مخاطر فيروس “كورونا” المستجد، تزاد يوما بعد يوم وتتوحش بشكل يفرض تحديات جديدة في مفاهيم حقوق الإنسان، وأهمها الحق في تلقي العلاج، والأمر صار في حاجة لإصدار قرارات عاجلة وفورية، كل يوم، لمجابهة الفيروس.

قرار إعلان الحكومة الإسبانية تأميم جميع المستشفيات الخاصة، ومراكز الرعاية الصحية في البلاد، والاستعانة بطلبة كليات الطب في جهود علاج وتمريض المصابين بفيروس كورونا، أثار حالة من الجدل، والتساؤلات، عن مدي إمكانية تطبيقه فعليا في بعض الدول الغربية، و العربية ومنها مصر.

مصر تواجه “كورونا”

وزارة الصحة المصرية، أعلنت، مساء أول أمس، الاثنين حجرا صحيا، على 300 أسرة في الدقهلية، بحسب ما أعلنته الدكتورة هالة زايد وزيرة الصحة والسكان، مؤكدة على اتخاذ إجراءات قوية جدًا في محافظة الدقهلية، بإغلاق المنافذ ومحاولة تقصي الحقيقة بشكل قوي.

وقالت “زايد”،  “حصرنا 300 أسرة في الدقهلية، وأجرينا حجرًا لهم، وجرى رفع التقصي واتخاذ إجراءات تطهير في المركز، وسيجري عدم المخالطة مع أي شخص من محافظة أخرى، لمدة 14 يومًا”.

 

وكانت “الصحة المصرية “وضعت ثلاث  سيناريوهات لمواجهة الفيروس  حال ظهوره في مصر لاحتواء الموقف ولتأمين المواطنين من الإصابة بالمرض،  وتختلف الخطة حسب درجة ظهور المرض وحجم انتشاره، وشملت إحداهما،  توفير الكواشف الطبية اللازمة للكشف عن الإصابة بالفيروس من عدمه بالمعامل المركزية بالوزارة بكميات كافية لاستغلالها عند الحاجة، وتأمين احتياجات البلاد من الأدوية والمستلزمات الطبية والمطهرات والكمامات اللازمة للوقاية والحماية من الإصابة بالمرض خاصة المستشفيات كما تم رفع إجراءات مكافحة العدوى”.

الإجراءات الاحترازية تضمنت أيضًا، تخصيص مستشفى للعزل بكل محافظة على مستوى الجمهورية حال ظهور حالات مرضية مصابة بفيروس كورونا كما تم توفير أدوية الطوارئ وخوافض الحرارة والمضادات الحيوية

الإجراءات الاحترازية تضمنت أيضًا، تخصيص مستشفى للعزل بكل محافظة على مستوى الجمهورية حال ظهور حالات مرضية مصابة بفيروس كورونا كما تم توفير أدوية الطوارئ وخوافض الحرارة والمضادات الحيوية، وهناك تنسيق بين مستشفيات الحميات والصدر لنقل الحالات بشكل سريع حال ظهور أي إصابات أو حالات مشتبه في إصابتها سواء ظهرت عليها الأعراض أم لا.

اقرأ أيضًا: نقص المستلزمات وتأهيل الأطباء.. تحديات محاصرة الصحة لـ”كورونا”

ووضعت الوزارة خطة احترازية ووقائية أخرى بمراجعة جميع الاستعدادات من قبل الهيئات المعنية بالمحافظات والمستشفيات الجامعية والخاصة والمجتمع المدني”.

ما أعلنته الحكومة المصرية ووزارة الصحة من إجراءات كان محل إشاده من ممثل منظمة الصحة العالمية بمصر الدكتور “جون جابور” ، في التعامل مع الموقف، وحرصها على إبلاغ المنظمة بالحالة فور الاشتباه بها، فضلا عن الإجراءات الوقائية التي اتخذتها الوزارة  حيال الحالات المكتشفة والمخالطين لها.

“المستشفيات المصرية”

وحسب النشرة السنوية لإحصاءات الخدمات الصحية لعام 2018، الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في ديسمبر 2019، بلغ إجمالي عدد المرضى الذين تم علاجهم على نفقة الدولة بالخارج والداخل 2.6 مليون مريض بتكلفة 8.4 مليار جنيه عام 2018، في حين بلغ إجمالي عدد المستشفيات 691 مستشفى.

وبالنسبة للقطاع الخاص قدرت النشرة، إجمالي عدد المستشفيات 1157 مستشفى خاص بإجمالي عدد أسرة  بالداخل  35320 سريراً، يعمل بها 30733 طبيبا، ونحو 22766 ممرضاً وممرضة

وبلغ إجمالي عدد مستشفيات الجامعات 89 مستشفى، وبلغ إجمالي عدد الأسرة  في المستشفيات 95683 سريرا، بينما بلغ إجمالي عدد الأطباء 113305 طبيب ما بين بشريين وأسنان، في حين بلغ إجمالي عدد هيئة التمريض 196686 ممرضا وممرضة، وبلغ إجمالي عدد المنتفعين بالتأمين الصحي 55.6 مليون، كما بلغ إجمالي عدد مراكز الإسعاف 1464 مركزاً.

