيا قبل نهاية الحرب العالمية الثانية. وتضم هذه الجماعة التي تطلق على نفسها الألمانية «مديرو أنفسهم»، أفرادًا لا يعترفون بشرعية الجمهورية الألمانية التي قامت بعد الحرب العالمية الثانية. ويدعي هؤلاء أن «جمهورية ألمانيا الاتحادية ليست دولة في الواقع، بل هي شركة»، ولا يعترفون بقوانينها ولا سلطاتها، كما أنهم يقاومون الإجراءات التي تتخذها الدولة من هذه مقاومة عنيفة. وحسب تقديرات الاستخبارات الداخلية الألمانية، فإن عدد أفراد هذه الجماعات يبلغ نحو 19 ألف شخص على مستوى ألمانيا كما يُصَنَّف أفرادها بأنهم «مسلحون».

حظر جمعية تابعة للجماعات النازية المعروفة باسم «مواطنو الرايخ»، الاسم الرسمي لألمانيا قبل نهاية الحرب العالمية الثانية

هذه الأحداث تؤكد مدى خطورة جماعات «النازيين الجدد»، ليس في ألمانيا فحسب، بل في أوروبا بشكل عام، وهي مؤشر على تحوّل هذه الجماعات من إيذاء الأجانب إلى جماعات إرهابية تسعى لقلب الأنظمة بقوة السلاح، وزعزعة الاستقرار بأعمال العنف والاغتيالات السياسية، إلى حد أن بعض المراقبين يرون أن «النازيين الجدد» هم وحش الإرهاب القادم في أوروبا.

وفي 24 فبراير الماضي، ذكرى مرور 75 عامًا على عملية تحرير أوروبا من أدولف هتلر، تجمّع ما يقدر بحوالي 600 من «النازيين الجدد» من جميع أنحاء أوروبا في حديقة العاصمة المجرية «بودابست» للحداد، فيما أسموه «يوم الشرف» إحياء لمحاولة كسر الحصار التي قامت بها القوات النازية المُحاصرة عام 1945، متشحين السواد وحاملين أعلامًا تعبر عن حراكهم، ووضعوا أكاليل لتكريم النازيين وحلفائهم.

تم الترويج لـ «يوم الشرف» من قبل المتطرفين النازيين في أوروبا فقط، لكن شعبيته المستمرة أثارت مخاوف من أنّ «الرسالة اليمينية المتطرفة» تتسرب ببطء داخل الاتجاه العام في القارة برمتها.

أصحاب «الرؤوس الحليقة»

شهد العالم ظهور جماعات «النازيين الجدد» من حليقي الرؤوس خلال عقد التسعينيات من القرن الماضي، في ألمانيا وبعض دول أوروبا الشرقية، ثم بدأت التيارات السياسية اليمينية المؤيدة بقوة للأفكار «النازية»، تحقق الكثير من المكاسب لها على صعيد القارة الأوروبية، فتلقت هذه الجماعات مزيدا من الزخم والدعم المجتمعي، خاصة بعد وقوع أحداث 11 سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة، وبروز جماعات الإسلام السياسي كخصم أيديولوجي وعدو حضاري جديد، بالنسبة لليمين المتطرف في أوروبا بشكل عام.

 

حقق «الحزب الوطني الديموقراطي الألماني»، وهو بمثابة الذراع السياسي لـ «النازيين الجدد» في البلاد، تقدما ملحوظا بين عامي 2006 و2008 على صعيد الانتخابات، علما بأن الحزب يتميز بأعلامه وشعاراته القريبة إلى النازية، وهو يحقق نتائج جيدة خلال الأعوام الأخيرة في بعض المقاطعات الألمانية. كما تمثّل الأحزاب المماثلة في المجر والنمسا وإيطاليا حالة أكثر ارتباطًا بالفكر «النازي» العنصري، خصوصًا بعد اندلاع أزمة المهاجرين عام 2015.

وفي يونيو من العام الماضي، أطلق أحد نشطاء «النازيين الجدد» الرصاص على فالتر لوبكة، السياسي المحلي بولاية هيسن، بسبب مواقفه الداعمة للاجئين، في سابقة لم تحدث منذ عقود. وفي العام نفسه، أوقفت السلطات الألمانية رجلًا أرسل 200 خطاب تهدد بأعمال عنف وتفجيرات إلى مؤسسات حكومية وشخصيات سياسية عامة في ألمانيا، موقعة باسم «الاشتراكيين القوميين»، وهي أيديولوجية النظام النازي بقيادة أدولف هتلر. كما أعلنت الشرطة الألمانية أن حركة نازية متطرفة تسمى «صليب الشمال» أعدت قوائم اغتيالات سياسية في كل أنحاء ألمانيا ضمت 25 ألف شخص.

