في فبراير الماضي، أدت هجمات مسلحة شنها متطرفون هندوس على الأحياء التي يسكنها المسلمون في العاصمة الهندية نيودلهي، إلى سقوط 20 قتيلا و189 جريحا من بينهم نحو ستين شخصًا أصيبوا بعيارات نارية.

 

هذه الهجمات الدموية كانت هي الأحدث في سلسلة أعمال عنف استهدفت المسلمين والمسيحيين على السواء في الهند، منذ عقد التسعينيات من القرن الماضي، وشنها المتطرفون الهندوس الذين باتوا أعلى صوتًا وأكثر خطورة من ذي قبل، إذ يحظون بمساندة «شبه رسمية» من الحكومة اليمينية الهندوسية التي تحكم البلاد منذ عام 2014 حتى الآن.

وقد وثَّقَت منظمة هيومن رايتس ووتش 44 حالة وفاة -36 منهم مسلمون- في الفترة الممتدة من مايو 2015 إلى ديسمبر 2018 في 12 ولاية هندية.

وتطرح هذه التطورات الخطيرة تساؤلات كثيرة، حول احتمالية تحول الهند إلى «دولة متطرفة»، خصوصًا في ظل تنامي النزعات العنصرية خلال الأعوام الأخيرة في بلاد «المهاتما غاندي»، أكبر دعاة التسامح و«اللاعنف» في التاريخ الحديث. وذلك على خلفية تقدم حكومة ناريندرا مودي، اليميني الهندوسية، مؤخرًا، بقانون الجنسية الجديد، المثير للجدل، والذي من شأنه يحرم ملايين المسلمين في البلاد من جنسيتهم.

 

أرض خصبة للتطرف

في مطلع مارس الحالي، حذر الدكتور محمد حسين شمشاد، الداعية الإسلامي الهندي، من أن «المذبحة التي بدأتها حكومة الهند تجاه المسلمين، لا زالت مستمرة، دون أية تدخلات من الحكومة التي يبدو أنها تواطأت مع المتطرفين الهندوس على إبادة المسلمين».

 داعية هندي: الحزب الهندوسي الحاكم يسعى لما هو أكبر من إيذاء المسلمين، حيث يسعى لطردهم من البلاد بحجة القانون الجديد

وأوضح الداعية الهندي، أن «هناك حالة من التعتيم الإعلامي العالمي على القضية، خاصة أن الحزب الهندوسي الحاكم يسعى لما هو أكبر من إيذاء المسلمين والتنكيل بهم، وإغلاق مساجدهم، حيث يسعى لطردهم من البلاد بحجة القانون الجديد، الذي يستهدف منح الجنسية لجميع الطوائف ما عدا المسلمين».

من جانبها، حذرت مجلة «ناشيونال إنترست» الأمريكية، في عددها الصادر منتصف يناير الماضي، من تحوّل الهند إلى أرض خصبة للتطرف، مشيرة إلى أن الصور السياسية القادمة من شبه القارة الهندية، تؤكد أن هذا البلد غارق في الاضطرابات، ويشهد احتجاجات في كافة الأرجاء ضد قانون الجنسية المثير للجدل، الذي أصدرته حكومة ناريندرا مودي، زعيم حزب «بهاراتيا جاناتا» الهندوسي المتطرف.

ونشرت مجلة «فورين بوليسي» مقابلة أجراها مدير تحريرها رافي أغروال، مع الأكاديمي أشتوش فارشني، مؤلف كتاب «الصراع الإثني: الهندوس والمسلمون في الهند»، والفائز بجوائز دولية، قال فيها: إن أحداث الشغب في دلهي تحمل الصفات كلها لما يسمى pogrom (مذبحة منظمة).

 

وسمح رئيس وزراء الهند الحالي بالعنف والإبادة الجماعية ضد المسلمين فى ولاية «غوجارات» حينما كان رئيس وزرائها عام 2002، في ظل حكم «مودى» تم حرق المسلمين واغتصابهم، ما جعله المرشح المفضل كرئيس للوزراء بين الطائفة الهندوسية.

 

وعبّر الهندوس عن أصوليتهم بجلاء حينما وقع اختيارهم عام 2014 على «مودي» المعروف بأنه مثال للشخص المتعصب قوميًا، والمتطرف دينيًا، والمبشر بما يسمى «الأصولية الهندوسية».

يقود «مودي» عداءً رسميًا صريحًا ضد كل ما هو غير هندوسي في الهند، خاصة الدين الإسلامي الذي يدين به 200 مليون هندي

ومنذ ذلك التاريخ، يقود «مودي» عداءً رسميًا صريحًا ضد كل ما هو غير هندوسي في الهند، خاصة الدين الإسلامي الذي يدين به 200 مليون هندي، وهو ما يجعل من الهند ثاني أكبر بلد إسلامي في العالم بعد إندونيسيا.

ويعمل متطرفو حزب «بهاراتيا جاناتا» بلا كلل على ترسيخ «الهوية الهندية الهندوسية»، ناسفين بذلك ميراث الزعيمين «نهرو وغاندي» اللذين عملا على إقامة مجتمع موحد بأفكاره وتصوراته عن الأمة والدولة، حيث دافع وزير التعليم الفيدرالي ميرلي مانوهارجوشي الحالي، عن أفكار تهدف إلى تصوير المسلمين باعتبارهم «غزاة طارئين» على الهند وتاريخها وحضارتها.

