أدى انتشار الإسلاموفوبيا وكراهية الأجانب وصعود اليمين المتطرف في أوروبا إلى موجة واسعة من الهجمات الإرهابية الدموية التي استهدفت المسلمين والمهاجرين.

آخرها كان الخميس الماضي، عندما هاجم دانييل هورتون البالغ من العمر 29 عاما، مسجد “ريجينت بارك” في العاصمة البريطانية لندن، وطعن إمام المسجد البالغ من العمر 70 عاما. 

شرطة “سكوتلاند يارد” اتهمت دانييل، مساء الجمعة، بالتسبب في أذى جسدي خطير وحيازة سكين حاد

الهجمات الإرهابية لليمين المتطرف زادت بنسبة 320% على مدى السنوات الخمس الماضية وحدها في جميع أنحاء أوروبا وأمريكا الشمالية وأوقيانوسيا.

الهجوم على المسجد في لندن جاء بعد ساعات من هجوم آخر لليمين المتطرف، في مدينة “هاناو” جنوبي غرب ألمانيا، يوم الأربعاء الماضي.

ويعد الهجوم الذي أسفر عن سقوط 9 أشخاص، معظمهم من الأجانب، دليل آخر على تصاعد كراهية الأجانب، والأفكار اليمينية المتطرفة في أوروبا، حيث قالت صحيفة “بيلد” الألمانية، إن المسلح ترك خطابا عبر فيه عن أفكاره المتطرفة.

ففي خلال الفترة من 2012 حتى 2014، سجلت السلطات الألمانية 70 هجوما على المساجد في البلاد، إلا أن عام 2016 وحده شهد تعرض 91 مسجدا للهجوم، وألقي القبض على متهم واحد فقط. 

الهجوم لم يكن الأول

رغم تصاعد هجمات اليمين المتطرف في أوروبا مؤخرا، إلا أنها لم تكن وليدة اللحظة، حيث تمتلك القارة العجوز تاريخا من هجمات الإرهابية لليمين المتطرف.

النرويج كانت مسرحا لواحدة من أكبر هذه الهجمات، في يوليو 2011، عندما قام عضو جماعة النازيين الجدد أندرس برينج بريفيك، بتفجير عدد من المباني الحكومية في أوسلو، مما أدى إلى مقتل ثمانية أشخاص وإصابة أكثر من 200.

السلطات الألمانية: هجوم هاناو مدفوع “بعقلية عنصرية عميقة”

بعد التفجيرات، ذهب المتهم إلى جزيرة “أوتويا” متنكرا في زي شرطي، وبدأ في إطلاق النار على المشاركين في معسكر الشباب السياسي لرابطة شباب العمال، وهو حزب سياسي يساري، مما أسفر عن مقتل 69 وإصابة أكثر من 110.

أفكار المتهم العنصرية ظهرت في بيان كتبه قبل الهجوم حمل عنوان “2083: إعلان الاستقلال الأوروبي” الذي اتهم فيه الإسلام والتعددية الثقافية والنسوية والليبرالية كسبب “للانتحار الثقافي” في أوروبا.

هجوم آخر لليمين المتطرف كانت السويد مسرحا له، حيث كان ارتفاع عدد المهاجرين مبرر الهجوم على مدرسة “كرونان” في مدينة “ترولهاتان” السويدية في أكتوبر 2015، والذي أسفر عن مقتل 3 أشخاص.

في فبراير 2018، أطلق لوكا ترايني، عضو حركة النازيين الجدد، النار وأصاب 6 مهاجرين أفارقة في بلدة ماشيراتا الإيطالية، وكتب مرتكب الهجوم على مسجدي “كرايستشيرش” في نيوزيلندا عام 2019 اسم “لوكا ترايني” على أحد الأسلحة، معتبره مصدر إلهام له.

وشهدت بريطانيا هجوما على مسجد في يونيو 2017، عندما قاد دارين أوزبورن سيارة بسرعة عالية، ودهس المصلين أثناء مغادرتهم أحد المساجد في فينسبري بارك، مما أسفر عن مقتل واحد وإصابة تسعة آخرين. 