وبالنسبة للقطاع الخاص قدرت النشرة، إجمالي عدد المستشفيات 1157 مستشفى خاص بإجمالي عدد أسرة  بالداخل  35320 سريراً، يعمل بها 30733 طبيبا، ونحو 22766 ممرضاً وممرضة.

أسبانيا والتأميم

وزير الصحة الإسباني، سلفادور إيلا، أعلن الإثنين الماضي، عن القرار الذي سيتيح للحكومة الاستفادة من جميع منشآت الرعاية الصحية في البلاد أيا كان مالكها، فضلا عن مصادرة ما لدى شركات إنتاج المعدات الطبية ومورديها من أقنعة وكمامات واختبارات كشف وغيرها من المواد اللازمة لمعالجة كورونا، بحسب وسائل إعلام محلية ودولية اعتبرتها خطوة جريئة لابد منها.

وأعلنت الحكومة الإسبانية، الأسبوع الماضي حالة الطوارئ الوطنية، وأغلقت المدارس، والأماكن العامة وطالبت المواطنين بعدم مغادرة المنزل إلا للذهاب للعمل أو شراء الضروريات مثل الطعام والأدوية.

 

قدرت المعطيات الرسمية الإسبانية، تسجيل 9191 حالة إصابة بالفيروس في إسبانيا حتى أمس الإثنين وسجلت 309 حالة وفاة.

الخطوة التي وصفتها تقارير إعلامية دولية بـ “الجريئة” للسلطات الإسبانية، بعدما أصبحت ثالث أكثر الدول تأثرًا بالفيروس، ربما قد تتبعها خطوات من دول أخري، ورغم ما تشهده البلاد من تقدم ونمو إلا أنه يظل الهاجس الأكبر لها، ارتفاع فاتورة الرعاية الصحية.

أسرّة غير كافية

الحال في إسبانيا التي يصنف اقتصادها ضمن أكبر اقتصاديات دول العالم والخامس في الاتحاد الأوروبي، وتأتي في المرتبة العاشرة عالميا ضمن مؤشر نوعية الحياة فيها، ربما تكون أفضل نسبيا من إيطاليا، التي يقول أطباء إيطاليون أنهم يخوضون معركة التصدي لتفشي فيروس كورونا في البلاد، إنهم يضطرون إلى الاختيار بين من يتلقى العلاج أولا لإنقاذ حياته ومن يُحرم من ذلك بسبب ارتفاع عدد المصابين، بحسب موقع هيئة الإذاعة البريطانية.

وتحتل إيطاليا المرتبة الثانية على مستوى العالم بعد اليابان من حيث عدد كبار السن، ما يعني أنهم معرضون بشكل خاص لخطر الإصابة بأعراض بالفيروس الحادة، وفقا لـ منظمة الأمم المتحدة 

جهود كبيرة وتحديات أكبر تواجه إيطاليا للتعامل مع ما يكفي من أسرّة داخل المستشفيات لعلاج المرضى، وهي خطوة غير مسبوقة في وقت السلم.

اقرأ أيضًا:هلع عالمي بسبب كورونا.. مطالب للحكومات بضمان حقوق الإنسان للمصابين

رئيس وحدة الرعاية المركزة في مستشفى “بير غامو”، الواقعة في المنطقة الشمالية من مدينة، لومباردي، كريستيان سالا رولي، صرحت لـ صحيفة “كوريي ري ديلا سيرا”، قائلة:”إذا كان عمر الشخص بين 80 و95 عاما ويعاني من ضيق تنفسي شديد، فمن غير المحتمل أن يحصل على العلاج، إنها كلمات بالغة الصعوبة، لكنها للأسف حقيقة، لسنا في وضع يسمح لنا بتجربة ما يسمى معجزات”.

 

تسبب انتشار فيروس كورونا في وفاة نحو 1809 حالة، من أصل 24747 حالة إصابة حتى أمس، الاثنين، وفقا للإحصاءات الرسمية الإيطالية، وهو ما يعادل نحو ثُلث حالات الوفاة المسجلة في الصين من جراء الإصابة بالفيروس.

وتحتل إيطاليا المرتبة الثانية على مستوى العالم بعد اليابان من حيث عدد كبار السن، ما يعني أنهم معرضون بشكل خاص لخطر الإصابة بأعراض بالفيروس الحادة، وفقا لـ منظمة الأمم المتحدة.

 الحق في الصحة

ما سبق يثير تساؤلات بشأن إعادة النظر في مفهوم الحق في الصحة، والذي يعرف بأنه الحق الاقتصادي والاجتماعي والثقافي في الحصول على الحد الأدنى من معايير الصحة العامة التي يحق لجميع الأفراد التمتع بها.

