“إسرائيل تعود إلى أفريقيا وأفريقيا عادت إلى إسرائيل، هذه العلاقات مهمة جدًا دبلوماسيًا واقتصاديًا وأمنيًا”، بهذه الكلمات المعبرة، غرد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتناهو، بعد زيارته الأخيرة لأوغندا.

sss

تمكنت إسرائيل باتباع سياسة “طرق الأبواب”، التي تنتهجا منذ الستينات، من التسلل إلي قلب إفريقيا، وكسر عزلتها بتقدم المساعدات والمال والسلاح للدول الإفريقية الفقيرة.

وغسلت إسرائيل عقول الأفارقة، بمنحهم  المساعدات والمال والسلاح، وتقديم نفسها علي أنها دولة ديمقراطية وليس دولة احتلال، تسعي لشركات اقتصادية ومساعدة الدول النامية لنشر السلام، وهي مجرد أدعاءات تروجها الآلة الإعلامية الإسرائيلية.

تجاوز حجم التبادل التجاري بين إسرائيل وأفريقيا في عام 2017 لأكثر من 100 مليار دولار وهو رقم مرشح للزيادة، في ظل حرص الدولة العبرية علي تعميق هذه العلاقات

جنت تل أبيب ثمار سياساتها، بكسر العزلة التي فرضت عليها بعد احتلال الأراضي الفلسطينة، بإقامة علاقات دبلوماسية مع 46 دولة من 53 دولة إفريقية جنوب الصحراء.

واقتصاديًا فقد تجاوز حجم التبادل التجاري بين إسرائيل وأفريقيا، في عام 2017 لأكثر من 100 مليار دولار، وهو رقم مرشح للزيادة، في ظل حرص الدولة العبرية علي تعميق هذه العلاقات.

تتبع إسرائيل سياسة تسمى “طرق الأبواب”، واللعب علي المتناقضات، لفتح علاقات مع الدول النامية والفقيرة بإفريقيا، وتقديم المساعدات المالية والعسكرية، للحصول علي مكاسب سياسية واقتصادية من جهة أخري، وتطويق الدول العربية وضرب مصالحها الاستراتيجية، وهي سياسة قديمة تنتجها تل أبيب منذ الستينات.

ولاسيما في دول شرق أفريقيا، التي تتحكم في منابع النيل من جهة، ومن جهة أخرى حركة الملاحة في البحر الأحمر، والذي يعتبر المتحكم الرئيسي في حركة الملاحة الدولية، ويعتبر بموقعه الجغرافي عربيًا خالصًا.

أقرأ أيضًا:”الصفقة الحرام”..إسرائيل تتسلل لمنابع النيل من الأبواب الخلفية

التسلل الاقتصادي

حرصت إسرائيل منذ تأسيسها علي إقامة علاقات مع الدول الأفريقية، وذلك عن طريق التسلل للاقتصاد القارة السمراء، بإقامة شركات ومكاتب تمثيل تجاري، وتوطين صناعات استيراتيجية.

للأهمية التي تمثلها أفريقيا لإسرائيل، أسست إدارتين متخصصتين في الشؤون الأفريقية بوزارة الخارجية، إحداهما تختص بدول شمال وشرق أفريقيا، وهي إدارة ذات طبيعة خاصة، لوجود الدول العربية بها، وإدارة تختص بدول جنوب وغرب أفريقيا.

استخدمت إسرائيل المال والسلاح، لتحقيق أهدافها في أفريقيا، مستغلة حاجة الدول الأفريقية الفقيرة وقت استقلالها، خلال فترة الستينات والسبعينات، بتوقيع اتفاقيات أطلق عليها اتفاقيات “التعاون الفني”.

تمكنت تل أبيب من خلال هذه الاتفاقيات من التسلل للاقتصاديات القارة الأفريقية، بتقديم الخبرات الفنية العلمية، وتزويد الدول الأفريقية الفقيرة بالتكنولوجيا التي تحتاجها.

وأمام المبادرات والمساعدات الاقتصادية، التي قدمتها إسرائيل للدول الأفريقية الفقيرة، فتحت هذه الدول المجالات أمام تل أبيب لإنشاء العديد من الشركات الصناعية والتجارية في أفريقيا.

