جاء إلقاء القبض على خلية «النواة الصلبة» اليمينية الإرهابية في ألمانيا مؤخرا، ليؤكد أن اليمين الأوروبي المتطرف يضرب من جديد، وأنه بات يمثل تحديا كبيرا للأمن القومي الأوروبي، ويشكل تهديدا واسع النطاق على المستوى العالمي.
مما يؤكد الصلات الفكرية واللوجيستية الوثيقة بين الجماعات اليمينية الأوروبية، وأنه تيار فكري يتهدد القارة بأكملها ولا يقتصر على بلد أوروبي بعينه، أن أعضاء الخلية الألمانية على علاقة بجماعة تسمى «جنود أودين»، وهي جمعية دفاع مدني يمينية متطرفة تأسست في فنلندا عام 2015، وامتدت أيضا إلى ألمانيا. ويظهر أعضاء الجماعة على الإنترنت في ملابس سوداء، وتحمل معاطفهم صورة جمجمة المقاتلين «الفايكينغ».
اقرأ أيضا: اليمين المتطرف يضرب ألمانيا.. ثنائية «الإرهاب والكراهية»
وكانت المخابرات العسكرية الألمانية قد أجرت الشهر الماضي تحقيقات بحق نحو 550 جندي بالجيش الألماني يشتبه في انتمائهم للتيار اليميني المتطرف. وقال رئيس المخابرات العسكرية كريستوف غرام لصحيفة «فيلت أم زونتاغ» الألمانية الأسبوعية إنه في عام 2019 وحده أُضيفت 360 حالة اشتباه جديدة، لافتا إلى أنه تمت إدانة 14 متطرفا، منهم 8 متطرفين يمينيين.
واعتقلت السلطات الألمانية اثني عشر عنصرا تابعا للخلية، متهمين بالتخطيط لتنفيذ هجمات إرهابية تستهدف ساسة وطالبي لجوء ومسلمين، لإحداث ظروف تتشابه مع نشوب «حرب أهلية» في البلاد.
ذكرت مجلة «دير شبيغل» الألمانية، أن السلطات الأمنية في ألمانيا صنفت الزعيم المشتبه به للجماعة على أنه «مصدر يميني متطرف» يعرض أمن البلاد للخطر، موضحة أن هيئة حماية الدستور (الاستخبارات الداخلية) صنفت «فرنر إس» (53 عاما) المنحدر من منطقة أوغسبورغ على هذا النحو قبل عدة أشهر. وأشارت المجلة إلى أن الشرطة صنفت مؤخرا على المستوى الاتحادي 53 شخصا على أنهم صدر خطر أمني.
أعضاء الخلية على علاقة بجماعة متطرفة تسمى «جنود أودين» تأسست في فنلندا عام 2015
كان زعيم المجموعة، والذي كانت السلطات قد وضعته قيد المراقبة، قد أبلغ متواطئين معه بمخططه في اجتماع عقد الأسبوع الماضي، وعلم المحققين بأمر الاجتماع عبر مخبر متخفٍ اخترق المجموعة التي كانت تخطط لاستهداف مساجد أثناء إقامة الصلاة في 6 ولايات، حتى توقع أكبر عدد ممكن من الضحايا الأبرياء.
ووفق النيابة الألمانية، تم تشكيل الخلية في سبتمبر الماضي، بهدف تقويض نظام الدولة والمجتمع في ألمانيا، وتبين قيام 4 من الموقوفين بإنشاء المجموعة اليمينية ذات الطابع الإرهابي، فيما أبدى الثمانية الآخرون استعدادا لتقديم دعم مالي أو مساعدة لحيازة أسلحة.
النيابة: تم تشكيل الخلية في سبتمبر الماضي، بهدف تقويض نظام الدولة والمجتمع في ألمانيا
وتشتبه السلطات في أن أعضاء الخلية الإرهابية اليمينية المشتبه بها التي يقودها «فرنر إس»، المصنف على أنه «إرهابي محتمل»، كانت تخطط لشن هجمات على مساجد، مؤكدة أن مثل هذه الخطط «حالة يتم التعامل معها بمنتهى الجدية» داخل الدوائر الأمنية.
اقرأ أيضا: «الإرهاب» في العالم (ملف)
وطرح اعتقال أعضاء الخلية تساؤلات سياسية خطيرة في البلاد، حيث تساءلت النائبة الألمانية أولا يلبكه «عمّا إذا كان مخبرون سريون تابعون للهيئة الاتحادية لحماية الدستور (الاستخبارات الداخلية بألمانيا) تورطوا في ذلك».
