في فبراير من العام الماضي، اتهم محامي شميما بيغوم، الملقبة بـ «عروس داعش» البريطانية، ساجد جافيد، وزير الداخلية، بـ «التخلص من البشر بطريقة غير شرعية»، وذلك في إطار انتقاداته لقرار الوزير القاضي بنزع الجنسية البريطانية عن «بيغوم»، وهو إجراء اعتبره الكثير من البريطانيين أنفسهم مخالفًا لمواثيق حقوق الإنسان الدولية.

هذه الواقعة مثال على ما حذرت منه العديد من المنظمات الحقوقية الدولية، والمسؤولين الأمميين، حيث نوهت فيونوالا ني أولاين، الخبيرة والمقررة الخاصة في الأمم المتحدة، مؤخرًا، إلى أن برنامج مكافحة التطرف البريطاني المعروف باسم «بريفنت» والمثير للجدل، ينتهك حقوق الإنسان، ويتضمن تمييزًا ضد المسلمين بوجه خاص.

فيونوالا ني أولاين: برنامج «بريفنت» يؤدي إلى الإفراط في اختيار الحالات، والمغالاة في رفع التقارير على أسس تمييزية

وتقول المسؤولة الأممية، في تقرير لها بعنوان «تأثير حقوق الإنسان في السياسات والممارسات الموجهة إلى منع ومكافحة التطرف العنيف»، صدر خلال هذا الشهر، إن برنامج «بريفنت» يؤدي إلى «الإفراط في اختيار الحالات، والمغالاة في رفع التقارير على أسس تمييزية، بعد سنوات من ورود مزاعم باستهداف المسلمين بشكل غير متكافئ، كما يؤثر في حقوق حرية المعتقد الديني والتعبير والخصوصية، وذلك في غياب الدرجة المناسبة من الشفافية إزاء طريقة استخدام المعلومات وتشاركها عبر قطاعات الحكومة».

الوصم الاجتماعي والاستقطاب

تحذر المقررة الخاصة للأمم المتحدة، في تقريرها، من «التطبيق السطحي للسياسات الموجهة إلى منع ومكافحة التطرف العنيف في النزاعات المعقدة والأوضاع الهشة، حيث إن هناك نطاقا أعرض من التدخلات المتضافرة ضرورية لكبح التطرف العنيف، في غياب تعريفات قانونية محددة للتطرف والتطرف العنيف والانتشار الواسع لانتهاكات حقوق الإنسان التي تنجم عن ذلك. فهناك انتهاكات للحقوق القابلة للانتقاص والحقوق غير القابلة للانتقاص تقع خاصة على المجموعات الدينية، والأقليات والمجتمع المدني، فيما تبرز العديد من المخاوف العرقية».

وتلفت المقررة الخاصة إلى أنه «في بلاد معينة، كانت أجندة منع ومكافحة التطرف تركز حصريا على التطرف الإسلامي العنيف، فيما غطى على أشكال التطرف الأخرى وقاد إلى الوصم الاجتماعي والاستقطاب. إن التركيز الحصري على التطرف الإسلامي يؤدي إلى التقليل من شدة الخطر الذي تمثله المجموعات الأخرى. وإن الكثير من ممارسات منع ومكافحة التطرف العنيف تتضمن استهداف أشخاصا، ومجتمعات ومجموعات معنية، فيما يثير افتراضات حول «الاشتباه» بهم، ما يبرز ويضاعف من بنية التمييز والتهميش».

المقررة الخاصة للأمم المتحدة، تحذر من التطبيق السطحي للسياسات الموجهة إلى منع ومكافحة التطرف العنيف في النزاعات المعقدة والأوضاع الهشة

وتوصي المسؤولة الأممية بأن «كل جوانب ممارسات الأمن القومي، التي تتضمن تلك الموجهة إلى منع ومكافحة التطرف العنيف، ينبغي أن تتفق مع القانون الدولي الإنساني؛ ويجب ألا يستخدم منع ومكافحة الإرهاب أبدا في خنق المعارضة السياسية السلمية، أو الانتقاد أو الاحتجاج غير العنيف أو أن يعمل كأساس لملاحقة الأفراد المنخرطين في التعبير غير العنيف والدفاع عن عنه حقوق الإنسان؛ وينبغي احترام الحق المطلق في المعتقد الديني في كل الأوقات؛ وينغي حماية الممارسات الدينية وعدم تجريمها مطلقا».

وتؤكد أنه «ينبغي على الدول ضمان أن السياسات والبرامج لمنع ومكافحة التطرف العنيف أن تكون مبنية على أساس الدلائل وأساس علمي وينبغي أن تؤسس آليات قوية ومنهجية ومستقلة للمراقبة والتقييم لمثل تلك السياسات والبرامج لتخدم كأدوات أساسية في قياس الفاعلية وتعزيز الشفافية والمحاسبة.  كما يجب أن تكون كل السياسات والممارسات القومية التي تهدف لمكافحة ومنع التطرف العنيف أن تكون محكومة من خلال إطار قانوني واضح من الالتزام بحقوق الإنسان وأن تكون موضعا للمراقبة والتقييم الصارمين، بما في ذلك المراجعة الدورية والمستقلة».

