أظهرت نتائج الانتخابات البرلمانية البلجيكية التي أجريت في مايو 2019، تقدمًا غير مسبوق لحزب «الفلامنيون أولًا»، في مناطق شمال البلاد الناطقة بالهولندية، وهو من أكثر الأحزاب اليمينية تطرفًا في بلجيكا، ومعروف بعدائه الشديد للمسلمين والمهاجرين.

دلت نتائج هذه الانتخابات على صعود اليمين المتطرف والتيارات الشعبوية، الأمر الذي ألقى بظلاله على المشهدين السياسي الداخلي والخارجي معا، حيث تزامن صعود اليمين في بلجيكا مع تزايد قوة الأحزاب اليمينية وتأثيرها في دول الاتحاد الأوروبي، إذ تجمع بينها خمسة عناصر متداخلة، هي: العداء للنخب الحاكمة ومؤسسات الدولة وعملها، والموقف السلبي من العولمة والتجارة الحرة، وإثارة الخوف من الهجرة وموجات اللاجئين، وما يمثله ذلك من عبء على الاقتصاد، وفرص التوظيف، وتصاعد المشاعر القومية والقلق بشأن ضياع الهوية، و «الإسلاموفوبيا».

 

ذكر تقرير للاستخبارات البلجيكية نشر في مارس 2019، أن «اليمين المتطرف في أوروبا الغربية بدأ بتغيير نمط أنشطته، وأن قيادات بعض مجموعاته المتطرفة بدأت بأمر عناصرها بالتدريب على الرماية وحيازة أسلحة بطرق قانونية أو غير قانونية».

 

أكد التقرير وجود تنظيمات سرية لليمين المتطرف في بلجيكا، وبقية دول غرب أوروبا، يُطلق عليها حاليا «تنظيمات ذوي الياقات البيضاء»، لكون أعضائها من التكنوقراط والطبقة الوسطى البلجيكية، ما يعني حدوث تغييرات جذرية في بنية هذه التنظيمات خلال الأعوام الأخيرة، لافتا إلى أن «أنصار اليمين المتطرف لا يخفون إعجابهم بالنازية، وأنهم يتبنون العنف». وشدد التقرير على أن «معاداة الإسلام» وقضية المهاجرين أصبحتا من أهم المواضيع على أجندة الأوساط المتطرفة في بلجيكا، منذ أزمة المهاجرين في 2015 و2016.

تقرير للاستخبارات البلجيكية: يوجد تنظيمات سرية لليمين المتطرف في بلجيكا، وبقية دول غرب أوروبا

وأفاد بأن الاستخبارات البلجيكية تترقب مجموعة «الدروع والأصدقاء» اليمينية المتطرفة في بلجيكا، مبينا أن هذه المجموعة تخاطب فئات مختلفة في المجتمع بما فيها «اليمين المحافظ» وغير الداعمين للعنف، بالإضافة إلى داعمي العنصرية والنازية.

التطرف داخل الجيش

من جهة أخرى، حذر تقرير أصدرته اللجنة البرلمانية المكلفة بمراقبة عمل الأجهزة الأمنية والاستخباراتية، في يوليو 2018، من أن «الفكر اليميني المتشدد أصبح أكثر حضورا في الجيش البلجيكي من أي وقت مضى، وهو من أخطر مظاهر التطرف التي تواجهها البلاد». وألمح التقرير إلى أن التهديدات الثلاثة التي يواجهها الجيش، تتمثل في التطرف الإسلامي، واليمين المتشدد، وعناصر ما يطلق عليهم «عصابة أصحاب الدراجات النارية».

 

أفاد التقرير البرلماني أن ثمة زيادة في الملفات والجرائم والاعتداءات الإرهابية المرتبطة بالعنصرية في المجتمع البلجيكي خلال الأعوام الأخيرة، بلغت نسبة (13.5%)، مقارنة بعام 2016، وأن غالبية هذه الملفات متعلقة بنشاط اليمين المتطرف المعادي للأجانب في البلاد، وهي تتعلق بالعنصرية على أساس عرقي بنسبة (27%).