أوزبورن نفذ هجومه بعد أن قرأ مجموعة من المنشورات اليمينية المتطرفة، الخاصة برابطة الدفاع الإنجليزية وحزب بريطانيا أولا المتطرف.

أمريكا مصدر الأفكار اليمينية

على الرغم من عدم ظهور أدلة مبكرة تربط هجوم هاناو بجماعات متطرفة أو أفراد متطرفين، إلا أن المحللين قالوا إن كل من خطاب المتهم الذي نشر على الإنترنت، وخلفيات الضحايا، توضح أن هجومه كان جزءا من نمط مستمر لإرهاب جماعات “تفوق البيض”.

الباحثة في مركز مكافحة التطرف التابع لرابطة مناهضة التشهير مارلين مايو، تقول إن المهاجم “استهدف أماكن معينة حيث علم أنه سيجد المهاجرين”، مضيفة أنه “استهدف المجموعات التي يعتقد أنها تضر بألمانيا وتدمر المجتمع والثقافة الألمانية”.

مارلين مايو: المهاجم استهدف المجموعات التي يعتقد أنها تضر بألمانيا

الأشخاص التسعة الذين قُتلوا في حانتين للشيشة في هاناو جميعهم من خلفيات مهاجرة، كثير منهم من الأتراك، حيث يشكل ذوو الخلفية التركية أكبر أقلية عرقية في ألمانيا.

ووصفت السلطات الألمانية المسلح بأنه مدفوع “بعقلية عنصرية عميقة”، وتحقق في إطلاق النار باعتباره عملا من أعمال الإرهاب الداخلي.

ويبدو أن مرتكب الهجوم، الألماني البالغ من العمر 43 عاما، كان مهووسا أيضا بأمريكا، ونظريات المؤامرة الأمريكية، وفقا للفيديو والوثائق المنشورة على الإنترنت التي تحقق فيها الشرطة الألمانية فيما يتعلق بالهجوم.

أحد مقاطع الفيديو، التي نُشرت على موقع “يوتيوب” تحت نفس اسم موقع الويب الذي يحتوي على بيان المسلح، أشار إلى مؤامرة حول إساءة معاملة الأطفال وتعذيبهم في أماكن سرية في أمريكا.

خبراء في التطرف العالمي قالوا إن التعليقات تتوازى مع العديد من المؤامرات الحديثة التي تحظى بشعبية بين اليمين المتطرف الأمريكي، بما في ذلك مؤامرة “Pizzagate”، التي دفعت مسلحا أمريكيا إلى اقتحام مطعم بيتزا في واشنطن عام 2016، معتقدا أنه المكان الذي تدار منه الشبكة السرية للاعتداء على الأطفال التي يديرها سياسيون ديمقراطيون رفيعو المستوى، حيث أطلق المسلح نيران بندقيته العسكرية داخل المطعم، لكن لم يصب أحد.

هذا الحادث، يعد دليلا على توسع نظريات جماعات تفوق البيض عالميا، بحسب مدير مركز دراسة الكراهية والتطرف في جامعة ولاية كاليفورنيا برايان ليفين ، حيث ساعد الإنترنت جماعات اليمين المتطرف على التواصل عبر الحدود وإيجاد قضية مشتركة، ودفع فكرة “أنك إذا تصرفت وارتكبت أعمال عنف في بلد واحد، فهذا من أجل مصلحة الجنس الأبيض على الصعيد العالمي”.

وأشار الخبراء إلى أن بيان هجوم “هاناو” على الإنترنت تضمن أيضا وصفا لمشاعر الكاتب في تحقير النساء وعدم قدرته على العثور على شريكة، مرددا نقاط الحديث عن كراهية النساء التي أدلى بها مرتكبو جرائم القتل الجماعي الأخيرة التي استهدفت النساء في الولايات المتحدة وكندا. 

فمثل العديد من عمليات إطلاق النار الجماعية الأمريكية، لهجوم هاناو صلة بالعنف المنزلي، حيث قالت السلطات إن مطلق النار ذهب إلى المنزل وأطلق النار على والدته حتى الموت قبل أن يقتل نفسه.