وأضافت «يلبكه» في تصريحات لصحيفة «راينيشه بوست» أنه «في كثير من الأحيان ساهمت الأجهزة الاستخباراتية نفسها في تشكيل هياكل يمينية، أو حمت بنفسها هذه الهياكل، لكي لا يتم تهديد مصادرها، مثلما حدث مثلا مع جماعة النازيين الجدد (الاشتراكيون الوطنيون تحت الأرض) إن إس يو»، مشيرة إلى أن هناك شخصا تابعا لشرطة منطقة الراين ضمن اليمنيين المشتبه فيهم.
رئيس المجلس الأعلى للمسلمين: المساجد ليست مؤمنة بالقدر الكافي
ووفق بيانات المكتب الاتحادي لحماية الدستور في ألمانيا، فإن عدد أعمال العنف ذات الدوافع اليمينية المتطرفة وكراهية الأجانب ارتفعت في البلاد من 774 في عام 2017، إلى 821 خلال العام الماضي.
حتى لحظة إعداد هذا التقرير شهدت مدينة هاناو بولاية هسن أمس الأربعاء، مقتل تسعة أشخاص في موقعين مختلفين، ثم عثرت الشرطة بعد الجريمة بساعات، على جثة الشخص الذي يشتبه بأنه هو من أطلق النار على الأشخاص التسعة، في مسكنه. كما عثرت القوات الخاصة في شقة الجاني المحتمل على جثة شخص آخر.
تولت النيابة المختصة في مكافحة الإرهاب اليوم الخميس التحقيق في جريمتي هاناو، ويُشتبه بأن يكون دافع المهاجم هو «كراهية الأجانب»، وفق ما قال متحدث لوكالة فرانس برس.
أجرت مؤسسة «فريدريش ناومان» الألمانية استطلاعا للرأي مؤخرا، شمل 1006 من الألمان تتراوح أعمارهم بين 16 و25 عاما. وأعرب نحو (25%) الشباب المستطلعة آراؤهم عن «انزعاجهم من بناء المساجد» في بلدهم. ووافقت هذه النسبة على عبارة «يزعجني بناء مساجد باستمرار في ألمانيا». وأظهر الاستطلاع أن نحو 50% المراهقين والشباب البالغين، يرون أنه لا يمكن أن يتبنى أحد في ألمانيا، على نحو صريح، آراء محددة في موضوعات مثل الهجرة أو الإسلام، من دون أن يتم تصنيفه على أنه «يميني» أو «يميني متطرف».
استطلاع رأي: أعرب نحو (25%) من الشباب المستطلعة آراؤهم عن انزعاجهم من بناء المساجد
من جانبه، قال أيمن مزيك، رئيس المجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا، إن «المساجد ليست مؤمنة بالقدر الكافي، واقترح أن يكون هناك أفراد من الشرطة لتأمين المساجد بشكل واضح»، فيما عقّب شتيفان سايبرت، المتحدث باسم المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، بأنه من مهام الدولة ضمان ممارسة الحرية الدينية لجميع المواطنين على السواء، دون أن يكونوا عرضة لأي تهديد من أي اتجاه.
وأكد الأمين العام للمجلس، عبد الصمد اليزيدي، أن قيام خلية إرهابية يمينية بالتخطيط لاستهداف المساجد في ألمانيا «بُعدٌ غير مسبوق»، وقال اليزيدي في مقابلة خاصة مع إذاعة صوت ألمانيا DW (دويتشه فيله) إن: «الأمر برمته يصل إلى بعد لم يسبق له مثيل في ألمانيا. المسلمون غير آمنين بتاتا ويشعرون أنه تم خذلانهم ويفكرون فيما يمكنهم فعله من أجل حماية دور عبادتهم».
في هذا الصدد، لفت «مرصد الأزهر لمكافحة التطرف» إلى تجاهل كثير من وسائل الإعلام الألمانية القبض على تلك الخلية الإرهابية، والتهديدات التي يتعرض لها المسلمون، مشيرًا إلى أنه «حذر في تقارير ودراسات وبيانات سابقة من تعاظم خطر تيار اليمين المتطرف، وشدد على ضرورة مواجهته فكريًّا وأمنيًّا؛ لما يمثله من خطر على الأمن القومي والسلم الاجتماعي والعيش المشترك في ألمانيا».
تعتزم ألمانيا إقرار قانون جديد لمكافحة جرائم الكراهية والمنشورات العنصرية وغيرها من المنشورات على الانترنت – كان مقررا إقراره أمس-، ومتوقع أن يكلف الجهاز القضائي نحو 24 مليون يورو سنويا.