يطرح أديسو لاشيتو الباحث الزميل ببرنامج التنمية والاقتصاد الدولي بمعهد بروكينغز للدراسات إنه على دول النيل أن تشترك في مسؤولية تصميم سبل التشارك في نهر النيل بإنصاف. وأنه بالنظر إلى تعقد تاريخ وعمق مسألة نهر النيل، فإن التوصل إلى حل مستدام يكون فقط عبر الجهد المشترك الذي يقر بالمصير المشترك للدول المطلة على النيل. وأنه بدلا من التعجل في اتفاقية والتعامل مع تبعات ذلك لاحقا، ينبغي على إثيوبيا، ومصر، والسودان التعاون لتصميم إطار شرعي يكون من شأنه أن يخدم مصالحهم المشتركة على المدى الطويل.

يستهل الكاتب بإيضاح أن مشروع سد النهضة الإثيوبي قد أصبح موضعا للخلافات بين إثيوبيا، ومصر، والسودان في السنوات الأخيرة. والذي تم الانتهاء من 70% من السد، ومن المتوقع أن يبدأ في مخزونه في الامتلاء في موسم الأمطار لعام 2020. برغم ذلك، فإن الثلاث دول لم تتوصل بعد إلى اتفاق على عملية ملء السد وتشغيله برغم سنوات من المفاوضات. 

ويفيد الكاتب بأن تلك التوترات ليست بجديدة: فقد كانت خلافات نهر النيل سببا في العداء بين إثيوبيا ومصر لقرون. ويضيف أن النيل الأزرق، الذي يتدفق من مرتفعات إثيوبيا، يساهم بنحو أكثر من نصف التدفق السنوي للنيل (أما الباقي فيأتي من النيل الأبيض، الذي يتدفق من بحيرة فيكتوريا، ونهري عطبرة‎ وسيتيت، اللذان يتدفقان من إثيوبيا). كما أن الطمي المحمول من هذا التدفق الموسمي للنيل الأزرق كان يعد محوريا للزراعة في مصر منذ آلاف السنين. منذ وقت الفراعنة، ولذا كان هناك قلق دائم من المصريين بشأن السد في أعالي النهر الذي سيؤدي إلى خنق تدفق نهر النيل. 

ويشير الكاتب إلى أن مصر قد استخدمت سبلا سياسية، وعسكرية لأجل حماية ما تحصل عليه من سريان نهر النيل، مصدر المياه العذبة الوحيد لأكثر من 100 مليون نسمة.  ويلفت إلى أن واقع قيام رئيس الوزراء الإثيوبي السابق بإطلاق مشروع سد النهضة، أكبر سد هيدروليكي لتوليد الكهرباء في أفريقيا في 2011، عندما كانت مصر مشتتة داخليا بسبب الثورة، أدى ذلك إلى فقدان الثقة بين الدولتين المطلتان على النيل.

ويقول الكاتب أن مصر تزعم وجود حصة تاريخية لها في مياه النيل تحاول إثيوبيا معارضته ودول أعالي النهر الأخرى التي تطالب بمزيد من الاستغلال العملي للنهر. ثم يوضح أنه بعد محادثات مطولة، أطلقت الدول العشرة المطلة على النيل اتفاقية مبادرة حوض النيل في 1999؛ إلا أنه يشير إلى أن هذا المسعى المشترك لتطوير نهر النيل قد تعطل لإصرار مصر على حق الاعتراض على مشاريع أعالي النهر المستقبلية، بالرغم أنها جزء من المبادرة. ويضع الكاتب ما سبق كإطار لقرار إثيوبيا أحادي الجانب في إطلاق مشروع سد النهضة في 2011. 

أما فيما يتعلق بالحالة القائمة للمفاوضات حول سد النهضة، يفيد الكاتب بأن المشروع توليد الطاقة الهيدروليكية لن يؤدي إلى مزيد من استهلاك المياه من قبل إثيوبيا، بل سيبطئ من تدفق النيل حتى امتلاء احتياطياته. ولذا فهو يوضح بأن إثيوبيا تقوم بالتفاوض مع دولتي مصر والسودان على وتيرة ملء المخزون. ثم يشير إلى أنه بعد سنوات من الفشل في إحراز تقدم لسنوات عديدة، اكتسبت المفاوضات زخما بعد أن دعا الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الولايات المتحدة للتدخل كوسيط في نوفمبر 2019. وأضاف أن وزراء الخارجية والري من الدول الثلاث قد عقدوا سلسلة من اللقاءات منذ ديسمبر 2019 في واشنطن، وحضر بعضا منها رئيس البنك الدولي، ديفيد مالباس، ووزير الخزانة الأمريكي، ستيفن منوشين. وتابع بأن الاجتماعات الأخيرة قد انتهت إلى غير اتفاق في 13 من فبراير الجاري ومن المتوقع أن تتلوها جولة أخرى. 