وبطبيعة الأمر كان جهاز الموساد الإسرائيلي، يشرف علي التسلل الاقتصادي لأفريقيا، فكانت الشركات التي يتم تأسيسها تضم مساهمين أفارقة وكانت الحكومات الأفريقية تمتلك نصيبًا فيها.

فيما مثلت شركات قطاع خاص الجانب الإسرائيلي بشكل صوري، ولكن في حقية الأمر، كانت الحكومة الإسرائيلية تسيطر علي مجريات الأمور بشكل خفي.

حرصت إسرائيل علي إقامة شركات في عدة مجالات، لاسيما في مجال الزراعة للاستفادة من المراعي الطبيعية في إفريقيا، فتم إنشاء مزارع لتربية الدواجن والمواشي.

تعد إثيوبيا وكينيا الشريك التجاري الأول لإسرائيل في أفريقيا وفقًا للمعهد الإسرائيلي للصادرات والتعاون الدولي بوجود أكثر من 800 شركة إسرائيلية،تعمل حاليًا في إثيوبيا وكينيا بالإضافة لوجود شركات إسرائيلة في جنوب إفريقيا

 كما أنشأت إسرائيل مركزًا للتدريب والإرشاد الزراعي، وتبع ذلك إقامة صناعات زراعية، مثل تعبيئة الفاكهة والخضر ، وتصنيع وتعليب اللحوم المعدة للتصدير.

أدت هذه السياسات لاحتكار إسرائيل لبعض المحاصيل والأسواق، كاحتكار الفاكهة في إثيوبيا، ومحصول البن في أوغندا، ومحاصيل السمسم والفول السوداني في دول شرق أفريقيا.

ولتعزيز تواجد إسرائيل التجاري في أفريقيا، أنشأت شركات للنقل البحري، مثل شركة “النجمة السوادء للملاحة البحري” في كينيا.

ولأن شرق إفريقيا ومنابع النيل تمثل أهمية خاصة جدًأ لإسرائيل، حرصت علي إقامة علاقات مميزة مع دول حول النيل، وعلى رأسها أثيوبيا، ولتعزيز هذه العلاقات أنشأت مطار “أديس أبابا الدولي”، وقامت بإنشاء عددًا من المدارس والجامعات، مثل جامعة الإمبراطور “هيلاسيلاسي”.

ولتعميق العلاقات الاقتصادية مع الدول الأفريقية، أنشأت تل أبيب شركات مختلطة، برأس مال إسرائيلي إفريقي، مثل الشركة الأوغندية الوطنية للملاحة، وشركة سكر لبيع الثلاجات وأجهزة التكييف في كينيا.

بالاضافة لافتتاح عددًا كبيرًا من المكاتب التجارية لتنشيط التبادل التجاري في دول القارة، وأسهمت هذه المكاتب التجارية في زيادة بين أفريقيا وإسرائيل.

وتعد إثيوبيا وكينيا الشريك التجاري الأول لإسرائيل في أفريقيا، وفقًا للمعهد الإسرائيلي للصادرات والتعاون الدولي، بوجود أكثر من 800 شركة إسرائيلية، تعمل حاليًا في إثيوبيا وكينيا، بالإضافة لوجود شركات إسرائيلة في جنوب إفريقيا.

لم تكتف إسرائيل بذلك بل حولت إفريقيا لساحة للصراع التجاري، باتباع سياسة الإغراق للسيطرة على الأسواق، وهو ما حدث في كينيا وإثيوبيا، عندما أغرقت أسواقهما بالبضائع المستوردة، بأسعار منخفضة لسد السوق الأفريقي، أمام الدول الأخرى والسيطرة علي الأسواق.

ولأن ثروات إفريقيا لا تنضب، فقط وضعت إسرائيل عينها منذ الوهلة الأولى، علي طريقة لاستخراج هذه الثروات، ومتدت نشاطها لقطاع التعدين، وحصلت الشركات الإسرائيلة على امتيازات للتنقيب علي المعادن واستخراج الماس في جيبوتي وكينيا، ومناجم الحديد في أوغندا.

