تفتح مراكز الاقتراع في جميع أنحاء إيران، غدا أبوابها أمام الناخبين للمشاركة في الانتخابات البرلمانية، التي من المتوقع أن يكتسحها المرشحون المحافظون.
يخوض الانتخابات 7148 مرشحا على 290 مقعدا في 31 مقاطعة، وسط دعوات من الشباب لمقاطعة التصويت، ما دفع البعض للتوقع بأن تشهد انتخابات الجمعة، أقل نسبة مشاركة منذ سنوات.
استبعاد الإصلاحيين
الانتخابات تأتي بعد أن قرر مجلس صيانة الدستور، باستبعاد 7296 مرشحا من بين نحو 15 ألف شخص تقدموا للترشح للبرلمان، من ضمنهم 90 من أعضاء مجلس الشورى الحالي.
أراش عزيزي: النظام أقصى الفصيل الإصلاحي من الساحة السياسية
وهو ما دفع العديد من النشطاء الإيرانيين والخبراء للقول بإن انتخابات هذا العام، ستشهد فوز المحافظين بعد استبعاد عدد كبير من المرشحين الإصلاحيين.
مديرة مبادرة مستقبل إيران في المجلس الأطلسي، باربرا سلافين، قالت لشبكة “سي إن بي سي”إن “هذه الانتخابات البرلمانية ستكون الأقل تنافسية في إيران منذ عام 2004 بعدما تم استبعاد الإصلاحيين بشكل جماعي”، وأضافت: “إذا أعاد التاريخ نفسه، فسيكون الرئيس المقرر انتخابه في 2021 من المحافظين أيضا”.
يشرف مجلس صيانة الدستور، الذي يعين أعضاءه المرشد الأعلى للبلاد، على الانتخابات ويقرر من يمكنه الترشح وله حق النقض على تشريعات البرلمان، مما يجعله أكثر نفوذا من الهيئة المنتخبة شعبيا، وأدت طبيعته المحافظة للغاية إلى حظر المرشحين الإصلاحيين بشكل متكرر من الترشح للمناصب العامة.
باستثناء أول انتخابات برلمانية بعد الثورة في عام 1980، لم يسمح البرلمان الإيراني إلا لمجموعة محدودة من السياسيين بالترشح للمناصب، بحسب مقال للمؤرخ والمحلل الإيراني أراش عزيزي، الذي قال: “هذه المرة ذهب مجلس صيانة الدستور إلى أبعد من ذلك بكثير، وأقصى الفصيل الإصلاحي للنظام من الساحة السياسية”.
دعوات للمقاطعة
قرارات استبعاد المرشحين الإصلاحيين، دفعت الإيرانيين داخل البلاد وخارجها، بمن فيهم ناشطة حقوق الإنسان المسجونة نرجس محمدي، والوزير السابق مصطفى تاج زاده، الدعوة إلى مقاطعة الانتخابات.
وانتشرت الدعوات على نطاق واسع في مواقع التواصل الاجتماعي بواسطة هاشتاج يحمل اسم “قاطعوا انتخابات العار الإيرانية”، و”صوتي لتغيير النظام”.
في المقابل، حث الرئيس الإيراني حسن روحاني الناخبين على الذهاب إلى صناديق الاقتراع، على الرغم من انتمائه للمعسكر الإصلاحي.
ويشكك الإيرانيون في الهدف من الدعوات المتزايدة من النظام للمشاركة في الانتخابات، حيث ترى نائب رئيس برنامج “تشاتام هاوس” في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، سانام فاكيل، أن “الأمر يتعلق فقط بإضفاء الشرعية على الجمهورية الإسلامية كجزء من حيلة دعائية بدلا من كونها ممارسة سياسية”.
وتوقع استطلاع أجرته جامعة طهران نسبة إقبال في الانتخابات لا تتعدى 25٪ في العاصمة، بينما يتوقع آخرون مشاركة 50٪ من حوالي 60 مليون ناخب على مستوى البلاد.
أزمة اقتصادية
تغير الكثير منذ الانتخابات البرلمانية الأخيرة في إيران في عام 2016، والتي كانت تعتبر انتصارا كبيرا للإصلاحيين في إيران وجاءت وسط موجة من التفاؤل الشعبي بدولة واقتصاد أكثر انفتاحا.
حيث جاءت الانتخابات بعد التوقيع على الاتفاقية النووية الإيرانية، من قبل العديد من الدول بما في ذلك الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي، وسط توقعات بوصول معدل نمو الاقتصاد الإيراني لهذا العام إلى 6٪.
بهنام بن طالبو: النظام يسعى وضع المحافظين على رأس المؤسسات الحاكمة
وتطلع الكثير من الناخبين الإيرانيين إلى وعود المرشحين الإصلاحيين بإيران أكثر انفتاحا وإمكانيات اقتصادية أفضل نابعة من الاتفاقية النووية التي رفعت العقوبات الدولية، وشهدت تلك الانتخابات نسبة إقبال بلغت 62٪، وهي الأعلى تاريخيا.
من المتوقع أن تكون نسبة الإقبال يوم الجمعة أقل بكثير مما كانت عليه في العديد من الانتخابات الماضية، مما يشير إلى فقدان الثقة في النظام الانتخابي للجمهورية الإسلامية، والتشاؤم الشديد في ظل الاقتصاد المتقلب.
يقول خبراء إقليميين إن انسحاب إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من الاتفاقية النووية في عام 2018، وإعادة فرض العقوبات بشكل مستمر، واستمرار الفساد وسوء الإدارة داخل البلاد، ألحق أضرارا اقتصادية شديدة بإيران، مما أثر بشكل خاص على المواطنين.
قدّر صندوق النقد الدولي انكماشا مذهلا بنسبة 9.5٪ للاقتصاد الإيراني في عام 2019، وسط ارتفاع معدلات البطالة والتضخم في البلاد.
الاقتصاد لم يكن السبب الوحيد وراء غضب الإيرانيين، لكنهم أعربوا أيضا عن استيائهم بسبب مقتل مئات المدنيين على أيدي قوات الأمن خلال الاحتجاجات التي اندلعت في نوفمبر 2019 بسبب ارتفاع أسعار الوقود بنسبة 300٪، وتلك التي شهدتها البلاد في يناير الماضي بعد أن اعترفت القوات الإيرانية بإسقاط طائرة ركاب على متنها على متنها 176 شخصا معظمهم من الإيرانيين.
هل ترامب السبب؟
حذر محللون إقليميون منذ فترة طويلة من أن وجود حكومة أكثر تشددا في سدة الحكم بطهران، يمثل خطرا كبيرا على سياسة “أقصى ضغط” التي تتعامل بها إدارة ترامب مع إيران.
حيث يسعى النظام الإيراني إلى توحيد النخب، ووضع السياسيين المحافظين على رأس المؤسسات الحاكمة، وذلك لتسهيل عملية الانتقال المحتملة قريبا بالنظر إلى أن خامنئي يبلغ من العمر 80 عاما، بحسب ما يراه الباحث في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات بهنام بن طالبو.
إلا أن بن طالبو يرى أن ترامب ليس مسؤولا عن ذلك في المقام الأول، مشيرا إلى أن المؤسسة الدينية في إيران كانت دائما ما تفرض قيودا على السياسيين الإصلاحيين، وتشن حملة على المعارضة قبل فترة طويلة من وصول ترامب إلى الحكم.