ويضيف أنه من المتوقع أن يقوم وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو أثناء زيارته لإثيوبيا هذا الأسبوع بدفعة أخيرة كي توقع إثيوبيا على مقترح معاهدة النيل. ثم يشير الكاتب إلى أن الولايات المتحدة هي حليف أساسي لأثيوبيا في الأمن والتنمية، وتقدم لها ما يزيد عن مليار دولار من المساعدات سنويا، ويرى  أن النفوذ الذي للولايات المتحدة على إثيوبيا قد يعطي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فرصة للدفع لأجل إبرام الاتفاق ليثبت قدرته على إنجاز الاتفاقيات مرة أخرى في أعقاب الفوضى التي تلك الإعلان عن خطة السلام لحل النزاع الفلسطيني- الإسرائيلي. 

من جانب مصر، يشير الكاتب إلى أن مصر تخشى أن ملء السد سوف يخنق إنتاجها الزراعي وما يلزم لها من مياه بمقدار 40 مليار متر مكعب من المياه من أصل 49 مليار متر مكعب تتدفق من النيل الأزرق. أما إثيوبيا، فيضيف أنها تدفع لأجل تمرير 31 مليار متر مكعب سنويا، وتشير تسريبات من المفاوضات إلى أن الولايات المتحدة تعرض ملء 37 مليار متر مكعب سنويا، فيما يمكن إثيوبيا من ملء المخزون بواقع 12 مليار متر مكعب سنويا. ويلفت إلى أن الرقم قد يصبح أقل بكثير بسبب شروط إضافية في الاتفاقية تحد من تخزين المياه فحسب في الشهور الممطرة من يوليو إلى أغسطس. 

ويرى الكاتب أن ذلك المقترح قد يسبب سنوات من التأخير في ملء السد، الذي تبلغ سعة تخزينه 74 مليار متر مكعب، فيما يقلل من قدرته على توليد الكهرباء بقدرته الكاملة. ويضيف أنه علاوة على ذلك. فإن هذا القيد قد يمنع إثيوبيا من البدء في مشاريع أخرى على النيل. 

ثم يضع الكاتب عددا من التوصيات للمضي قدما في المسألة؛ حيث يقول إنه من الأفضل لرئيس الوزراء الإثيوبي ألا يوقع معاهدة النيل المتعجلة خلال زيارة وزير الخارجية الأمريكي. حيث يشير إلى أنه من شبه المستحيل الوقوف أمام الضغط المتزايد من واشنطن، إلا أن تكلفة التعجل ستكون باهظة.

 

ويرى الكاتب بأن المشكلة الرئيسية هي أن إبرام اتفاق تم التوصل إليه عبر عملية مفاوضات متعجلة ربما يحمل مخاطر مستقبلية غير مقصودة. ثم يطرح الكاتب بأن هناك مصدرا آخر للمخاطرة هو في غياب وجود آلية مستقلة ومشتركة لمراقبة وضمان تطبيق الاتفاق، بيد أن الاتفاق بشأن سد النهضة يتطلب تعاونا قويا يجب أن يكون الاتفاق مؤسسا عليه ليكون له أي فرصة في النجاح. ويقول أن بديل ذلك غير واضح، لأن التطبيق الخارجي للاتفاق وعقاب الانتهاكات هو ضد الأعراف الدولية، وغير معقول عمليا. 

 

ويطرح الكاتب أن البديل الأفضل هو أخذ الوقت اللازم لتطوير إطار عمل مؤسسي متكامل لإدارة وتنمية نهر النيل. ويقول إنه بشكل مثالي ينبغي أن يكون الاتفاق شاملا بما فيه الكفاية لتوفير إطار تعاون لإدارة سد النهضة والمشاريع المستقبلية الممكنة على النيل. مضيفا بأن ذلك يمكن تأسيسه بناء على الأعراف الدولية لإدارة الأنهار المشتركة والاستفادة بنماذج الأمثلة الناجحة في ذلك مثلما في جنوب شرق أسيا لجنة نهر الميكونج التي تضم دول كمبوديا ، لاوس ، تايلاند ، فيتنام، ويشير الكاتب إلى أن اتفاق مبادرة حوض النيل، الذي لم تصدق مصر والسودان عليه، يمكن تعديله كي يصبح أساسا لاتفاق مستقبلي. 

ويقول الكتاب إن للمسك الذي يطرحه عددا من المزايا تتجاوز ما في مجرد معاهدة مياه مشتركة. الأول: أن ذلك سيوفر منصة عمل آلية مؤسسية مشتركة للتنسيق وفرض الاتفاقيات بشأن سد  النهضة. الثاني، هو إمكانية تصميم إطار عمل متكامل لتنسيق الاستجابات على التغيرات غير المتوقعة، بما في ذلك التنسيق لمشروعات مستقبلية والتغير المناخي.