في الوقت الذي كان يتحدث فيه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن الحاجة إلى تعزيز “السلام” في خطاب ألقاه خلال زيارته التي استغرقت يومين للهند، كانت الشرطة في نيودلهي تشن حملة على المتظاهرين ضد مشروع قانون الجنسية الذي يقدم العفو لأولئك الفارين من الاضطهاد، ماعدا المسلمين.
يختص قانون الجنسية لعام 1955، بتحديد الأشخاص المؤهلين للحصول على الجنسية الهندية، وفي عام 2016، عدل البرلمان الهندي مشروع القانون، لجعل المهاجرين غير الشرعيين من أفغانستان وبنجلاديش وباكستان، من الهندوس والسيخ والبوذيين والبارسيون والمسيحيين مؤهلين للحصول على الجنسية، مستثنيا المسلمين.
القانون الذي يعد جزء من أجندة القوى اليمينية الهندوسية في البلاد، وربط الدين بالجنسية، أصبح بمثابة سياسة استبعاد و”سيكون هناك عواقب وخيمة”، بحسب الكاتبة الهندية تانيشا كولي.
تانيشا كولي: قانون الجنسية سيكون له عواقب وخيمة
وتضيف كولي أنه من الواضح أن الهدف الرئيسي لحزب “بهاراتيا جاناتا” الحاكم، يشمل حماية الهوية الثقافية الهندوسية للهند، وأن منح الجنسية بناء على دين الشخص، يعني أن الحزب يسعى لبناء “نظام هندوسي”.
القانون الجديد سيتسبب في إلقاء المسلمين في معسكرات الاعتقال بسبب أخطاء في وثائق هويتهم، وأولئك الذين ينتمون إلى الديانات الأخرى، والذين تحتوي وثائقهم أيضا على أخطاء، سيكونون قادرين على الحصول على الجنسية بموجب القانون نفسه.
القانون يواجه رفض شعبي بين المسلمين، حيث اندلعت مظاهرات في العاصمة دلهي، تحولت إلى أعمال عنف أسفرت حتى الآن عن مقتل 10 أشخاص، من ضمنهم 9 مدنيين، وشرطي واحد.
وكانت الاحتجاجات التي تعد أكثر أعمال العنف دموية في العاصمة الهندية منذ عقود، قد اندلعت لأول مرة يوم الأحد الماضي، بين معارضي القانون ومؤيديه، إلا أنها صبغت بصبغة دينية بعد اشتباك المتظاهرين الهندوس والمسلمين.
الاشتباكات وقعت في الأحياء ذات الأغلبية المسلمة في شمال شرق دلهي، التي تبعد نحو 18 كيلومتر من قلب العاصمة، حيث كان ترامب يعقد اجتماعات مع القادة الهنود والدبلوماسيين ورجال الأعمال.
وعندما سئل عن العنف خلال مؤتمر صحفي، تهرب ترامب من هذه القضية، قائلا إنه على الرغم من أنه “سمع عن ذلك”، فإن الحادث يخص الهند فقط.
ترامب: الاشتباكات أزمة تخص الهند فقط
قانون الجنسية الهندي لن يثير أزمات داخلية، فقط، ولكن من المتوقع أن يواجه رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، أزمة دبلوماسية واقتصادية بسبب القانون.
فبعد اجتماع خمس دول إسلامية، ماليزيا وتركيا وإيران وقطر وإندونيسيا في كوالالمبور في ديسمبر، ركزت القمة على ما يحدث في الهند.
حيث ناقشت القمة قانون الجنسية الجديد المثير للجدل في الهند، والذي يوصف على نطاق واسع بأنه معادي للمسلمين، معتبرة أياه تمييزا ضد المسلمين وحذرت من الفوضى إذا لم يتم إلغاؤه.
توصيات القمة نكسة كبيرة لمودي، حيث تكاد تهدم الجهود المحمومة التي يبذلها كبار الدبلوماسيين الهنود في المنتديات الدولية لاحتواء الغضب العالمي ضد التشريع الجديد.
كما أنه دفع أكبر ممثل للدول الإسلامية، منظمة المؤتمر الإسلامي، التي تعتبرها الهند صديق جيد لها، للتعبير علنا عن مخاوفهم بشأن تصرفات نيودلهي.
مودي يواجه الآن مهمة صعبة، متمثلة في الحفاظ على سلامة الشراكة الوثيقة التي أقامها مع السعودية والإمارات، وغيرها من الدول الإسلامية.
خلال فترة حكمه، تمكن مودي من بناء علاقات جيدة مع دول الخليج، أثارت استغراب خبراء السياسة الخارجية، حول كيف يمكن لحكومة يقودها حزب هندوسي قومي في بناء هذه العلاقة في فترة قصيرة.
على صعيد الأعمال التجارية ، فتح مودي أبواب الهند على نطاق واسع أمام دول الشرق الأوسط، ولا سيما السعودية والإمارات، حيث سعت الدولتين لتنويع مواردها غير النفطية.
يبدو أن شهر العسل بين مودي ودول الخليج قارب على النهاية، فبعد أن أدلت منظمة المؤتمر الإسلامي، التي كان من المتوقع أن تلتزم الصمت بشأن قانون الجنسية، ببيان أدانت فيه هذه الخطوة، تعهدت السعودية بعقد اجتماع خاص لمنظمة المؤتمر الإسلامي لمناقشة قضية كشمير.
كلا التطورين أصابا الهند بإحراج شديد، وحاول المسؤولون بشكل محموم احتواء الأضرار اللاحقة، لكن المحللين الهنود شعروا أن الشقوق الأولى ظهرت في الشراكة الاستراتيجية بين الهند وحلفائها العرب الرئيسيين.