تقرير برلماني: 13.5% زيادة في الملفات والجرائم والاعتداءات الإرهابية المرتبطة بالعنصرية في المجتمع البلجيكي خلال الأعوام الأخيرة

بناء على التقرير، وافقت السلطات الحكومية البلجيكية على تخصيص (200) ألف يورو لتمويل (8) مشروعات تنفذها منظمات معنية بمجال الشباب، وهي مشروعات تهدف إلى مكافحة الاستقطاب والتطرف اليميني في أوساط الشباب، من خلال العمل على تجنب حدوث تزايد في أعداد الشباب المنتمين لهذه الأحزاب والجماعات ذات الطابع العنصري.

وارتفعت أسهم خطاب أحزاب اليمين المتطرف والتيارات الشعبوية في بلجيكا، مستفيدة من تعثر الأحزاب التقليدية في التعامل مع معضلات البلاد الاجتماعية المتعلقة بالعمالة والبطالة والأمن والاختلالات الاقتصادية، والتي لطالما رُبطت بظاهرة الهجرة والتخبط في استقبال المهاجرين وفق سياسة الحدود المفتوحة. وحصد اليمين المتطرف مزيدا من الأنصار في كل مرة كان الإرهاب يضرب بلجيكا.

ومن أبرز أحزاب اليمين المتطرف الصاعدة في بلجيكا «الحزب القومي الفلامنكي»، الذي حصل في الانتخابات التشريعية عام 2010 على (27) مقعدا من أصل (150) مقعداً، وهو حزب شعبوي متشدد، يطالب بوقف الهجرة وترحيل المهاجرين الموجودين على أرض البلاد، الذين يرى أنهم يعيشون على حساب الخدمات الاجتماعية.

وهناك أيضا حركة «بيغيدا»، وهي جماعة بلجيكية معروفة بعدائها للمهاجرين، وتظاهر نحو (200) شخص من الجماعة في مارس 2015 ضد ما أسموه «أسلمة الغرب»، وسوء استغلال حق اللجوء السياسي، وحصلت هذه التظاهرة الصغيرة على تأييد كبير في أوساط المثقفين، والأكاديميين، وذلك على الرغم من المنطلقات العنصرية الواضحة في أفكار هذه الجماعة بشكل عام.

من أخطر الأحزاب اليمينية في بلجيكا، حزب «فلامش بلانغ» الذي ظهر للوجود عام 1991، عبر تغيير اسم منظمة متطرفة تؤمن بتفوق البيض. وهو يركز في الانتخابات على قضية العداء للمهاجرين أكثر من أية قضية أخرى، زاعما أن الهجرة رفعت معدلات الجريمة، فضلا عن كونها تفرض ضغوطا اقتصادية، مؤكدا أن هجرة المسلمين تحديدا «تقوض الهوية البلجيكية وتهدد الوحدة الوطنية».

وتقول النائبة المستقلة في البرلمان البلجيكي، ماهينور أوزدمير، إن «أصحاب الياقات البيضاء الذين يجري الحديث عنهم في اليمين المتطرف، يتألفون من خريجي جامعات وشباب يشبهون في ملبسهم، النازيين الجدد، ومتوسط أعمار هؤلاء الأشخاص 22 عاما. ينظمون أنفسهم في الجامعات. وهذا يُظهر مستوى الخطر».

وتضيف النائبة أن «العنصرية في البلاد وصلت إلى درجة مختلفة عن العنصرية التقليدية. ومع الأسف هناك مؤيدون لها. يبرزون خطابات مثل المسيحية والفلمنكية الأصلية»، مشيرة إلى أن «الفئات المتطرفة في بلجيكا تتحدث بلغة الشعب وليس السياسيين، ما يؤكد عمق التوجه اليميني وتغلغله في كافة الأوساط العمرية والاجتماعية».