وفي مجال الطاقة وقعت اتفاقية مع منظمة ” Power Africa” التابعة لمنظمة المساعدات الأميركية، والتي تعمل في دعم مشاريع الطاقة، ما فتح الباب لإسرائيل للعمل في هذا المجال، ويشير بعض الخبراء، إلي أن إسرائيل ستستغل حاجة الأفارقة للطاقة، لتصريف وبيع حصتها من الغاز في المتوسط.

تمكنت إسرائيل من خلال سياساتها الاقتصادية، من ربط الدول الإفريقية بمصالح مشتركة معها، وهو ما حفز دول أخرى للدخول معها في شركات اقتصادية، وهو ما مكن تل أبيب في النهاية من السيطرة على هذه الدول.

أقرأ أيضًا:صفقات السلاح وطبول الحرب..الرقص على دماء الشعب الليبي عرض مستمر

التدريب والسلاح

عملت تل أبيب لتحقيق مصالحها في إفريقيا، علي ورقة الاختلافات العرقية والسياسية، فطبقًا لتقارير الأمم المتحدة، ثبت تورط شركات إسرائيلة في عقد صفقات لشراء السلاح، واللعب علي المتناقضات، وهو ما ساهم في إطالة أمد هذه الحروب وعاد بالنفع على هذه الشركات.

وتشير تقارير دولية إلى أن تصدير الأسلحة “الإسرائيلية” إلى أفريقيا، بلغ حوالي 275 مليون دولار عام 2016، أي ما نسبته حوالي 70% من السلاح المصدر من تل أبيب.

ولأن إسرائيل دولة احتلال، تعتمد في الأساس علي القوة العسكرية، فقط مدت يدن العون للدول الإفريقية عسكريًا، لضمان ولاء القوات الإفريقية لها، وبذلت لتحقيق هذا الهدف جهودًا كبيرة.

بدأت بالتعاون العسكري، وإرسال البعثات العسكرية لتدريب القوات الإفريقية، وبناء الأجهزة الأمنية، مستغلة في ذلك علاقاتها بالقوى العظمى وأمريكا، كما قدمت إسرائيل للدول الأفريقية الصديقة منح عسكرية وأسلحة متطورة، وساندت بعض الدول علي خساب الأخرى، لضمان تواجدها في بعض المناطق.

تمكنت إسرائيل بتعزيز علاقاتها مع الكوادر العسكرية الإفريقية، من ربط المنظمومة العسكرية لدول القارة، بالمنظومة العسكرية الإسرائيلية.

كما حرصت تل أبيب للعمل بجد في مجال تدريب الحراسات الخاصة، المسؤولة عن حماية الشخصيات والقيادات الأفريقية، لضمان ولاء هذه القيادات لها، ولفت أنظار واهتمام هذه القيادات، لترويج حرص إسرائيل علي حياتهم وحياة عائلاتهم.

المثير للدهشة أن المتابع للعلاقات الإسرائيلية العسكرية في أفريقيا، يلاحظ أنها تلعب علي الساحة الإفريقية بإزدوجية، فهي تدعم الحركات المتمردة والمعارضة، وفي نفس الوقت تدعم الأنظمة، وهو ما يتيح لها اللعب علي المتناقضات وتحقيق مكاسب من كل الأطراف.

 يعمل الموساد الإسرائيلي في أدغال القارة الأفريقية لتقديم المعلومات اللازمة للقيادة السياسية ويوجد تعاون استخباراتي وأمني كبير بين الدول الأفريقية وإسرائيل

وتستخدم إسرائيل إشعال الفتن ودعم المعارضة بالمال والسلاح، للضغط على الدول الإفريقية التي تعارضها، أو تقف ضد مصالحها، ويكون ذلك في الخفاء، فيما تمد الدبلوماسية الإسرائيلية يدها بالعون والمساعدة، حتى ترضخ هذه الدول للسياسات الإسرائيلية.

وتضمن هذه السياسة لإسرائيل تواجدها، في حالة حدوث أي تغير في الخريطة السياسية.

 ويعمل الموساد الإسرائيلي في أدغال القارة الأفريقية، لتقديم المعلومات اللازمة للقيادة السياسية، والتحرك علي أساسها، ويوجد تعاون استخباراتي وأمني كبير، بين الدول الأفريقية وإسرائيل.

