مع دخول عدد من القوى الخارجية لتحقيق أهدافها الأيديولوجية والاقتصادية، تحول النزاع الليبي إلى ساحة صراع نفوذ إقليمي ودولي وحرب بالوكالة. ففي طرابلس، حكومة السراج المدعومة من قبل الأمم المتحدة، والولايات المتحدة، وتركيا، وقطر، وإيطاليا. وفي طبرق، يحظى خليفة حفتر قائد الجيش الوطني بدعم مصر، والإمارات العربية المتحدة، وروسيا، والمملكة العربية السعودية، وفرنسا.

sss

وبالرغم من لقاء قادة العالم في برلين الشهر الماضي لوضع خطة للسلام في ليبيا، إلا أنه منذ ذلك الحين تجاهل الجانبان في الحرب الأهلية المناشدات الدولية والأسبوع الماضي مرر مجلس الأمن بالأمم المتحدة قانونا ينادي بتطبيق حظر وصول الأسلحة ووقف إطلاق النار. 

وبعد لقاء لوزراء الخارجية في مؤتمر ميونخ للأمن لمحاولة الوصول لتطبيق حظر وصول الأسلحة للأطراف المتصارعة في ليبيا، انتقدت نائب المبعوث الخاص للأمم المتحدة ستيفاني ويليامز انتهاك قرار مجلس الأمن لحظر الأسلحة بقولها أن “حظر الأسلحة قد أصبح مزحة”. وكان حظر الأسلحة فرضته الأمم المتحدة لأول مرة في 2011 ومنذ ذلك الحين وهو يتعرض لخروقات.

“حظر الأسلحة قد أصبح مزحة”- ستيفاني ويليامز نائب المبعوث الخاص للأمم المتحدة

كما أكد غسان سلامة المبعوث الخاص للأمين عام الأمم المتحدة أن كلا الجانبين انتهك حظر الأسلحة حيث قال: “لدينا أدلة جديدة على وجود عتاد بل ومقاتلين جدد -ليسوا بليبيين- يلتحقون بالمعسكرين”.

“لدينا أدلة جديدة على وجود عتاد بل ومقاتلين جدد -ليسوا بليبيين- يلتحقون بالمعسكرين”- غسان سلامة المبعوث الخاص لأمين عام الأمم المتحدة

الموقف الأوروبي

كان لغياب موقف أوروبي قوي وموحد، والخلافات التي كانت قائمة بين دول الاتحاد الأوروبي، خاصة فرنسا وإيطاليا؛ إضافة إلى خلافات إعادة توزيع المهاجرين، وتخبط سياسة الولايات المتحدة، أن أصبح هناك فراغا عمليا شغلته تركيا وروسيا في المشهد. والذي كان أحد مظاهره طرح مسار دبلوماسي تحت رعايتهما بعيدا عن مسار القوى الغربية، حيث أطلق بوتين ونظيره التركي رجب طيب أردوغان مبادرة لإقرار هدنة، وذهب حفتر والسراج إلى موسكو لأجل إجراء محادثات غير مباشرة، إلا أن حفتر غادر روسيا دون توقيع اتفاق وقف إطلاق نار دائم.

“لقد توافقنا جميعا على إنشاء مهمة تقوم بمنع تدفق الأسلحة إلى ليبيا”- وزير الخارجية الإيطالي لويجي دي مايو

وفي الإثنين، 17 فبراير، اتفق وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي على قرار جاء بعد أسابيع من المفاوضات وتحذيرات من الممثل السامي للاتحاد للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية للاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، بأن الكتلة الأوروبية تخاطر بألا تكون مؤثرة إن لم تقوم بفعل، فيما يمكن أن يترك مصير ليبيا إلى تركيا وروسيا. حيث وافق الاتحاد الأوروبي على مهمة عسكرية جديد في المتوسط قبالة ليبيا بعد رفع النمسا الفيتو الخاص بها.

وقال وزير الخارجية الإيطالي لويجي دي مايو للمراسلين في أعقاب اجتماع بروكسل: “لقد توافقنا جميعا على إنشاء مهمة تقوم بمنع تدفق الأسلحة إلى ليبيا”.

