تعمل قوى اليمين المتطرف الإسرائيلي، وحلفاؤها في الولايات المتحدة، بشتى السبل حاليا، لإفشال الاتفاق الذي توصل إليه رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، مع منافسه الانتخابي السابق وحليفه الحالي بيني غانتس، رئيس حزب «أزرق أبيض»، بشأن تأجيل قرار فرض «السيادة الإسرائيلية» على مساحات واسعة تُقدر بنحو 30% من الأراضي في الضفة الغربية المحتلة، إلى شهر يوليو المقبل.

sss

قبل أيام، جندت حركة «إسرائيل ملكي» اليمينية المتشددة، مجموعة كبيرة من جنرالات جيش الاحتلال المتقاعدين، الذين يؤيدون توسيع الاستيطان على الأراضي الفلسطينية المحتلة بعد عام 1967. ونظم الجنرالات السابقون حملة شعبية للضغط على «غانتس» لإقرار الضم حال تشكيل الحكومة الجديدة في إسرائيل.

 

ويرى قادة اليمين المتطرف في إسرائيل أن الأجواء الدولية مواتية تمامًا لضم الضفة، خصوصًا أن العالم كله مشغول بمكافحة وباء فيروس كورونا، مؤكدين أن وجود الرئيس دونالد ترامب في البيت الأبيض «فرصة ذهبية» أخرى تتيح لإسرائيل، أن تقرر ضم «غور الأردن» وشمالي البحر الميت اللذين يشكلان حوالي 30 بالمئة من مساحة الضفة الغربية، وفرض السيادة الإسرائيلية عليها وعلى المستوطنات اليهودية غير المعترف بها دوليًا هناك.

اليمين الأمريكي على الخط

يدعم أنصار اليمين الأمريكي المتطرف، المتمثل في عدد من التيارات الدينية المتشددة والسياسية «الجمهورية» المتزمتة، بقوة، مسعى ضم الضفة الغربية بالكامل إلى إسرائيل، داعين إلى اتخاذ «قرار فوري» بهذا الضم، ويمارس هؤلاء ضغوطًا على «ترامب» نفسه في هذا الاتجاه، من خلال داعمي حملته الانتخابية في الولايات المتحدة، وكذلك تُمارس الضغوط داخل إسرائيل على نتنياهو من خلال قيادة المستوطنات والتيار الديني اليهودي المتشدد.

من ناحيتها، قالت صحيفة «إسرائيل اليوم» إن اليمين الإسرائيلي يوجه حملة سياسية وقانونية ضد زعماء حزب «أزرق أبيض»، الذين يعانون بالأساس من خلافات داخلية، بشأن فرض ضم الاحتلال الضفة الغربية وغور الأردن، وهو العقبة أمام تشكيل الحكومة الإسرائيلية مع «الليكود».

«إسرائيل اليوم»: اليمين الإسرائيلي يوجه حملة سياسية وقانونية ضد زعماء حزب «أزرق أبيض»، بشأن فرض ضم الاحتلال الضفة الغربية وغور الأردن

وأضافت الصحيفة في تقرير لها إن حركة «إسرائيل لنا» اليمينية المتطرفة بدأت أمس، الأربعاء، حملة ضد قادة وزعماء حزب «أزرق أبيض» الذي يترأسه الجنرالان بيني غانتس وغابي أشكنازي، ويتهمونهما بمحاولة إعاقة الاتفاق مع حزب «الليكود» بشأن إقامة الحكومة الإسرائيلية الجديدة من خلال عرقلة تنفيذ العملية التاريخية المتمثلة بفرض «السيادة الإسرائيلية» على الضفة.

وأكدت الصحيفة أن «غانتس وأشكنازي» يعلمان جيدًا أن 15 مقعدًا في الكنيست التي يحوزها حزبهما لا تعني الأكثرية، فيما معسكر اليمين يحوز على 58 مقعدًا، ويمثل الأغلبية البرلمانية في الكنيست، وبالتالي فإن «أزرق أبيض هو الأقلية، وليس الأكثرية، وفي حال تعمد منع تحقيق هذه العملية التاريخية الخاصة بفرض السيادة الإسرائيلية، فلن تكون هناك حكومة وحدة».

من جهة أخرى، قالت سارة هعتسني كوهين، رئيس حركة «إسرائيل لنا»: «نحن أمام خيارين أساسيين وحيدين لا ثالث لهما، فإما فرض السيادة على الضفة الغربية، أو حكومة الوحدة، وفي هذه الحالة سوف نختار مسألة فرض السيادة، أو أن «غانتس وأشكنازي» يحاولان أن يفرضا علينا خيار الأقلية على الأغلبية البرلمانية، التي تدعم هذه العملية التاريخية، وهما يعلمان تمامًا أن نافذة الفرص التاريخية آخذة بالتقلص مع مرور الوقت، وهي قصيرة جدًا».

