تمثل المانيا في الأبحاث والدراسات التاريخية بلدا نموذجا في رصد ما يمكن أن يدرج في خانة إرهاب الدولة متمثلا في الحكم النازي في النصف الأول من القرن الماضي، وفي انبثاق جماعات فكرية تتخذ من العنف والإرهاب وسيلة لوضع أفكارها وبرامجها موضع التطبيق، ممثلة في جماعة بادر ماينهوف الإرهابية اليسارية، في سبعينيات القرن الماضي. أما الحاضر فقد فتح الإرهابيون فيه صفحة جديدة في هذا البلد الأوروبي العتيد.

sss

ففي مطلع يونيو 2019 هزت جريمة اغتيال فالتر لوبكه، رئيس المجلس المحلي لمدينة كاسل الألمانية، بسبب تأييده لاستقبال اللاجئين، الأوساط السياسية في البلاد، ودقت الواقعة ناقوس الخطر للمسؤولين الألمان، من أجل مكافحة الإرهاب المرتبط بالتطرف اليميني المتصاعد.

بدأت التهديدات بالقتل تصل «لوبكه» عام 2015 عندما دافع عن سياسة اللاجئين للمستشارة أنجيلا ميركل. وكسياسي إقليمي لحزبها المحافظ، كان «لوبكه» يذهب إلى البلدات الصغيرة في منطقته ليبين أن الترحيب بالمحتاجين والغرباء من صميم القيم الألمانية والمسيحية.

اغتيال فالتر لوبكه

جريمة مُعلن عنها

ظهر اسم «لوبكه» في قائمة «النازيين الجدد» على الإنترنت، وجرى نشر عنوان مسكنه الخاص على مدونة اليمين المتطرف. وتبادل الناس في ألمانيا على مدار نحو 4 سنوات، نشر مقطع فيديو مصور عنه، مئات الآلاف من المرات، وفي الخلفية ظهرت الشعارات النازية والرموز التعبيرية للبنادق والشرايين، والنداءات الصريحة في بعض الأحيان لقتله: «أطلقوا النار عليه الآن، هذا اللقيط»!

«كومبات 18».. ذراع مسلحة للشبكة النازية المعروفة باسم «الدم والشرف» التي تروج للعنف، ومشاريع واستراتيجيات «النضال المسلح» الإرهابي اليميني.

وبعد اغتيال «لوبكه»، كجريمة مُعلن عنها سلفا، تبين للسلطات الألمانية أن لمرتكب العملية الإرهابية صلات وطيدة مع المنظمة السرية النازية «كومبات 18» الناشطة في ولاية هسن. وتم تأسيس «كومبات 18»، وتعني «كوماندوز أدولف هتلر»، كذراع مسلحة للشبكة النازية المعروفة باسم «الدم والشرف» التي تروج للعنف، وتنشر مجلات عن كيفية صنع القنابل ومشاريع واستراتيجيات «النضال المسلح» الإرهابي اليميني.

المنظمة السرية النازية «كومبات 18» الناشطة في ولاية هسن

 

اغتالت هذه الخلية السرية النازية «كومبات 18»، بين عامي 2000 و2007 تسعة مهاجرين وشرطية ألمانية، ونفذت 43 محاولة اغتيال، وثلاثة اعتداءات بمتفجرات، وأعمال سرقة متعددة بهدف تمويل عملياتها الإرهابية.

اقرأ أيضًا: «الإرهاب» في العالم (ملف)

يقول المحلل السياسي الألماني مارسيل فورستناو إن اليمينيين المتطرفين نشطوا طوال عقود، وارتكبوا الاعتداءات بالحرق ضد الأجانب في مدينتي مولن وزولنجن في التسعينيات من القرن الماضي، وكان بالإمكان أن يطال ذلك كل شخص. وكان ضحاياهم الأجانب في غالبيتهم غير معروفين، ممن يسمون «الناس العاديين»، كان من سوء حظهم التواجد في الوقت غير المناسب وفي المكان الخاطئ. فكانوا مجبرين على الموت، لأنهم لا ينتمون، حسب تفسير قاتليهم الجبناء لألمانيا ويهددون «الوجدان الألماني» المفترض.

من جانبه، يشير الصحفي الألماني البارز «يورجن تودنهوفر» إلى أن جرائم القتل التي قام بها اليمين المتطرف داخل ألمانيا منذ عام 1990 حتى الآن جاوزت الـ 200 حالة، وهي من فعل عدد من المنظمات الإرهابية اليمينية.

صحفي ألماني: جرائم القتل التي قام بها اليمين المتطرف داخل ألمانيا منذ عام 1990 حتى الآن جاوزت الـ 200 حالة، وهي من فعل عدد من المنظمات الإرهابية اليمينية.

