باتت ظاهرة «الهجرة غير الشرعية» الشاغل السياسي الأكثر أهمية على مائدة العديد من الدول الأوروبية، خلال الأعوام الأخيرة، خاصة بعدما تبيّن للعديد من أجهزة الأمن والاستخبارات في هذه الدول، أنها تشكل رافدا أساسيا من روافد الإرهاب على مستوى القارة.

نظرًا لاستمرار تدفق آلاف المهاجرين بطرق شرعية وغير شرعية، وما يخلفونه من مظاهر الخوف والعنصرية في المجتمعات الأوروبية، حاولت الحكومات الأوروبية معالجة الظاهرة بانتهاج مقاربة أمنية، تقوم على تجنيد كل الوسائل القمعية والبوليسية، وسن القوانين الردعية لمواجهتها، وهو ما عُرف بـ «أمننة ظاهرة الهجرة»، التي جاءت بفعل تكاتف عدة عوامل، منها ما هو داخلي ومنها ما هو خارجي.

 

من العوامل الخارجية هجمات 11 سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة، ودورها في إلصاق تهمة «الإرهاب» بالمسلمين الذين يمثّلون نسبة كبيرة من المهاجرين الوافدين إلى أوروبا. أما العوامل الداخلية، فتتمثل في التوظيف الإعلامي والسياسي لظاهرة «الهجرة» بشكل عام لدى وسائل الإعلام وأحزاب اليمين المتطرف، التي تسعى لربط الهجرة بمختلف الظواهر السلبية، كالجريمة المنظمة والإرهاب، ما انعكس سلبيًا على وضع المهاجر وحقوقه المنصوص عليها في المواثيق والاتفاقيات الدولية.

في وقت مبكر، ربط محمد بن علي كومان، الأمين العام السابق لـ «مجلس وزراء الداخلية العرب»، بين الهجرة غير الشرعية وتزوير جوازات السفر، وبين الإرهاب والجريمة المنظمة في المنطقة العربية وبعض دول العالم، ومن بينها البلدان الأوروبية بوجه خاص.

محمد بن علي كومان: تزداد الهجرة غير الشرعية خطورة مع تنامي ظاهرة الإرهاب، حيث تسعى الجماعات الإرهابية إلى الاستفادة من الأوضاع الصعبة التي يعاني منها المهاجرين

وقال كومان، في كلمته خلال افتتاح أعمال «المؤتمر العربي الثالث عشر لرؤساء أجهزة الهجرة والجوازات والجنسية العرب» في تونس، 17 أبريل 2008، إن «الهجرة غير الشرعية باتت تشكل محور اهتمام مختلف الدول، بعدما تحولت إلى نشاط إجرامي مربح تديره شبكات على قدر كبير من التنظيم. وتزداد الهجرة غير الشرعية خطورة مع تنامي ظاهرة الإرهاب، حيث تسعى الجماعات الإرهابية إلى الاستفادة من الأوضاع الصعبة التي يعاني منها الكثير من المهاجرين لتجنيدهم في صفوفها».

على إثر تداعيات «الربيع العربي» واندلاع الحروب الداخلية في أكثر من بلد عربي، تصاعدت المخاوف في دول الاتحاد الأوروبي، من احتمالية استخدام مقاتلين متطرفين أو مجموعات إرهابية شبكات الهجرة غير الشرعية للدخول إلى أوروبا، أو تمويل أنشطتهم فيها.

الإرهاب وشبكات الهجرة السرية

ازدادت الأمور تشابكًا بعد أن استغلت التنظيمات المتطرفة ومنها «داعش» و «القاعدة»، القضايا الإنسانية الملحة الناتجة عن مأساة المهاجرين بشكل عام، واتخذتها ستارًا لتغطية أعمالها وأهدافها في القارة الأوروبية؛ وهو ما أجبر دول القارة على تغيير استراتيجيتها في معالجة ملف الهجرة غير الشرعية، من كونها قضية «اجتماعية – اقتصادية» إلى اعتبارها قضية «سياسية- أمنية» من الدرجة الأولى.

 

أشار تقرير أمني بثته إذاعة «مونت كارلو» الدولية في 17 مايو 2016، إلى الصلات الوطيدة التي كشفتها الشرطة الأوروبية «يوروبول» والشرطة الدولية «الإنتربول» بين الإرهاب وشبكات الهجرة السرية، وهي صلات تكمن أساسا في استغلال وسائل لوجستية لدعم الأنشطة المرتبطة بالإرهاب.

تقرير أمني: هناك فرضية أن يكون تنظيم «داعش» قد نجح في تهريب أشخاص من شأنهم تهديد أمن المجتمعات الأوروبية، والقيام بتفجيرات جديدة

وأضاف التقرير «وهناك فرضية أن يكون تنظيم «داعش» قد نجح في تهريب أشخاص من شأنهم تهديد أمن المجتمعات الأوروبية، والقيام بتفجيرات جديدة، وزاد في ترجيح هذا الاحتمال أن الأمن الإسباني اعتقل في منطقة «غاليسيا»، شخصين جزائريين تابعين لتنظيم «داعش»، بعد ثبوت تورطهما في عمليات التهريب، ورجحت التحقيقات فرضية أنهما كانا وراء تهريب بعض الأشخاص، الذين نفذوا تفجيرات العاصمة الفرنسية باريس عام 2015، التي أدت إلى مقتل 140 شخصًا.

ضرب الإرهاب المرتبط بالهجرة غير الشرعية عدة دول أوروبية أخرى من بينها الدانمرك، ففي فبراير 2015، قام مهاجر سوري متسلل إلى البلاد بإطلاق النار في معرض لحرية التعبير في العاصمة «كوبنهاجن»؛ ما أدى إلى مقتل شخص وجرح 3 عناصر من الشرطة، ثم هاجم كُنيسًا يهوديًّا وقتل شخصًا وجرح شرطيين.