وهناك جدل قائم حول تفسير الحق في الصحة وتطبيقه بسبب اعتبارات كتعريف الصحة، والحد الأدنى من الاستحقاقات التي يشملها الحق في الصحة، وما هي المؤسسات المسؤولة عن ضمان الحق في الصحة 

 ومفهوم الحق في الصحة تردد في العديد من الاتفاقيات الدولية ومنها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وفي اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة.

 وهناك جدل قائم حول تفسير الحق في الصحة وتطبيقه بسبب اعتبارات كتعريف الصحة، والحد الأدنى من الاستحقاقات التي يشملها الحق في الصحة، وما هي المؤسسات المسؤولة عن ضمان الحق في الصحة.

دستور “الصحة العالمية”

وتُعرِّف ديباجة دستور منظمة الصحة العالمية الصادر في عام 1946 الصحة على نطاق واسعٍ بأنها “حالة من الرفاه البدني والعقلي والاجتماعي التام، ولا تعبّر فقط عن غياب الوهن أو المرض”، ويعرف الدستور الحق في الصحة بأنه “التمتع بأعلى مستوى يمكن الوصول إليه من الصحة”، ويعدد أيضًا بعض مبادئ هذا الحق، كنمو الطفل بطريقة صحية، والنشر العادل للمعرفة الطبية وفوائدها، والتدابير الاجتماعية التي تقدمها الحكومة لضمان الحالة الصحية المناسبة.

ما أعلنته أسبانيا من تأميم المستشفيات الخاصة جاء تطبيقا وتأكيدا على أن الحق في الصحة باعتباره حقًا أساسيًا وغير قابل للمصادرة من حقوق الإنسان”، ولا يمكن للحكومات أن تحرم مواطنيها منه، بل على العكس، فهي ملزمة بحمايته ودعمه.

الإعلان العالمي لحقوق الإنسان

وتنص المادة 25 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر في عام 1948 عن الأمم المتحدة أنه ” لكل شخص حقٌّ في مستوى معيشة يكفي لضمان الصحة والرفاهية له ولأسرته، وخصوصًا على صعيد المأكل، والملبس، والمسكن، والعناية الطبية، والخدمات الاجتماعية الضرورية”.

الإعلان العالمي لحقوق الإنسان يوفر أيضًا تسهيلات إضافية للأمان في حالات الوهن الجسدي أو الإعاقة، ويشير بشكل خاص إلى الرعاية المقدمة لمن هم في مرحلة الأمومة أو الطفولة.

العلاقة بين الصحة وحقوق الإنسان هي علاقة ميكانيكية غير قابلة للفصل 

مواثيق دولية عديدة تناولت الحق في الصحة منها، الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، التي اعتُمدت في عام 1965 ودخلت حيز التنفيذ في عام 1969، موضوع الصحة بإيجاز، وتدعو الدول إلى »حظر التمييز العنصري والقضاء عليه بكافة أشكاله، وضمان حق كل إنسان، دون تمييز بسبب العرق أو اللون أو الأصل القومي أو الأثني، في المساواة أمام القانون”، أيضًا تُعرّف الأمم المتحدة الحق في الصحة  في المادة 12 من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لعام 1966، والذي ينص على “تقر الدول الأطراف في هذا العهد بحق كل إنسان في التمتع بأعلى مستوى من الصحة الجسمية والعقلية يمكن بلوغه.

تشمل التدابير التي يتعين على الدول الأطراف في هذا العهد اتخاذها لتأمين الممارسة الكاملة لهذا الحق تلك التدابيرَ اللازمة من أجل، العمل على خفض معدل وفيات المواليد ومعدل وفيات الرضع وتأمين نمو الطفل نموًا صحيًا، والوقاية من الأمراض الوبائية والمتوطنة والمهنية والأمراض الأخرى وعلاجها ومكافحتها، وتهيئة ظروف من شأنها تأمين الخدمات الطبية والعناية الطبية للجميع في حالة المرض.

 الصحة وحقوق الإنسان

“وتعتبر الصحة وحقوق الإنسان نهجين متكاملين يتحدد من خلالهما رفاهية الإنسان وينهضان بها” هكذا أعلنها أستاذ علم الأوبئة والصحة الدولية في كليّة الصحة العامة في جامعة هارفارد، البروفيسور، جوناثان مان، العالم بمركز فرانسوا كزافييه باغنود للصحة وحقوق الإنسان، والذي  يعتبره الكثيرين رائدا في مجال تعزيز الصحة العامة ومدافعًا عن الأخلاق وحقوق الإنسان، وإليه يرجع الفضل في طرح نظرية مفادها أن “العلاقة بين الصحة وحقوق الإنسان هي علاقة ميكانيكية غير قابلة للفصل”، و أنشأ “مان”  مع زملائه عام 1994، مجلة الصحة وحقوق الإنسان «تأكيدًا على الارتباط الوثيق بينهما”.