رئيس حركة «إسرائيل لنا»: نحن أمام خيارين أساسيين وحيدين لا ثالث لهما، فإما فرض السيادة على الضفة الغربية، أو حكومة الوحدة

وأشارت إلي أن «غانتس وأشكنازي لديهما توجهات بتضييع المزيد من الوقت لإهدار الفرص المتاحة، من خلال منع إسرائيل من تنفيذ خططها التاريخية الخاصة بفرض السيادة على الضفة الغربية».

يأتي ذلك، فيما نشر «منتدى الجنرالات الإسرائيليين» الذي يضم ضباطًا كبار ينتمي معظمهم لليمين المتطرف، فيلمًا وثائقيًا جديدًا حول ما تقدمه «صفقة القرن» التي طرحها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لإسرائيل.

قدم الفيلم آراء عددًا من كبار قادة الجيش الإسرائيلي السابقين، الذين قدموا آراءهم المهنية حول «صفقة القرن»، والفرص التاريخية التي تسعى للاحتفاظ بالمستوطنات اليهودية في الضفة الغربية، مؤكدين أن «المنتدى» يسعى من خلال تحشيد أكبر عدد من قادة الجيش في أطره التنظيمية لتحقيق الانتصار على العدو، وتحويل الضفة الغربية وغور الأردن من «عبء إلى مكسب».

«جنون الضم»

حذر عدد من قادة المجتمع الإسرائيلي من المخططات التي أعدتها الجماعات اليمينية المتشددة في إسرائيل والولايات المتحدة، بهدف تنفيذ قرار الضم على ارض الواقع، مؤكدين أن هذا كفيل بجر إسرائيل لإشكاليات أمنية واقتصادية وسياسية، قد تكون نتائجها «كارثية» على صعيد علاقاتها مع الدول المجاورة، وأخرى في المنطقة، فضلاً عن المجتمع الدولي، ممّا سيوقع الدولة العبرية في امتحان غير مسبوق أمام العالم بأسره.

 

وأكد أقطاب اليسار الإسرائيلي أن تنفيذ مخططات اليمين سيسفر عن انهيار السلطة الفلسطينية ذاتها، لأن الضم سيكون إثباتًا جديدًا أمام الفلسطينيين على فشل مسارها السياسي، وإخفاق قادتها، وتأكيدًا على أن محاولاتها في التعاون مع إسرائيل لتحقيق استقلالهم باءت بالفشل المُدّوي، مع أنّه لولا السلطة وأجهزتها الأمنية لكان الجمهور الفلسطيني يقاد من قبل الأوساط الراديكالية، خاصة حماس، التي تحاول استغلال أي فوضى أمنية وسلطوية في الضفة الغربية».

إلى ذلك، قال الجنرال متان فلنائي، نائب رئيس أركان الجيش الإسرائيلي الأسبق، والوزير وعضو الكنيست الأسبق، إن «غانتس» هو الجدير بوقف «جنون الضم» الذي ينتاب اليمين المتطرف حاليًا، خلال عدم الموافقة على تشكيل حكومة اليمين، لأنه سيمنح الدولة فرصة الخروج من الورطة الإستراتيجية والأمنية والاقتصادية والسياسية التي تجد نفسها غارقة فيها، صحيح أنها ليست مهمة سهلة، لكنها مهمة جدًا لمستقبل الدولة وأمنها، وكثير من جنرالاتها سابقًا وحاليًا من رفاق غانتس سيقفون بجانبه برفض أي خطوة للضم أحادية الجانب.

الجنرال متان فلنائي: «غانتس» هو الجدير بوقف «جنون الضم» الذي ينتاب اليمين المتطرف حاليًا، خلال عدم الموافقة على تشكيل حكومة اليمين

وأضاف «فلنائي» في مقال نشرته صحيفة «يديعوت أحرونوت» مؤخرًا أن «أي محاولة لتقليل المخاطر الناجمة عن إجراءات الضم كذب صريح على الجمهور الإسرائيلي، لأنها خطوة مليئة بالأخطار، كما أن الضم الجزئي سيأخذنا عنوة مستقبلًا للضم الكامل، خاصة أن الخطوة المذكورة سيتلوها على الفور حالة من انهيار تلقائي للأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية، لأنها ستفقد السيطرة على الجمهور الفلسطيني الذي سيراها عميلة للاحتلال، ولا تخدم المصلحة الوطنية».

في المقابل، قال رئيس الحكومة الفلسطينية محمد اشتية إن الحديث الدائر في الأوساط السياسية اليمينية الإسرائيلية حول ضم المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية، يقوض القانون والقرارات الدولية، كما يهدد بإنهاء حل الدولتين، مؤكدًا ضرورة أن يتحرك المجتمع الدولي لمنع تلك الخطوة وألا يقف «متفرجًا على ما يحدث».

وحذر «اشتية» من تشكيل حكومة إسرائيلية جديدة ذات أكثرية يمينية، تؤيد التوجهات المعلنة لليمين الإسرائيلي المتطرف من مسألة ضم المستوطنات الموجودة على أراضي الضفة الغربية المحتلة، مؤكدًا الانعكاسات السلبية لذلك الأمر الخطير على منطقة الشرق الأوسط بشكل عام.