تُجرى انتخابات مجلس الشورى “البرلمان” الإيراني، وسط أجواء توتر سياسي على المستوى الخارجي مع دولة كبرى بحجم الولايات المتحدة، وأزمة اقتصادية داخلية متصاعدة جراء تصاعد وتيرة العقوبات الأمريكية ضد طهران، وبعد أشهر قليلة من اندلاع “انتفاضة البنزين” في نوفمبر الماضي. فضلا عن الملمح الأبرز والذي يتمثل في إقصاء التيار الإصلاحي الذي أثار اننتقادات من جانب بعض النخب السياسية والثقافية الإيران
sss
وسط هذه الأجواء غير العادية، بلغ عدد المتقدمين للترشح في هذه الانتخابات التي يجري الإعداد لها منذ شهر ديسمبر 2019، نحو 16 ألف شخص، لم يُدرج في قائمة المرشحين سوى خمسة آلاف منهم بعد الانتهاء من عملية التدقيق والفحص في مدى “أهليتهم” للترشح بواسطة “مجلس صيانة الدستور” الذي يتكون من رجال المرشد الأعلى للبلاد علي خامنئي، بهدف قطع الطريق على مرشحي التيار الإصلاحي، خاصة مع وصول الأزمة مع الولايات المتحدة إلى حافة الهاوية.
استبعد “مجلس صيانة الدستور” عددا كبيرا من المرشحين الإصلاحيين، ما يمهد السبيل أمام سيطرة المحافظين على المجلس المقبل، حيث تم حرمان 90 من أعضاء مجلس الشورى الحالي من خوض الانتخابات من قِبل المجلس.
16 ألف مرشح لم يُدرج منهم في القائمة سوى 5 آلاف واستبعاد 90 من أعضاء المجلس الحالي
ذكر بيان لـ “مجلس تنسيق جبهة الإصلاحيين” صدر في يناير الماضي، أنه ليس هناك مرشحون يحسبون على الإصلاحيين في 230 دائرة انتخابية من أصل 290 دائرة، في حين لا يوجد سوى مرشح واحد في 160 دائرة انتخابية، ما يجعل العملية الانتخابية أقرب إلى عملية “تعيين النواب”.
يبلغ عدد مقاعد “مجلس الشورى الإسلامي” 290 مقعدا تمثل 208 دائرة انتخابية. وأكبر الدوائر الانتخابية هي دائرة العاصمة طهران، وحصتها 30 مقعداً، وتليها تبريز بستة مقاعد، ثم مشهد وأصفهان ولكل منهما خمسة مقاعد، ثم شيراز لها أربعة مقاعد. ولأغلب الدوائر الباقية نائب واحد فقط.
بيان لـ”مجلس تنسيق جبهة الإصلاحيين”: ليس هناك مرشحون يحسبون على الإصلاحيين في 230 دائرة انتخابية من أصل 290 دائرة، في حين لا يوجد سوى مرشح واحد في 160 دائرة انتخابية، ما يجعل العملية الانتخابية أقرب إلى عملية “تعيين النواب”.
من جانبه، انتقد الرئيس الإيراني حسن روحاني، المحسوبٌ على التيار الإصلاحي، استبعاد آلاف المرشحين من خوض الانتخابات المقبلة، لكنه في الوقت ذاته، دعا الإيرانيين للإقبال على عملية التصويت بكثافةٍ، في مواجهة دعواتٍ للعزوف والمقاطعة بدأت تتنامى في أوساط المعارضة الإصلاحية والمعتدلة في البلاد.
وقال روحاني في خطاب ألقاه أمام الآلاف بساحة “آزادي” وسط طهران مؤخرا: “خلال الانتخابات التشريعية سنتعرض لبعض الانتقادات، هذا ليس إشكالا.. لدينا حق النقد”. وأضاف: “أيتها الأمة الإيرانية العزيزة، أرجوك لا تكون سلبية، لا تديري ظهرك للصناديق.. الانتخابات والصناديق هما خلاصنا”.
الرئيس الإيراني حسن روحاني ينتقد استبعاد آلاف المرشحين من خوض الانتخابات المقبلة
الإصلاحيون في “طريق مسدود”
أدانت بعض النخب السياسية والثقافية الإيرانية استبعاد الإصلاحيين، سواء كانوا من الصف الأول أو الثاني، من خوض الانتخابات، معتبرة أن ذلك يعد “أزمة شرعية” قد تواجه النظام الحاكم في البلاد، على المدى البعيد، خاصة أن هذه المنع من الترشح طاول شخصيات تعد في عداد المحافظين، سبق لها أن رفعت صوتها معترضة على آليات إدارة البلاد، ولم تتردد في توجيه النقد والاعتراض على بعض مراكز القرار والسلطة التي يتحكم بها التيار المحافظ.
ووفق بيانات وزارة الداخلية الإيرانية، يحق لنحو 58 مليون شخص التصويت في الانتخابات، من بين إجمالي عدد السكان البالغ 83 مليونا. ويرى المراقبون أن ما بين 60 إلى 70% من الناخبين الإيرانيين غير موالين من الناحية السياسية للإصلاحيين أو المحافظين، ولكن نسبة مشاركة الإيرانيين في التصويت غالبا ما تتوقف على مدى إمكانية إحداث تغيير ما من خلال الانتخابات، فعندما تلوح في الأفق فرصة حدوث تغيير، يتدفقون على صناديق الاقتراع لتأييد الإصلاحيين.