«البديل من أجل ألمانيا»

في معظم الجرائم الإرهابية التي ضربت ألمانيا خلال الأعوام الأخيرة، تتجه أصابع الاتهام إلى حزب «البديل من أجل ألمانيا» اليميني الشعبوي، حيث تتهمه جميع الأطراف الأخرى بالمساهمة في خلق بيئة مهيئة للصراع في البلاد، وذلك من خلال خطابه الشعبوي المتعصب لطروحات اليمين، ومنشوراته على وسائل التواصل الاجتماعي، بالإضافة إلى تهيئة المناخ للمتطرفين اليمينيين «لارتكاب جرائم» من خلال التشهير بالديمقراطيين الناشطين.

 

«البديل من أجل ألمانيا» هو حزب يميني متطرف تأسس في برلين عام 2013، ولكنه لم يحقق عتبة 5% من الأصوات المطلوبة لدخول البرلمان خلال الانتخابات الفيدرالية 2013. ولكنه أصبح ثالث أكبر حزب في ألمانيا بعد الانتخابات الفيدرالية 2017، حاصدا 94 مقعدا في البرلمان، وهو بذلك أول حزب يميني قومي يدخل البرلمان الألماني «البوندستاج» منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.

البديل

 

«مواطنو الرايخ»

وتعد جماعة «مواطنو الرايخ» من أخطر التنظيمات السرية الإرهابية في البلاد، حيث ينتمي أغلب أفرادها إلى اليمين المتطرف، وهم يرفضون الاعتراف بالجمهورية الاتحادية كدولة، وبلغ عددهم حتى عام 2018 حوالي 19 ألف شخص، وهم يلجأون إلى العنف من أجل تحقيق أهدافهم.

اقرأ أيضًا: كو كلولكس كلان.. «دواعش أمريكا»

واعتقلت الشرطة الألمانية في 2018 سبعة رجال، متهمة إياهم بتشكيل جماعة يمينية إرهابية تسمى «ثورة كيمنتز». وقال ممثلو الادعاء في القضية إنهم أحبطوا «مؤامرة متطرفة» تهدف إلى ضرب قلب مؤسسة الدولة في ألمانيا.

«مواطنو الرايخ»

 

صعود اليمين الألماني

أنشئت وكالة الاستخبارات الداخلية الألمانية، والمعروفة باسم «المكتب الفيدرالي لحماية الدستور»، عقب الحرب العالمية الثانية، بهدف منع ظهور «قوات مناهضة للديمقراطية» لتعمل كحزب نازي آخر. لكن مع وصول أكثر من مليون مهاجر منذ عام 2015، وغالبيتهم من الدول الإسلامية، ركزت الوكالة جهودها على تهديدات «التطرف الإسلامي»، وأهملت المتطرفين القوميين الألمان.

اقرأ أيضًا: أمريكا اللاتينية في مرمى «الإرهاب العابر للقارات»

وبحسب تقديرات الوكالة، فإن هناك 24100 متطرف معروف ينتمي لتيار اليمين المتطرف في ألمانيا، منهم 12700 يحتمل ميلهم للعنف، وهناك نحو 500 أمر اعتقال معلق لليمينيين المتطرفين.

وسجلت الشرطة الفيدرالية الألمانية (473 حالة) اعتداء ضد أماكن إقامة طالبي اللجوء في الأشهر التسعة الأولى من عام 2015، وذلك يمثل أكثر من ضعف إجمالي حالات الاعتداء في 2014، نتيجة لصعود منظمات اليمين المتطرف وتنامي العداء ضد المهاجرين.

المكتب الفيدرالي لحماية الدستور: 24100 متطرف ينتمي لتيار اليمين المتطرف في ألمانيا، منهم 12700 يحتمل ميلهم للعنف، ونحو 500 أمر اعتقال معلق لليمينيين المتطرفين.

وعمدت الحكومة الألمانية مؤخرا إلى زيادة عدد عناصر الوحدة المكلفة بمكافحة التطرف اليميني في جهاز الاستخبارات الداخلية بنسبة 50% العام الماضي 2019؛ لكي تقترب من مثيلتها المعنية بشؤون التنظيمات الإرهابية ذات «الإيديولوجيا الإسلامية».

المصادر:

اليمين المتطرف في ألمانيا.. خطر متزايد تريد الحكومة مكافحته

البديل من أجل ألمانيا

إرهاب يميني متطرف يثير المخاوف في ألمانيا

الأزهر يصدر تقريرا حول اليمين المتطرف في ألمانيا