حذر جهاز الاستخبارات والأمن العام الهولندي، من أن التيار اليميني القائم على القومية المتطرفة، والذي من أفكاره الأساسية كراهية العناصر الأجنبية والثقافات الأخرى، يكتسب مكانة كبيرة في هولندا ويزداد انتشاراً يوما بعد يوم، وأن هذا التيار يتحدث – بشكل متزايد- عن تشجيع وتمجيد العنف ضد المسلمين على وجه الخصوص، كما يلجأ هذا التيار إلى العنف الإرهابي.

نبه جهاز المخابرات والأمن العام الهولندي AIVD في أكتوبر 2018، إلى أن جماعات اليمين المتطرف باتت تشكّل خطرا على البلاد في المستقبل القريب، لا سيما في ظل تهيئة أرضية خصبة للعنصرية والاستقطاب العنيف داخل المجتمع الهولندي، حيث يستفيد التيار الشعبوي اليميني المتطرف في هولندا من القلق الذي يسيطر على المواطنين بسبب تزايد أعداد المهاجرين، وبروز ظاهرة «الإسلاموفوبيا» في البلاد.

 

ليس الإرهاب اليميني في هولندا وليد اليوم، ففي ديسمبر 2015، احتلت مجموعة من الشباب اليميني المتطرف تطلق على نفسها حماة «الهوية» مسجد الفتح- في مدينة «دوردريخت» جنوب غربي هولندا- وقاموا برفع أعلام ولافتات معادية للإسلام والمسلمين عليه.

 

يقول كون فوسن، أستاذ العلوم السياسية بجامعة «نيميغن» الهولندية، إن صعود اليمين المتطرف في هولندا يعود فعلياً إلى حادثي اغتيال، هما: اغتيال السياسي اليميني بيم فورتوين عام 2002، واغتيال المخرج السينمائي ثيو فان جوخ بعد ذلك بعام، اللذان كانا بمثابة صدمة كهربائية للعقل الوطني الهولندي.

كون فوسن: صعود اليمين المتطرف في هولندا يعود فعلياً إلى حادثي اغتيال، هما: اغتيال السياسي اليميني بيم فورتوين عام 2002، واغتيال المخرج السينمائي ثيو فان جوخ بعد ذلك بعام

كان بيم فورتوين (1948-2002) من الوجوه البارزة في كراهية الأجانب، وقد خاض الانتخابات البرلمانية عام 2002 على برنامج مناهض للهجرة ومناهض للإسلام بشكل جذري.

أما ثيو فان جوخ فقد قُتل على يد شاب هولندي من أصول عربية إسلامية ويدعى محمد بويري، بسبب فيلم «الخضوع» الذي لم تتجاوز مدته 12 دقيقة. ويعرض الفيلم لما أسماه «سوء المعاملة» الذي قد يحدث للنساء في بعض بلدان العالم الإسلامي.

جرائم اليمين المتطرف

لجماعات اليمين الهولندي المتطرف العديد من الأحزاب العلنية والمنظمات السرية، منها حزب «من أجل الحرية» الذي تأسس في 22 فبراير 2006. الحزب ذو توجهات يمينية متطرفة معادية للأجانب، خصوصاً المسلمين. ويحمل أجندة ليبرالية متطرفة يستند منهجه إلى «التراث اليهودي المسيحي» في أوروبا.

مؤسس هذا الحزب هو جيرت فيلدرز، السياسي اليمني المتطرف الذي أثار عاصفة من الاحتجاجات في العالم الإسلامي بسبب إنتاجه لفيلم «فتنة» وتصريحاته المتكررة ضد الإسلام، وفي انتخابات 2010 حاز هذا الحزب 24 مقعداً من أصل 150 في مجلس النواب في البرلمان، ما جعله ثالث أكبر الأحزاب. كما يحظى هذا الحزب المتطرف بعشرة مقاعد في مجلس الشيوخ في البرلمان الهولندي و5 نواب في البرلمان الأوروبي.

 

كانت دعوة فيلدرز، لتنظيم مسابقة للرسوم الكاريكاتورية تصور النبي محمد (صلى الله عليه وسلم)، يونيو 2018، مؤشرًا على مدى تطرف هذه الحزب، فضلًا عن تنظيم متشددين تابعين للحزب حفل شواء لحوم الخنازير أمام أحد مساجد مدينة روتردام، تزامنًا مع وقت الإفطار في رمضان 2019.

من أبرز التنظيمات اليمينية المتطرفة في هولندا، حركة «إد فيرزيت» التي اعتدت في يناير 2018 على مسجد «أمير سلطان» في العاصمة الهولندية أمستردام، عبر تعليق لافتة كُتِبَ عليها عبارات عنصرية ناتجة عن ظاهرة الإسلاموفوبيا، ومجسم لإنسان مقطوع الرأس تم وضعه على باب المسجد.

 

نفذت الحركة نفسها اعتداء على مسجد «التوحيد» التابع للوقف التركي في مدينة «فينلو» الهولندية، وعلق أعضاء الحركة آنذاك لافتة تحمل عبارات عنصرية على مئذنة المسجد تحمل عبارات مكتوبة باللغتين التركية والهولندية منها «ابتعدوا من هنا، لا نريد مسلمين، هولندا ملكنا، لا نريد مساجد في منطقتنا».

كما تعد حركة أوروبيون وطنيون ضد أسلمة الغرب (بيغيدا) من أخطر حركات اليمين المتطرف في هولندا، ففي مارس 2018، غرس أعضاء من حركة (بيغيدا) المعادية للإسلام والمهاجرين في هولندا، 23 صليبًا في أرض مخصصة لبناء مسجد في مدينة (أنسخديه) (Enschede) الهولندية.

تحول نشاط حركة «بيغيدا» من خلال حراكها العنصري إلى صدام مباشر مع اللاجئين والمسلمين

تحول نشاط حركة «بيغيدا» من خلال حراكها العنصري إلى صدام مباشر مع اللاجئين والمسلمين، بحيث باتت تمثل تحديا كبيرا، خرج عن قدرة أجهزة أمن واستخبارات هولندا. وكان آخرها تنظيم هذه الحركة فعالية بمدينة آيندهوفن في يوليو 2019، تحولت إلى مواجهة بين أنصارها ومصلين غاضبين من هذه التصرفات.

تقول إينيكي فان دير فالك، الباحثة في جامعة ليدن الهولندية، إن «الأعمال العدائية العنصرية التي تتعرض لها المساجد تزايدت في الأعوام الأخيرة. والمجتمع المسلم في هولندا أصبحت لديه هواجس بسبب هذه الأعمال العدوانية التي تقع بمعدل 25 مرة في العام، وخلال الـ20 عاما الأخيرة، أطلقت إجراءات قانونية (27) مرة بسبب حرق المساجد خلال الاعتداءات. ورغم ذلك تم اتخاذ إجراءات قانونية محدودة للغاية».