غير أن الإصلاحيين يشعرون بأنهم وصلوا إلى طريق مسدود، وبنوع من العجز عن تشكيل الرأي العام الإيراني وتوجيهه عشية الانتخابات، وهو ما أشارت إليه صحيفة “كيهان” المقربة من المحافظين، التي قالت إن سبب عدم تقدم جبهة الإصلاحيين بقائمة مرشحين تمثلهم في انتخابات العاصمة طهران، التي اعتادوا الفوز فيها، يعود إلى “عجزهم وخسارتهم شعبيتهم في الشارع”.
يحق لنحو 58 مليون شخص التصويت في الانتخابات، من بين عدد السكان البالغ 83 مليونا
في المقابل، رد “مجلس تنسيق جبهة الإصلاحيين” على الصحيفة، مؤكدا أنه لم يتقدّم بمرشحين له في العاصمة طهران، وعدة مدن إيرانية كبرى، احتجاجا على منع عدد كبير من المرشحين التابعين للمعارضة المعتدلة، واستحالة إجراء انتخابات “منصفة”.
امتناع الإصلاحيين عن تقديم قوائم للتنافس على مقاعد طهران، البالغ عددها 30 مقعدا، يعد مؤشرا على برلمان جديد بتركيبة سياسية مختلفة تماما عن تركيبة الأربع سنوات الماضية، فمن مرجح أن يفقد المعسكر الإصلاحي الأغلبية في هذه الدورة البرلمانية، ولاسيما مقاعد طهران التي حصلوا عليها جميعا في الانتخابات البرلمانية السابقة فبراير “شباط” 2016.
من أسباب عدم تحمس الإصلاحيين للترشح في الانتخابات المقبلة، هو شعورهم بعدم جدوى وجودهم في المجلس، الذي تراجع دوره وتقلصت صلاحياته خلال السنوات القليلة الماضية، إلى حد أنه تم اتخاذ قرار رفع أسعار الوقود أواخر 2019 دون علم المجلس.
رجحت تقارير إعلامية غربية أن تقلل الانتخابات النيابية المقبلة فرص التفاوض على الملف النووي، وأن تعزز من قبضة خامنئي على مقدرات الأمور، فيما تواجه البلاد ضغوطا أمريكية متزايدة بشأن برنامجها النووي، وفي ظل استياء شعبي في الداخل من تأثيرات الأزمة مع الولايات المتحدة على الاقتصاد الإيراني الذي يواجه ضغوطا متزايدة، خاصة أن نظرية “الاقتصاد المقاوم” التي ابتدعها المرشد بلا ملامح محددة على مستوى التطبيق العملي.
يشار إلى أن الإصلاحين كانوا من أشد المدافعين عن الاتفاق النووي، واستطاعوا التغلب على التيار المحافظ في “مجلس الشورى”، الذي كان ينظر بريبة وشك للاتفاق. لكن مع انسحاب واشنطن من هذا الاتفاق، أصبح المحافظون في موقع أقوى، وبدا وكأنهم كانوا محقين في موقفهم من الاتفاق.
“وصية” قاسم سليماني
في أثناء الدعاية الانتخابية، استحضر بعض مرشحي المحافظين في لقاءاتهم الجماهيرية وصية منسوبة للجنرال الراحل قاسم سليماني، جاء فيها حرفيا “أرغب في مخاطبة السياسيين، الإصلاحيين والأصوليين، أنه مهما تنافستم وتجادلتم، فتعلموا أنه عندما تؤدي تصرفاتكم وتصريحاتكم ومناظراتكم إلى إضعاف الدين والثورة بنحو من الأنحاء، فسوف تكونون من المغضوب عليهم”.
وكان من المتوقع، وسط تكرار الاحتجاجات العنيفة خلال الأعوام الأخيرة، التي عبرت عن اتساع فجوة الثقة بين الشعب الإيراني والمؤسسة السياسية الحاكمة، وتزايد التوترات بين طهران واشنطن، أن يقدم خامنئي القليل من “التنازلات” لتهدئة الأوضاع داخلياً وخارجياً، ويسمح بوجود نيابي للحركة الإصلاحية، مع عدم السعي إلى إغلاق المجال السياسي في إيران. غير أن المؤشرات تدل على عكس ذلك تماما.
في انتخابات 2016 فاز الإصلاحيون والمعتدلون بنسبة 41% من مقاعد البرلمان، بينما فاز المحافظون بنسبة 29%، وحصل المستقلون على 28%، بينما تشير كل التوقعات إلى أن انتخابات الجمعة المقبل ستفرز واقعا سياسيا مختلفا في البلاد.
إلى ذلك، يتوقع مراقبون أن يهيمن “تحالف قوى الثورة الإسلامية” على مجلس الشورى الجديد، وهو أكبر تجمع لغلاة المحافظين، تم تأسيسه بعد أشهر طويلة من اللقاءات، لإسقاط سيطرة الإصلاحيين على مجلس الشورى، ويضم ضباطا وأفرادا سابقين في “الحرس الثوري” وقوات “الباسيج”، وشخصيات أخرى محسوبة على المحافظين المتشددين.
وسعيا إلى تحفيز الناخبين على الذهاب لصناديق الاقتراع، ومنع المحافظين من السيطرة على البرلمان بشكل نهائي لمدة 4 سنوات مقبلة، قدم علي ربيعي، المتحدث باسم الحكومة الإيرانية، رسالة دراماتيكية أكثر وضوحًا للناخبين، وقال: “الانتخابات المقبلة أهم انتخابات في تاريخ الجمهورية الإسلامية، والطريقة الوحيدة لمنع انهيار إيران هي الذهاب إلى صناديق الاقتراع”.