 

يحذر الكاتب أميل أمين من أن «المتطرفين من «النازيين الجدد»، يوشكون أن يغيروا من شكل الخريطة السياسية للبلاد، بمطالبتهم بإسقاط النظام الألماني الحالي، الذي يصفونه بأنه «فاشل». وفي ضوء هذا، ثمة من يتخوف من عودة ألمانيا التي عرفت جيداً كلفة التطرف النازي من قبل إلى إعادة سيرتها الأولى. وبحسب عدد من المحللين السياسيين، تمثل مواجهة «النازيين الجدد» اختبارًا لسلطة الدولة، التي باتت الديمقراطية فيها في محنة هي الأولى من نوعها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى الآن».

جاذبية «النازية» الخاصة

في كتاب بعنوان «تصفية حسابات» صدر عام 1994، يسرد امنجوها سيلباخ، أحد زعماء النازية الجديدة سابقا، تجربته التي أصبحت محور جذب للشباب الألماني والأوروبي من كل صوب، حيث تسلق «هاسيلباج» سلم منظمات النازية الجديدة بقناعة واستمرارية ليصل في سن 26 عاما إلى منصب زعيم حركة نازية في ألمانيا الشرقية تُعرف باسم «البديل الألماني»، ثم أسس حزبا باسم «البديل الوطني».

ويحكي «هاسيلباج» في كتابه كيف استطاع الوصول إلى عقول وقلوب الشباب، لأن المدارس لا تتحدث مع الصغار عن النازية بشكل مستفيض، فلا توضح حقيقة هذه الحركة المتطرفة من جذورها، وهو ما يعطي النازيين الفرصة والمساحة الزمنية لكي يجذبوا الصغار إلى الجوانب الإيجابية التي يشملها نظام «الرايخ الثالث» من دون الإشارة إلى جوانبه السلبية المدمرة، مؤكدًا أن «النازية كعقيدة وفكرة أصبحت ذات جاذبية خاصة بالنسبة للشباب».

وفي دولة مثل إيطاليا لا يثير 2500 عنصر من «الفاشيين الجدد» حلفاء «النازيين» قلق السلطات هناك، بقدر ما يقلقهم التعاطف الذي تبديه جموع الشباب الآخرين نحو هذه العناصر، والذي يبرز بشدة في الأحياء الفقيرة وفي ملاعب كرة القدم، حيث تشتد روح العداء للأجانب والحقد العنصري ضد المهاجرين في الدول الأوروبية عامة.

ويرى الخبير العسكري اللواء ركن حسين سويلم أن «ظاهرة النازيين الجدد إنما تعكس طابعا اقتصاديا اجتماعيا، قبل أن يكون لها هذا الطابع السياسي. والصلة بين أصحاب هذا التوجه اليميني المتطرف وأنصاره ليست بيولوجية، وإنما ثقافية، فالنازي الجديد او صاحب الرأس الحليق هو كل من يترادف مع القيم التي ينادي بها نظام هذه الجماعة.. اما جميع الخارجين عليها فهم اعداء, والاعتقاد السائد في المجتمع الاوروبي انه إذا لم يستطيع الباحثون والخبراء والسياسيون وقوات الامن القضاء على اسباب هذه الظاهرة ومنعها, فإنه من المحتمل ان تكتسب ثقافة العنف للنازيين الجدد العديد من الانصار والاتباع».

ـــــــــــــــــــــ

المصادر:

– خططت لـ «زعزعة» الدولة.. أحكام بالسجن على خلية نازية ألمانية.

– لأول مرة.. ألمانيا تحظر جماعة تنتمي لـ «النازيين الجدد».

– ألمانيا: حظر جماعة «الشعوب والقبائل الألمانية المتحدة» اليمينة المتطرفة.

– النازيون الجدد في أوروبا.

– اليمين الألماني المتطرف خطر متصاعد.

– النازيون الجدد يعودون بقوة ويزحفون على أوروبا.

– النازيون الجدد من سائر أنحاء أوروبا يتجمعون في بودابست.