وكانت المهمة العملية صوفيا الأوروبية لمراقبة حظر الأسلحة تلقى معارضة من النمسا، حيث قال مستشار الحكومة النمساوية سيباستيان كورتز إن المهمة قد شجعت مهربي البشر والمهاجرين غير الشرعيين، وذلك لوجود فرصة لإنقاذهم من قبل سفن الاتحاد الأوروبي والذهاب إلى أوروبا. 

وهذا بالرغم من هبوط أعداد المهاجرين الواصلين إلى أوروبا بنسبة 90% عن ذروتها في 2015. وكان القادة الأوروبيون اتفقوا في قمة عقدت في بروكسل 29 فبراير 2018 على منح مزيد من التمويل لدول مثل تركيا والمغرب للمساعدة في الحد من الهجرة إلى أوروبا، وإنشاء مراكز لفحص طلبات اللجوء في دول مثل الجزائر، ومصر، وليبيا، والمغرب، والنيجر وتونس.

خليفة حفتر

من يدعم حفتر؟ 

ويتلقى حفتر دعما بالتمويل والأسلحة من الإمارات، كما أمدته موسكو بمرتزقة عن طريق شركة واغنر، المفروض عليها عقوبات أمريكية، كما قامت روسيا بطباعة ما يساوي مليارات الدولارات من العملة المحلية لتمويل حكومة حفتر.

وتريد روسيا إنشاء قاعدة عسكرية في برقة فيما يرى محللون أن من شأنه التأثير على المعادلة الاستراتيجية مع الاتحاد الأوروبي في جنوب المتوسط.

 أما فرنسا، فمن المتداول على نطاق واسع أنها قامت بإمداد حفتر بالمساعدة العسكرية؛ حيث وجدت صواريخ فرنسية في قاعدة للجيش الوطني الليبي العام الماضي، وأقرت فرنسا أن الصواريخ فرنسية لكنها أنكرت إمداد حفتر بأسلحة. حيث قال بيان لوزارة الدفاع الفرنسية: “تلك الأسلحة كانت لأجل حماية القوات التي كانت تقوم بمهمات استخبارات ومكافحة الإرهاب”. 

“تلك الأسلحة كانت لأجل حماية القوات التي كانت تقوم بمهمات استخبارات ومكافحة الإرهاب”- بيان وزارة الدفاع الفرنسية

وقدمت الإمارات دعما كبيرا إلى حفتر في شكل دعم جوي وامداده بأسلحة متقدمة، بحسب الأمم المتحدة، كما ورد أن المملكة العربية السعودية قد دعمت حفتر بتمويلات ضخمة. 

وترى كل من مصر، والسعودية والإمارات حفتر كحليف في مواجهة انتشار الإسلام السياسي وخاصة الإخوان المسلمين، التي يصنفونها كمنظمة إرهابية. 

كما أن مصر لها مصالح طاقة ضخمة في شرقي المتوسط. والاتفاق بين حكومة الوفاق والرئيس التركي يحدد مناطق اقتصادية حصرية لتركيا وليبيا سيكون له أن يعرقل مزيد من عمليات التنقيب من قبل مصر في المنطقة الغنية بالغاز الطبيعي. 

وفي أغسطس الماضي ناقش وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو ونظيره المصري سامح شكري الوضع في ليبيا، واتفقا على إيجاد حل سياسي للنزاع. فيما رآه بعض المحللون أنه رغبة أمريكية ومصرية في تنسيق سياسة تخص ليبيا في المستقبل. 

فايز السراج

من يدعم السراج؟ 

تتلقى حكومة الوفاق دعم كل من قطر، وإيطاليا، والجزائر وتركيا، والولايات المتحدة. حيث قالت أنقرة أنها سوف تقوم بنشر جنود بعد موافقة البرلمان التركي على مهمة عسكرية إلى ليبيا في مستهل يناير الماضي. 

وكانت الحكومة التركية قامت بالفعل بإمداد طرابلس بمعدات مثل الدرونات. كما وردت تقارير عن اشتراك مقاتلين سوريين تابعين لتركيا في القتال لدعم السراج. 

وكان الرئيس التركي التقى بمسؤولين ليبيين من حكومة الوفاق في نوفمبر الماضي، واتفقوا على إنشاء منطقة اقتصادية حصرية تخترق المياه الإقليمية لليونان وقبرص.  