 وتمتلك تل أبيب شركات أمنية متخصصة،  تعمل في أفريقيا، للتدريب والحماية والحراسة، مثل شركتي، “ليف دان” وشركة “الشبح الفضي” التابعتين للموساد.

كما توجد شركات أمنية تابعة للموساد، تعمل لجمع المعلومات السرية، مثل شركة  “بول بالريلي” للمعلومات والأسرار، وشركة “أباك” وهما شركتين فرنسيتان، مملوكتان لعناصر يهودية.

أقرأ أيضًا: “النفايات السامة” تجارة إفريقيا الرائجة على حساب الإنسانية

غسيل العقول 

تقدم إسرائيل نفسها للأفارقة، علي أنها دولة سلام وديمقراطية، تسعى دائمًا لدعم الدول النامية والفقيرة، لغسل عقول الشعوب الأفريقية، وتغير الصورة الحقيقة بأنها دولة احتلال، مستغلة في ذلك المؤسسات الدعائية الإعلامية في إسرائيل بالداخل والخارج.

وتنتهج إسرائيل في ذلك عدة سياسات، مثل ترويج وجود تاريخ مشترك، بين اليهود والأفارقة، لكسب تعاطف المجتمعات الأفريقية، والعزف علي أوتار الاضطهاد والعزل والقمع والتمييز العنصري.

وفي هذا السياق، يؤكد رئيس الإدارة الإفريقية بوزارة الخارجية الإسرائيلة “موسى أليشيم”، أن العلاقات القومية تطورت ونمت بين إسرائيل وإفريقيا، بسبب الروابط بين اليهود والزنوج لأن العالم يعاملهما على أنهما أجناس أدنى، كما أن التجربة النفسية متشابهة، بتجارة الرقيق وذبح اليهود والاضطهاد والتمييز.

وفي عام 2002 طرحت إسرائيل رسميًأ، أمام لجنة التراث العالمي باليونيسكو، مشروع ” الأخدود الأفريقي العظيم”، وهو مشروع يهدف للتعاون بين الدول، التي تشكل الأخدود الممتد من وادي الأردن وحتى جنوب أفريقيا.

وحرص الجهاز الإعلامي الإسرائيلي، علي تصوير إسرائيل على أنها دولة ديمقراطية، ومركز للإشعاع الفكري والثقافي والحضاري في محيطها، مع إبراز تميزها وتجاربها الاقتصادية، لتحقيق رفاهية الشعوب النامية، ومحاربة الففر والجوع.

ترويج إسرائيل لوجود تاريخ مشترك بين اليهود والأفارقة لكسب تعاطف المجتمعات الأفريقية والعزف علي أوتار الاضطهاد والعزل والقمع والتمييز العنصري

وأن اليهود بعودتهم لأرض الميعاد، وإنشاء دولة إسرائيل المزعومة، تمكنوا من تحقيق معجزة اقتصادية وسياسية، في أرض جرداء قاحلة، بعد أن أهملها العرب الذين يحاولون إزاحة دولة إسائيل وينصبونها العداء.

لم تكتف إسرائيل بالخطاب الإعلامي، لغسيل عقول الأفارقة، بل قدمت مساعدات كبيرة لإنشاء المدارس والمنح التعليمية وإقامة الجامعات، وهو ما اتاح لها تغيير بعض المناهج الدراسية، التي ترسم إسرائيل علي أنها دولة احتلال، ومحو كلمة فلسطين من على الخريطة وكتابة بدلًا منها إسرائيل.

تمكنت إسرائيل بساساتها في أفريقيا، من تحقيق مكاسب كبيرة، أهمها تطويق الدول العربية، واللعب في ملعب أمنها وبعدها الاستيراتيجي، ولاسيما دول شرق أفريقيا ومنابع النيل، للسيطرة علي البحر الأحمر.

بالإضافة لذلك تمكنت إسرائيل بسياساتها، من السيطرة علي دول أفريقيا بعينها، ولعبت أدوارًا مهمة في ساحات الصراعات والنزاعات، وجنت من وراء ذلك مكاسب سياسية كبيرة، بالمحافل الدولية وحققت مصالح اقتصادية وتجارية.

أقرأ أيضًا: “خديجة رياضي” .. أمازيغية تقاتل في الساحة المغربية