لكن هذه الفكرة العنصرية وجدت المعارضة من قبل المؤرخين المتنورين الهنود، الذين يرون أنها ضد تقاليد التعايش الجماعي المعروف تاريخيًا لشعوب شبه القارة الهندية. والمؤسف أن وزير التعليم الهندي وصف هؤلاء المثقفين بأنهم «إرهابيون أكاديميون خطرون، بل أشد خطرًا من الإرهابيين المعروفين الذين يحملون السلاح»!

ويقول الباحث الهندي أديتي بهادوري «ظهر مصطلحُ التطرف الهندوسي، للمرة الأولى، في حقبة الثمانينيات من القرن العشرين، ثم اشتهر في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، عندما نفّذت جماعات هندوسية سلسلة هجمات ضد مسيحيين ومسلمين في الهند. ويُعد التطرف الهندوسي، إلى حد ما، فريدًا من نوعه لأنه يرتبط بالقومية الهندية. لا يرغب معظم الذين يُعتبرون متطرفين هندوس، أولئك الذين قتلوا أشخاصًا غير هندوس على أساس الدين، على سبيل المثال، في تمدد الهندوس أو إقامة حكم ديني في العالم، بل يسعون إلى استعادة الهند للهندوس، ويؤكدون على الطابع الهندوسي أو إقامة دولة هندوسية في الهند».

ووفق الكاتب إميل أمين، «يبدو أن صعود القوميات، وارتفاع وتيرة الشعبويات حول العالم، قد أصاب الهند بدورها، ومضت بها في طريق ضيق، عبر تزمت الإيديولوجيات والدوغمائيات المكذوبة، عوضًا عن رحابة التلاقي المعرفي والإنساني، وهي حالة نراها في أوروبا وأمريكا والعالم العربي، وفى غالبية بقاع وأصقاع الأرض».

 

ويعتبر أمين أن «ما يجري في الهند اليوم انعكاس لا يقبل الشك لدعاوى مظلوميات هندوسية تاريخية تستحق إعادة القراءة، تذهب إلى أن الهندوس تم اضطهادهم من قبل المسلمين أولًا، ثم من قبل المسيحيين البريطانيين ثانيًا، وأنهم لن يتعافوا إلا إذا تخلصوا من كل ما هو مسلم وبريطاني في تاريخهم».

جماعات التطرف الهندوسي

يرتبط التطرف الهندوسي بنشاط جماعتين متطرفتين كبيرتين، هما «التنظيم القومي للمتطوعين» و«المجلس الهندي العالمي». وهناك أيضا منظمات وجماعات هندية أخرى أقل عددًا ذات توجهات متطرفة، ومنها «شيوسينا» وتعني «جيش شيوا» التي اشتهرت بارتكاب أعمال عنف للتصدي لما تسميه «إهانة كرامة الهندوس».

 

تؤكد هذه الجماعات على الطابع الهندوسي للهند، ويتركز هدفها الرئيس على مواجهة تحول الهندوس إلى الإسلام أو المسيحية، ومحاولة إعادة المتحولين إلى الهندوسية مرة أخرة. كما حاولت حشد الدعم العام حول القضايا الهندوسية الأخرى، مثل حظر التحول عن الهندوسية، وحظر ذبح الأبقار المنصوص عليه في الدستور الهندي، وبناء معبد هندوسي في موقع أحد المساجد الكبرى في البلاد.

فيلق الشباب الهندوسي هو الذراع الطويلة لتيار القومية الهندوسية، وقائده يدعى برامود كومار مال، ومهمته العمل من أجل الحركة القومية

وتأتي الهند على رأس الدول التي تعاني من الإرهاب، برصيد 22 تنظيما وجماعة مسلحة. ويعد «فيلق الشباب الهندوسي»، الذراع الطويلة لتيار القومية الهندوسية، وقائده يدعى برامود كومار مال، ومهمته العمل من أجل الحركة القومية، وهو يقول: «إننا لا نريد أن يتفكك هذا البلد، فهناك كثير من الحركات التي ترغب في تفكيك النظام، ونحن نريد أن نوقفهم، ونجعل الناس يدركون هذا الأمر».

ولا يستهدف التطرف الهندوسي المتصاعد منذ سنوات المسلمين وحدهم في البلاد، بل إن الهجمات ضد المسيحيين الهنود لا تختلف كثيرًا عما يلاقيه المسلمون. وتنوعت هذه الهجمات على مدار الأعوام الماضية، ما بين الاعتداء على الكنائس وحرقها، وكذا تدنيسها، واختطاف وقتل المسيحيين، واغتصاب فتياتهم ونسائهم، من قبل الجماعات الهندوسية المغرقة في تطرفها.

ويؤكد «بهادوري» أخيرًا أن «الإشكالية الأكبر التي تبين أن فيروس الأصولية قد نخر في عظام الدولة الهندية، تتمثل في أن الشرطة لا تتخذ الإجراءات المطلوبة لحمايتهم، ولا لمطاردة الجناة، والقبض عليهم، ومن ثم تسليمهم للعدالة، فالهند اليوم دولة هندوسية فاشية، تتنكر كدولة ديمقراطية. الحقوق الطبيعية غير موجودة في الهندوسية. الديمقراطية محظورة. يتم تشريع الهندوسية السياسية حيث تتمتع الأبقار بحقوق أكثر من البشر. الحماية القضائية غير موجودة. القهر هو العقيدة السياسية والعنف ضد غير الهندوس يعد وطنية».

ــــــــــــــــــــــــــــ

المصادر: