يعتبر الحصول على مسكن ملائم بصرف النظر عن الوضع الاقتصادي والاجتماعي أهم حقوق الإنسان، باعتباره مدخلاً لعشرات الحقوق الأخرى كحق العيش في صحة ورفاهية، ومستوى لائق على مستوى الخدمات والعناية الطبية.
تنص مواثيق حقوق الإنسان على أن “لكل شخص الحق في الحصول على مأوى ملائم يتمتع بدرجة من الخصوصية، والمساحة الكافية، والأمان الكافي، والإنارة والتهوية، والموقع الملائم بالنسبة إلى أمكنة العمل والمرافق الأساسية وكل ذلك مشروط بتقديمه بتكاليف معقولة.
وأعلنت الحكومة عن خطة لمعالجة مشكلة العشوائيات التي ظلت على مدار نصف قرن مأوى الفقراء الأساسي، بنقل قاطنيها إلى وحدات سكنية معززة بالمرافق الأساسية اللازمة للصحة والأمن، ضمن إستراتيجية قصيرة المدى تقضي بالقضاء على المناطق العشوائية غير الآمنة بنهاية العام الحالي وغير المخططة في موعد أقصاه 2030.
يعتبر مشروع التطوير الحضاري “بشائر الخير 3” بمحافظة الإسكندرية، الذي افتتح الرئيس عبدالفتاح السيسي مرحلته الثالثة أخيرًا، إحدى النماذج التي تسعى الدولة لاستنساخها في جميع الأماكن العشوائية بمصر وإحداث نقلة نوعية في حياة قاطنيها الذين عاشوا لسنوات في عشش من الصفيح.
وتضم المرحلة الثالثة لـ:”بشائر الخير” 10 آلاف و624 وحدة سكنية يستفيد منها أكثر من 50 ألف مواطن، ويأتي استكمالا للمرحلة الثانية المكونة من ٣٧ عمارة تضم ١٨٦٩ وحدة سكنية، والأولى التي تكونت من ١٦٣٢ وحدة سكنية، ليصبح إجمالي عدد الوحدات السكنية التي تم تسليمها لأصحابها في مشروع “بشائر الخير” حتى الآن 14125 وحدة سكنية.
سمات اقتصادية
ووفقًا لمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار، تتسم العشوائيات بالعديد من السمات الاقتصادية في مقدمتها البطالة التي تصل في منطقة مثل تل العقارب بالقاهرة إلى 49%، وترتفع إلى 64% في عزبة الصفيح بالسويس.
كما تتراوح نسبة الأمية في أكبر 10 مناطق غير آمنة بين 17.7% بمنطقة الكوكاكولا في السويس إلى 52% بمنطقة أبو بطيحة بالبحيرة، بجانب عمالة الأطفال التي تصل إلى 9% في كثير من المناطق العشوائية التي تتسم جميعها بحرمانها من شبكات الصرف الصحي وشبكات المياة العامة.
30 عاما من الإهمال
يقول عاطف أمين، مؤسس التحالف المصري لتطوير العشوائيات، إن الحكومات المصرية على مدار 30 عامًا أهملت العشوائيات، وكانت دائمًا تعد بوعود بتحسين أحوالهم لم تصل إلى أرض الواقع، ما جعل تلك المناطق تشهد ظواهر أمنية واجتماعية خطيرة في مقدمتها نمو موجة التطرف والجريمة بسبب الفقر والجهل.
ووفقا لتقرير البنك الدولي، فقد استفاد من برنامج التمويل العقاري الشامل 287.6 ألف أسرة من عام 2015 حتى الآن، 80% منها تنتمي لأفقر 40% على سلم توزيع الدخل لأسر وفقا لإحصائيات عام 2019.
وقال أمين إن ما تم صرفه من صندوق تطوير صندوق العشوائيات منذ تأسيسه عام 2008 وحتى 2014 هو 652 مليون جنيه، ومن 2014 حتى الآن 32 مليار جنيه ما يدل على وجود رغبة للقضاء على تلك المشكلة بخلاف مشروع المليون وحدة سكنية بتكلفة 220 مليار جنيه الذي يهدف إلى توفير السكن البديل للمواطنين.
وبلغ عدد المستفيدين من برنامج الإسكان الاجتماعي على مدار 5 سنوات حوالى 3.6 مليون مواطن، لكن الحكومة تواجه إشكالية في تغطية الفجوة بين عدد الوحدات السكنية والاحتياجات السنوية فمصر تشهد 700 ألف زيجة جديدة كل عام، تحتاج معها إلى نفس العدد من الواحدات، وما يوفر القطاع الخاص والتعاونيات لا يزيد على ذلك الرقم.
وتستهدف الحكومة زيادة الرقعة السكانية من 6 % إلى 12% بحلول 2030 عبر إنشاء 20 مدينة جديدة من الجيل الرابع والإعلان عن مشروعات الإسكان الاجتماعي وصلت حتى الآن 13 إعلانا بجانب تنفيذ إسكان متوسط وفوق المتوسط، مع مراعاة أن يكون إنشاء المناطق الحضارية متناسق مع طبيعة كل منطقة، لكنها رغم دعمها من الدولة ما تزال فوق مستوى الغالبية العظمى من المواطنين.
وتشير دراسة للمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية إلى زيادة أعداد مرضى الرّبو والحساسية والفشل الكلوي بالعشوائيات، لتفشّـي مشكلات الصرف الصحي وانقطاع مياه الشرب، مما يؤدّي لانتشار الناموس والذباب، مع تنامي كبير في أعداد المواليد لتبلغ مولود كل 27 ثانية، يولد بتلك المناطق العشوائية.