في عام 2016، طعن مهاجر أفغاني غير شرعي 5 أشخاص على متن قطار في ألمانيا، كما قام مهاجر سوري نفسه بتفجير نفسه؛ ما أدى إلى جرح 12 شخصًا

وإزاء تزايد مخاطر ارتباط شبكات الهجرة غير الشرعية بالتنظيمات الإرهابية، أطلق الاتحاد الأوروبي عام 2015 «العملية صوفيا»، بمشاركة سفن حربية أوروبية، لملاحقة المراكب التي تقل المهاجرين في البحر المتوسط، وهي عملية ذات طبيعة عسكرية؛ الهدف منها توقيف المهاجرين وتفتيشهم؛ للتأكد من عدم وجود إرهابيين بينهم.

 

يقول الدكتور فريد خان، الخبير في الشؤون العربية، إن تنظيم «داعش» نسج علاقات قوية مع الشبكات الناشطة في نقل المهاجرين غير الشرعيين، ونجح في إقامة شبكات للهجرة تابعة له، من أجل تحقيق هدفين؛ الأول يرتبط بالبحث عن مصادر للتمويل، والثاني يتعلق بتمكين الأفراد التابعين له من التسلل إلى أوروبا لتنفيذ هجمات إرهابية؛ إذ كلما اشتد الخناق على التنظيم في العراق وسوريا وتقلصت المساحة التي يسيطر عليها في البلدين، لجأ إلى استثمار الهجرة غير الشرعية لتعويض إخفاقاته الميدانية.

ومع عودة المقاتلين الأجانب من المتطرفين الأوروبيين إلى بلدانهم، تعززت المخاوف الأمنية لدى الدول الأوروبية، حيث يبلغ عدد المواطنين الأوروبيين الذين توجهوا للقتال إلى جانب تنظيم «داعش» قرابة 7 آلاف شخص، لكن ليس كل هؤلاء يعودون عبر الطرق القانونية التي تمكن من مراقبتهم، وتتصل المخاوف من العائدين بنوايا التنظيم، الذي يُعتقد بأنه قد يعوض عن خسائره بالتوجه نحو السرية والانتشار الأفقي على الصعيد الأوروبي.

«الإرهاب المضاد»

لم تكن وجهة المهاجرين غير الشرعيين إلى أوروبا عبر البحر المتوسط فحسب، بل ظلت تركيا دائما بمثابة «بوابة» لدخول وخروج مئات الآلاف من هؤلاء المهاجرين، من بينهم عناصر إرهابية قاتلت في صفوف تنظيم «داعش». وبقيت تركيا ممرًّا آمنًا لعودة الإرهابيين الذين نفذوا أو خططوا لبعض الاعتداءات في أوروبا، مثل حياة بومدين، المتهمة بالضلوع في هجومين إرهابيين في باريس، وهي زوجة الإرهابي أمدي كوليبالي، منفذ اعتداء المتجر اليهودي في باريس 2015، والتي خرجت من فرنسا مرورا بتركيا للالتحاق بإرهابيي «داعش» في سوريا.

 

ليست حركة المهاجرين غير الشرعيين والإرهابيين من تركيا في اتجاه واحد نحو أوروبا، فقد عملت الجماعات الإرهابية على استغلال طرق الهجرة غير الشرعية في الاتجاهين، وتمكنت من تنظيم هجرات عكسية نقلت خلالها آلاف الإرهابيين من دول أوروبا إلى مناطق القتال في سوريا والعراق.

ليبيا أحد أهم المعابر المفضلة للشبكات العاملة في مجال الهجرة غير المشروعة، عبر زوارق مطاطية تقل العشرات من المهاجرين نحو سواحل إيطاليا ومالطا

وتُعد ليبيا أحد أهم المعابر المفضلة للشبكات العاملة في مجال الهجرة غير المشروعة، عبر زوارق مطاطية تقل العشرات من المهاجرين نحو سواحل إيطاليا ومالطا، إضافةً إلى منطقة غرب المتوسط في اتجاه إسبانيا، والناحية الشرقية من تركيا في اتجاه اليونان.

يرى مراقبون أن عدم الاستقرار الأمني في غرب ليبيا، الواقع تحت سلطة حكومة «الوفاق» برئاسة فائز السراج، جعل بمقدور الميليشيات المسلحة الناشطة في تلك المنطقة، السيطرة على سوق تهريب المهاجرين غير الشرعيين إلى أوروبا، وكسب مئات الملايين من الدولارات، فضلا عن الدفع ببعض العناصر الإرهابية وسط اللاجئين، لزرعهم في بلدان القارة العجوز، وهو ما أدى إلى تزايد الاهتمام الأوروبي بالسعي إلى التوصل لحل للأزمة الليبية خلال الأشهر الأخيرة، بالتعاون مع دول المنطقة، وعلى رأسها مصر.

في المقابل، أدى افتراض وجود رابط مباشر أو غير مباشر، بين الهجرة غير الشرعية والإرهاب، إلى خلق مزيد من القلق في أوساط المهاجرين، وارتفاع مشاعر العداء العنصري للمهاجرين عامة – بمن فيهم الشرعيون- في بعض الدول الأوروبية، وتنامي ظاهرة «الإرهاب المضاد» ضد الأجانب من قبل الجماعات اليمينية المتطرفة في هذه الدول، ما يعني ضرورة خلق توازن بين حقوق الإنسان والأمن القومي.