الموقف الأمريكي

وتدعم الولايات المتحدة رسميا حكومة طرابلس المدعومة من الأمم المتحدة، إلا أن سياستها كان بها الكثير من التخبط من إدارة دونالد ترامب. كما نشرت وول ستريت جورنال تقريرا في مايو الماضي بأن قرار ترامب الذي يقلب سياسية الولايات المتحدة بدعم حفتر كان نتيجة مساعي من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي. 

 وانتقد رئيس منظمة مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي سياسة واشنطن حيال ليبيا قائلا إنها سياسة ملتبسة وليس هناك دليل على وجود سياسات منظمة، وأنه توجد فجوة بين الرئيس ترامب وإدارته. 

حيث أنه في العام الماضي، ناقش الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع حفتر جهود مكافحة الإرهاب والحاجة إلى التوصل إلى السلام والاستقرار في ليبيا، فيما يرى أنه انقلاب على السياسية الخارجية الأمريكية فيما يتعلق بليبيا ودعم لحفتر في هجومه على طرابلس آنذاك. إلا أن وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو شدد على معارضة الولايات المتحدة لهجوم حفتر. 

وفي الثاني عشر من فبراير الجاري عقدت لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي جلسة استماع حول سياسة الولايات المتحدة المتعلقة بليبيا. 

وحضر أمام الجلسة ديفيد شينكر مساعد الوزير بمكتب شئون الشرق الأدنى، وكريستوفر تي روبنسون، نائب مساعد وزير الخارجية للشئون الأوروبية والأوروآسيوية. 

حيث حذر روبنسون مما وصف أنه سعي موسكو إلى استخدام وجودها المتزايد في ليبيا كمنصة لتوسيع تأثيرها المزعزع في أفريقيا وعبر المتوسط. بينما أشار شينكر إلى أن مهمة إعادة الأطراف الليبية إلى طاولة المفاوضات قد تعقدت بسبب تدخل الفاعلين الخارجيين.

“مهمة إعادة الأطراف الليبية إلى طاولة المفاوضات قد تعقدت بسبب تدخل الفاعلين الخارجيين”- كريستوفر تي روبنسون نائب مساعد وزير الخارجية للشئون الأوروبية والأوروآسيوية

وكان وزير الخارجية الإيطالي، لويجي دي مايو، قال إن الأزمة الليبية تستلزم مزيد من التدخل من قبل الولايات المتحدة. 

نفط ليبيا 

تعمل عدة شركات نفط عالمية مع شركة النفط الوطنية الليبية. حيث أن Eni الإيطالية هي أكبر شركة منتجة للنفط بالبلاد، صاحبة أكبر احتياطيات معروفة في أفريقيا، وتنافسها Total الفرنسية، التي تقوم بتوسيع أعمالها هناك. وقد أجبر القتال Eni على تعليق إنتاجها في واحد من حقول النفط عدة مرات في الشهور السابقة، كما أدى الوضع المضطرب إلى تأخير اتفاق بين الشركة الإيطالية وبريتش بتروليوم لرفع الإنتاج. كما استأنفت Taftnet الروسية أنشطة التنقيب الخاصة بها في نهاية العام المنصرم.

ومنذ 17 يناير الماضي توقف إنتاج النفط الليبي، وأعلنت المؤسسة الوطنية للنفط وجود ظروف قهرية تمنعها من توريد العقود المتفق عليها. وأفادت أن الإنتاج في ليبيا قد هبط إلى نحو 180 ألف برميل يوميا، المستوى الأدنى منذ ثورة 2011 ضد القذافي، وذلك من 1.2 مليون برميل يوميا قبل الإغلاق مباشرة.

وكانت الشركة الوطنية للنفط قد أعلنت أن الخسائر بسبب إغلاق موانئ النفط الليبية قد بلغت 318 مليون دولار في الفترة السابقة إلا أن هناك تقديرات أن الرقم قد وصل إلى ما يناهز المليار دولار مؤخرا. وقد هبط إنتاج البلاد من 1.2 مليون برميل يوميا، فيما كان يعد أعلى مستوى تصل له الإمدادات خلال ست سنوات.