اعتمد المؤشر العالمي للإرهاب على المصادر المفتوحة في الإعلام الدولي وشبكة الإنترنت، ما يترتب عليه مشكلات تتعلق بقراءة المشهد الحقيقي للتهديدات الإرهابية عالميا، خصوصا في ظل ما يؤكده بعض الخبراء من أن إنشاء بيانات عن الإرهاب الدولي من المصادر المفتوحة أمر فوضوي.

sss

وهذا لا يعني التقليل من أهمية قاعدة بيانات الإرهاب العالمية، وكذلك نتائج المؤشر العالمي للإرهاب، إلا أنها تنبهنا إلى ضرورة عدم التسليم بأن كل ما جاء به هو بمثابة حقائق، ومن ثم عدم التسليم بنتائجها في الوقوف على درجة تأثير الإرهاب عالميا، وبناء سياسات مكافحة الإرهاب على هذا الأساس. صحيفة “واشنطن بوست” في سلسلة تقارير نشرتها عام 2014، شككت في درجة موثوقية “قاعدة الإرهاب العالمية” التي يصدرها بشكل دوري منذ عام 2000 “المؤشر العالمي السنوي حول الإرهاب”(GTI)، وتساءلت عن أبرز المشكلات المرتبطة بعملية جمع البيانات، والتي يترتب عليها مشكلات تتعلق بقراءة المشهد الحقيقي للتهديدات الإرهابية عالميا؟

مؤشر الإرهاب العالمي” (GTI) هو تقرير ينشر سنويا عن معهد الاقتصاد والسلام (IEP) الذي يعتمد في بياناته على قاعدة البيانات الإرهابية، التابعة للاتحاد الوطني لدراسة الإرهاب والرد على الإرهاب في جامعة ماريلاند، بالولايات المتحدة الأمريكية. الذي يتلقى بدوره تمويل جزئيا من وزارة الأمن الداخلي الأمريكية (DHS)، التي تم انشاؤها نتيجة أحداث 11 سبتمبر.

يوفر هذا المؤشر ملخصا شاملا للتوجهات والأنماط العالمية المؤثرة في الإرهاب منذ 2000. وينتج مجموع نقاط مركبا، ليوفر تصنيفا ترتيبيا للبلاد فيما يخص التأثير على الإرهاب.

يدمج المؤشر عددا من العوامل المرتبطة بالهجمات الإرهابية لبناء صورة واضحة لتأثير الإرهاب، ورسم التوجهات، وتوفير سلسلة من البيانات للتحليل بواسطة الباحثين وصانعي السياسات عبر العالم، ما يعني ضرورة التأكد من مصداقيته، لكونه على هذه الدرجة من الخطورة والأهمية.

يغطى أكثر من 163 دولة، أي 99.7% من سكان العالم. هدف التقرير هو فحص التوجهات والمساعدة في تكوين مناظرة إيجابية وعملية حول مستقبل الإرهاب والسياسات المطلوبة.

يغطي المؤشر أكثر من 163 دولة، أي 99.7% من سكان العالم

أخطاء في المؤشر

بحسب “واشنطن بوست”، فإن عدد المصادر المعتمد عليها في إدراج العمليات الإرهابية المدرجة بقاعدة البيانات في المؤشر، كانت واحدة من ضمن الإشكاليات التي أثيرت حول دقة “قاعدة الإرهاب العالمية”، والتي تتمثل في كون القاعدة في جمع العمليات، تكتفي بوجود مصدر واحد للتأكد من صحتها. مما يحدث فارقاً في عدد العمليات الإرهابية بينها وبين غيرها من القواعد. صحيح أن الاعتماد على مصدر واحد لا ينفي بصورة كاملة صحة العملية، إلا أنه يضع نسبة ليست قليلة من الشك في مصداقية الحادث.

واشنطن بوست: عدد المصادر المعتمد عليها في إدراج العمليات الإرهابية المدرجة بقاعدة البيانات في المؤشر، كانت واحدة

ولا جدال أن الاعتماد على المصادر المفتوحة من شأنه أن يشكك – بقوة- في موثوقية ودقة “المؤشر العالمي للإرهاب”، خصوصا مع حدوث تضارب كبير في الأنباء التي يعتمد عليها التقرير، فيما يتعلق بعدد ضحايا حادث إرهابي واحد، ففي 11 سبتمبر 2018، قام شخص انتحاري بتفجير شخص نفسه وسط مجموعة من المحتجين في أفغانستان ضد حركة “طالبان”. ووفقا لوكالة “أسوشيتد برس” العالمية بلغ عدد ضحايا العملية الإرهابية (32) شخصاً، غير أن صحيفة “نيويورك تايمز” ذكرت أن عدد الضحايا (68) شخصاً.

رغم الفارق الكبير في عدد الضحايا، اعتمد المؤشر بصورة أساسية على تلك المعلومة التي رصدتها نيويورك تايمز، وأضافت عليه الانتحاري منفذ العملية، فأصبح العدد -وفقاً للمؤشر- (69) ضحية.

ثمة مشكلة أخرى أساسية تظهر بناء على عدم الدقة بالأرقام المحتسبة في المؤشر العالمي للإرهاب، حيث يتم احتساب الوفيات من المستهدفين والمهاجمين معا ضمن أعداد ضحايا بعض التنظيمات الإرهابية، وهو ما يؤكد فرضية عدم الدقة وتدني مستوى الموثوقية في التقرير، الذي قد تعتمد عليه بعض الدول في رسم سياستها لمكافحة الإرهاب.