متطرفون في صفوف الشرطة

تلقّت الشرطة البريطانية، مؤخرًا، تحذيرًا من مخاطر وجود متطرّفين يمينيين داخل صفوفها، ما يعني احتمالية قيام بعض هؤلاء المتطرفين العاملين ضمن برنامج «بريفنت»، بانتهاكات واسعة لحقوق الإنسان، خصوصًا ضد المشتبه بانتمائهم لتنظيمات متطرفة من المسلمين والمهاجرين في البلاد، مع التغاضي عن مظاهر التطرف اليميني في نفس الوقت.

 

ذكر تقرير لـ «هيئة تفتيش أجهزة الشرطة والإطفاء والإنقاذ» البريطانية، صدر قبل أيام، أنّه فيما يُعتبر أداء العناصر في إطار برنامج بريفينت الحكومي لمكافحة التطرف جيدًا بشكل عام، لم يخطر سوى لقلة منهم احتمال جنوح زملائهم نحو التطرف. وكُشفت هذه النتائج بعد أيام على اعتقال عنصر فاعل في شرطة العاصمة لندن، للاشتباه بانتمائه إلى مجموعة إرهابية من «النازيين الجدد».

اعتقال عنصر فاعل في شرطة العاصمة لندن، للاشتباه بانتمائه إلى مجموعة إرهابية من «النازيين الجدد»

وأوضح التقرير، أن ضباط الشرطة بينما يعملون بشكل جيد على تنفيذ البرنامج الحكومي لمحاربة التطرف «بريفنت»، فإنهم لا يمنحون القدر الكافي من الاهتمام لاحتمال تحول زملائهم في الشرطة نحو التطرف.

وقال التقرير إن التطرف داخل جهاز الشرطة البريطاني هو «تهديد حقيقي»، موضحًا أن قوة واحدة في الشرطة اتخذت تدابير خاصة بشأن متابعة التطرف بين عناصرها، في حين أن الدوائر الإقليمية للشرطة في عموم إنجلترا وويلز (43 دائرة) اعتمدت على مكاتب مكافحة الفساد والانضباط لمتابعة حالات التطرف.

وفي كتابها «مكافحة الإرهاب وآفاق حقوق الإنسان: أمننة الاختلاف والمعارضة»، تقول الكاتبة البريطانية إيبك ديميرسو، إنه «في سياق بريطانيا لم يكن أي من طريقي الأمن أو الحرية مفروشاً بالورود، فبينما كانت البلاد موطنا للحقوق والحريات الليبرالية؛ تبنّت أكثر تدابير مكافحة الإرهاب -التي يمكن العثور عليها في الديمقراطية الليبرالية- إثارة للجدل». وخلافا للتجربة السابقة مع «الجيش الجمهوري الأيرلندي»، الذي كان ينظر إليه على أنه إرهاب وعنف مدفوع بحافز التحرر الوطني، فإن الإرهاب الجديد يعتبر ديني المنحى، وتهديدًا للنظام لأنه يعمل خارج المبادئ الدولية. ومع ذلك فالحكومة البريطانية ملزمة، في الوقت الذي تتبع فيه سياسات الأمن، بتحقيق التوازن بشأن الحقوق والحريات، من أجل إضفاء الشرعية على سلوكها.

 

في سياق مكافحة الإرهاب في المملكة المتحدة؛ أعادت هذه الأولويات الأمنية ومبادئ حقوق الإنسان تعريف الفهم التقليدي للسيادة وإعادة اختراعه، حيث تحتفظ الدولة بامتياز إعلان حالة الاستثناء والمطالبة بسلطات كبرى، في حين أنها ملزمة أكثر بتبرير وتوازن سياساتها وفقًا للمعايير المعمول بها قانونيًا ودوليًا.

الحكومة البريطانية: أحيل أكثر من 5700 شخص إلى برنامج «بريفنت» بسبب مخاوف من تطرفهم بين عامي 2018 و2019.

في المقابل، نفت الحكومة البريطانية غير مرة أن يتضمن برنامج «بريفنت» تمييزًا ضد المسلمين، مشيرةً إلى تطبيق البرنامج على عدد متزايد من الأشخاص بسبب الاشتباه بأنهم متطرفون يمينيون. وقد أحيل أكثر من 5700 شخص إلى برنامج «بريفنت» بسبب مخاوف من تطرفهم بين عامي 2018 و2019.

وأظهرت وثيقة صادرة عن وزارة الداخلية البريطانية حول برنامج «بريفنت»، أن «الاستراتيجية تغيرت بشكل واضح في 2011، بغية التعامل مع كافة أشكال الإرهاب والتطرف الذي لا يستخدم العنف، لكن كل ما من شأنه أن يخلق جواً يؤدي إلى الإرهاب وقد ينشر آراء يستغلها الإرهابيون بعد ذلك».

من جانبه، قال الباحث في «منظمة العفو الدولية»، كارتيك راج، إن «المنظمة قلقة للغاية من الإجراءات الجديدة التي تضمنها قانون مكافحة الإرهاب والأمن البريطاني الصادر عام 2015، فهذه التشريعات وسّعت من صلاحيات أجهزة الأمن، بما فيها سحب الجوازات والمنع المؤقت لعودة المشتبهين إلى بريطانيا. وهذا مقلق لأنه يؤثر على الحرية وحقوق الإنسان».

ــــــــــــــــــــــــ

المصادر: