عرفت الولايات المتحدة منذ نشأتها جماعات اليمين المتطرف، التي تكونت بعد الحرب الأهلية الأمريكية لرفض سياسة «تحرير العبيد». ولم تشهد البلاد منذ ذلك الوقت موجة من صعود اليمين، مثل التي شهدتها إبان ظهور الحركة «المكارثية» اليمينية في الستينيات من القرن الماضي، والتي راح ضحيتها أكثر من 200 شخص تم الزج بهم في السجون، بعد توجيه اتهامات لهم بالتآمر والخيانة، فضلا عن طرد 10 آلاف آخرين من وظائفهم والتنكيل بهم، وفق تهم ملفقة.

sss

ازداد صعود اليمين المتطرف في الولايات المتحدة بسبب الأزمة المالية العالمية، التي هزت العالم في 2008، والتي ظهرت بعدما مطالبات بقيام الدولة بإجراءات حمائية اقتصادية أكبر، مع تصاعد خطاب سياسي واجتماعي معاد للعولمة، ومنادٍ بالقومية في شكلها الشوفيني الشعبوي المتطرف.

 

كان الخطاب السياسي للرئيس «ترامب» أثناء حملته الانتخابية عام 2016، والذي اسـتند إلى رؤية شبه أيديولوجية معادية للإسلام وللمهاجرين والأقليات، إيذانا باحتلال اليمين المتطرف مساحة أوسع من التغطية الإعلامية؛ بالإضافة إلى كونه إنذارا بتصاعد معدلات جرائم الكراهية في البلاد.

خطاب «ترامب» السياسي أثناء حملته الانتخابية عام 2016، اسـتند إلى رؤية شبه أيديولوجية معادية للإسلام وللمهاجرين والأقليات

شكل فوز «ترامب» برئاسة الولايات المتحدة تحولاً جذرياً في طبيعة الخريطة السياسية للدولة الكبرى عالمياً، وسرعان ما لفت فوزه انتباه الرأي العام العالمي، الذي اعتبر أن وصول رئيس يدعم أفكار «اليمين المتطرف» إلى البيت الأبيض، يعنى حقبة سياسية مختلفة تماما في تاريخ البلاد، وحشداً جديداً لمزيد من صعود قوى اليمين في دول العالم أجمع.

ضخ فوز «ترامب» مزيدا من الدماء الجديدة في عروق اليمين الأمريكي، لتشهد الولايات المتحدة أكبر مسيرة جمعت كل أطياف المتطرفين اليمينيين لتأييد مزاعم «التفوق الأبيض» تحت شعار «وحدوا اليمين» والتي انطلقت في 11 أغسطس عام 2017 بشوارع مدينة شارلتوسفيل، بولاية فيرجينيا.

 

وعلى مدار يومين، انطلق المتظاهرون من أعضاء اليمين المتطرف واليمين البديل، الكونفدرالية الجديدة، الفاشيين الجدد، القوميين البيض، النازيين الجدد، كو كلوكس كلان، وميليشيات مختلفة، في شوارع المدينة مرددين هتافات وشعارات عنصرية، وحاملين بنادق نصف آلية، ورموز نازية ونازية جديدة (مثل الصليب المعقوف والصليب الحديدي)، والأعلام الكونفيدرالية، ورموز مختلفة لجماعات ضد المسلمين وأخرى معادية للسامية، وأعلنوا أن من بين أهداف مسيرتهم توحيد حركة «القومية البيضاء» الأمريكية. وخلال تلك المسيرة، قاد أحد أعضاء الجماعات المتطرفة ويدعى أليكس فيلدرز سيارته، وصدم حشدًا من المتظاهرين المناوئين لليمين الأمريكي، ما أدَّى لمقتل سيدة، وإصابة 28 آخرين.

اتخذ «ترامب، عددًا من الإجراءات التي عكست مدى تمثيله لبعض الأفكار التي تؤمن بها الحركات اليمينية المتشددة؛ إلى الدرجة التي جعلت ريتشارد سبنسر، أحد قادة حركة «القوميين البيض»، يصف ترامب باعتباره «صوت اليمين»، مؤكدا أن «العرق هو أساس هويتنا».

ريتشارد سبنسر، أحد قادة حركة «القوميين البيض»، يصف ترامب باعتباره «صوت اليمين»

وفي سبتمبر 2019، ألقى مكتب التحقيقات الفيدرالي، القبض على جندي في الجيش الأمريكي يدعى غاريت وليام سميث، للاشتباه في تخطيطه للقيام بعمليات إرهابية لصالح اليمين المتطرف. وذكر مكتب التحقيقات أن الجندي نشر معلومات على الإنترنت بشأن كيفية صنع القنابل، وناقش خطط لتفجير شبكة أخبار أمريكية كبرى، وناقش السفر إلى أوكرانيا للقتال مع جماعة يمينية متطرفة عنيفة.

ما يعزز من صعود تيار اليمين الأمريكي المتطرف مستقبلا، استمرار توجهات الرئيس «ترامب»، مثل مساعيه لمنع تدفق المهاجرين إلى الولايات المتحدة، وموقفه العدائي تجاه الأجانب بشل عام، فضلا عن التصريحات العنصرية المتطرفة التي يدلي بها بين الحين والآخر.