ذكر الكتيب الخاص بالمؤشر أنه “يُحسب الرقم، بناء على مجموع الضحايا من المستهدفين والفاعلين، من زاوية، وفي حال عدم تمكن القائمين على الرصد من توفر عدد أي من الطرفين يقومون بحساب الطرف المتاح معلومات عنه فقط”.

المؤشر: حال عدم تمكن القائمين على الرصد من توفر عدد أي من الطرفين يقومون بحساب الطرف المتاح معلومات عنه فقط

يحسب هذا الحقل ضمن إجمالي عدد الوفيات المؤكدة للحادث. ويشمل الرقم جميع الضحايا والمهاجمين الذين ماتوا كنتيجة مباشرة للحادث، إذا كانت المعلومات مفقودة فيما يتعلق بعدد الضحايا الذين قُتلوا في الهجوم، لكن الجناة القتلى معروفون، فإن هذه القيمة ستعكس فقط عدد الجناة الذين لقوا حتفهم نتيجة للحادث.

كمثال على ذلك، أدرج المؤشر عملية إرهابية وقعت بولاية فرح في أفغانستان، نفذتها حركة “طالبان” في 12 مايو (أيار) 2018. ووفقاً للمؤشر أسفرت العملية عن مقتل نحو (61) فرداً، ويضع المؤشر في الشرح تفصيلا لتلك العملية، فيتبين أن عدد الوفيات من المستهدفين بالعملية بلغ (16) فرداً، وعدد الضحايا من المهاجمين (45) فرداً، إلا أن هذا الرقم في النهاية يسجل ضمن تقديرات الضحايا الناتجة عن عمليات “طالبان”، مما يبالغ بصورة واضحة في حجم الضحايا الناتج عن عمليات الحركة.

تكرر هذا الأمر أيضا في العملية الإرهابية الدموية المسجلة يوم 15 مايو 2018، المرصودة ضمن المؤشر، حول هجوم نحو (2000) من حركة “طالبان” على الولاية فرح، حيث يسجل المؤشر عدد الوفيات (330) شخصاً، وهو رقم صحيح، إلا أن المشكلة في الرقم، أن المسجل من بينه (300) حالة وفاة من المهاجمين من حركة “طالبان”.

بناء على مثل هذه الأخطاء، أظهر مؤشر الإرهاب العالمي لعام 2019، أن الهجمات التي نفذتها حركة “طالبان” خلال العام 2018، كانت أكثر فتكا من أي هجمات شنتها تنظيمات أخرى حول العالم بما فيها “داعش”.

وجاء في التقرير أن “طالبان” حصدت أراوحا بصورة أكبر للغاية مما قام به تنظيم “داعش” العام قبل الماضي، رغم أن عدد الوفيات الناجم عن عمليات إرهابية تراجع خلال 2018.

وعبر رصد عمليات شهر ديسمبر 2018 للتنظيمين، الواردة ضمن المؤشر العالمي للإرهاب، يتبين أن قاعدة البيانات تسجل لحركة طالبان (99) عملية، أسفرت عن (633) ضحية، في حين تسجل لتنظيم داعش (23) عملية أسفرت عن (19) ضحية. وعلى الرغم من أن تلك الأرقام، تختلف مع المؤشرات الأخرى، التي تسجل لطالبان (44) عملية أسفرت عن (199) ضحية، ولتنظيم داعش (35) عملية أسفرت عن (218) ضحية.

يرى الباحث بمركز المسبار للدراسات والبحوث، محمد مختار قنديل أن “إشكالية المبالغة في الأثر، من ناحية الدمج في عدد الوفيات بين المستهدفين والمنفذين، ضمن التقرير، يؤدي إلى إظهار تنظيمات أكثر دموية من غيرها، وذلك دون تقييم واقعي ودقيق لما ترتب على عدد العمليات من ضحايا من المستهدفين، فمن المحتمل أن تكون النسبة الغالبة من عدد ضحايا منسوبة لتنظيم ما، ناتجة عن عدد الوفيات في صفوفه، وليس فيمن يستهدفهم، والإشكالية الأكثر تظهر أيضا في تكرار حساب مجموع عدد الضحايا في سلسلة عمليات.

محمد مختار قنديل: الدمج في عدد الوفيات بين المستهدفين والمنفذين، ضمن التقرير، يؤدي إلى إظهار تنظيمات أكثر دموية من غيرها

“هذا بالإضافة إلى أن الاعتماد على مصدر واحد لإدراج عملية إرهابية ضمن قاعدة البيانات، أو نسب العملية لتنظيم بعينه، يضع نسبة كبيرة من الشك في مدى مصداقية حدوث العملية بالأساس، أو تصنيفها كعملية إرهابية، أو كونها منسوبة لتنظيم بعينه، مما يزيد من عدد العمليات في المجمل، ويرفع من رصيد عمليات تنظيم ما، ومن ثم يشوب التحليلات والسياسات القائمة على بيانات مؤشر الإرهاب العالمي، جزء ليس بقليل من عدم الدقة وغياب المصداقية”.