تكشف دراسات أخرى للمركز عن وجود نفسية وسلوكية لدى ساكِني المناطق تنبع من شعورهم بالتهميش والحقد الاجتماعي خاصة في ظل تكوين المناطق العشوائية بجوار الأحياء الراقية، ما جهلها مأوى للمجرمين والمدمنين، ووضع قوانين خاصة بهم تقضي بالحصول على حقوقهم بقوة الذراع وليس سلطة القانون.
غياب دور الحكومة
وتقول الدكتورة سامية خضر، أستاذ علم الاجتماع بعين شمس، إن العشوائيات تشكلت بسبب عدم توفير الحكومات على مدار سنوات إسكان اقتصادي للطبقات الدنيا، التي تعاني من غياب الدخل الثابت لها، وبالتالي أصبحت تلك المجتمعات العشوائية تكتسب قوة دفع ذاتية، وتؤدي دورا في اقتصاد الدولة.
واتسم التعامل الرسمي مع العشوائيات التي تشكلت بداية من الخمسينيات بموجات صعود وهبوط، ففي مطلع التسعينيات فكرت الدولة في حلها مع وجود مخاطر شديدة للجماعات الإسلامية التي توطنت في أحياء داخلها شديدة الضيق منعت القوات الأمنية من الوصول إليها، وبالتالي كان الاهتمام بإيعاز أمني وليس بدافع اجتماعي أو حقوقي.
وعندما هدأت الأوضاع الأمنية وانزوى الإرهاب اختفى اهتمام الدولة حتى جاء حادث سقوط صخرة الدويقة في عام 2008، تم تأسيس صندوق للعشوائيات التي ضمت حينها 15 مليونًا يمثلون قرابة 40% من سكان مصر، وأصدرت الحكومة “قانون البناء الموحد” الذي قسم العشوائيات إلى مناطق خطرة وغير آمنة ومناطق غير مخططة، ومناطق غير صحية، واحتلت الإسكندرية حينها المركز الأول بمساحة إجمالية للعشوائيات تعادل 12.5% من إجمالي مساحتها.
ويؤكد صندوق تطوير العشوائيات أنه في نهاية العام الجاري 2020 سيتم تطوير كل المناطق العشوائية غير الآمنة وعددها 357 منطقة بعد الانتهاء من 298 منطقة، فيما عدا 7 مناطق ومشاريع ستمتد لفترة منها مشروع “مثلث ماسبيرو”.
زيادة الهجرة الداخلية
وتقول “خضر” إن نقص الاستثمارات في محافظات الدلتا والصعيد وغياب فرص العمل ساهم في تزايد الهجرة الداخلية إلى تلك الأحياء التي وفرت لهم مأوى بسعر رخيص، مع ارتفاع قيمة إيجارات العقارات في الأحياء القديمة.
وتقدم الحكومة دعًما ماليا كبيرًا لمشروعات إسكان محدود الدخل حالياً، فسداد قيمة الوحدة الواحدة على أقساط شهرية يصل إلى 20 عامًا بنظام التمويل العقاري المدعوم بفائدة 7% سنويًا، ولا يتم تغييرها طوال فترة السداد.
ويخصص صندوق التمويل العقاري دعمًا نقديًا يصل إلى 40 ألف جنيه وفقاً لدخل مقدم الطلب، بما يتماشى مع مبدأ “الحق في السكن” الذي يوصي بضرورة ألا تجور التكاليف الشخصية أو الأسرية المرتبطة بالسكن على تلبية الاحتياجات الأساسية الأخرى أو الانتقاص منها.
تغيير السمات السلبية
وتقول الدكتورة حنان كمال أبو سكين، عضو المركز القومى للبحوث الاجتماعية، إن البدائل السكنية مثل “بشاير الخير” لا تستهدف فقط السكن ولكن إحداث تغيير في حياة قاطنيها بشكل عام، وتغيير الكثير من السمات السلبية للمناطق العشوائية بمصر.
وتضيف “أبو سكين” أن تطوير العشوائيات يساهم في مجابهة سمات اتسمت بها المناطق العشوائية في مقدتها غياب الشعور بالأمان وفقدان الثقة مع الحكومة التي كانت تمثل مصدر تهديد لهم، فغالبية تلك المناطق عاشت لسنوات على أنشطة وخدمات غير شرعية مثل سرقات للتيار الكهربائي والمياه.
وتمثل المشكلة الأساسية التي تواجه المجتمعات الجديدة مثل بشاير الخير في نقل المنتقلين إليها عشوائية السلوك إليها، فكثير من المدن الجديدة تم التعدى على المساحات الخضراء داخلها وإجراء المواطنين تعديلات على أشكال البناء، بإضافة البلكونات إلى داخل الوحدات ما هدد النسق الحضاري، ووصل الأمر بالبعض إلى تربية خراف على المساحات الخضراء.
وقدم البنك الدولي تمويلا للحكومة المصرية بقيمة 500 مليون دولار لدعم جهود توفير وحدات سكنية بأسعار معقولة، وأشاد في تقرير له منتصف العام الماضي، بالتجربة المصرية في توفير وحدات إسكان اجتماعي لمحدودي الدخل، ضمن برنامج الإسكان الاجتماعي الذي قامت الحكومة المصرية بإطلاقه عام 2014 تحت اسم المليون وحدة.