“يتتبع المخالطين، ويعلن سبل الوقاية ويشرف على الدفن خطوة خطوة”، القصة لا تبدأ لحظة الإصابة بالفيروس، بل هي مشهد أبعد من ذلك، مشهد يحمل لافتة معلقة كتب عليها” الوقاية خير من العلاج” ليكون بطله هو أحد أفرع الطب المجتمعي وهو الطب الوقائى، وهو الفرع الذى لا يعلم عنه الكثير شيئا رغم أهميته ودوره الفعال والذى قد يكون سببًا، حتي الآن فى عدم انتشار فيروس كورونا بشكل كبير كما هو الحال فى كثير من الدول الأخري المصابة.

sss

يعتلي الطب الوقائى الإجراءات والتدابير للوقاية من خطر الإصابة بالأمراض، خاصة الأمراض المعدية لتقليل الإصابة ويضع طرق الوقاية منها.

يهتم الطب الوقائى بالوقاية من انتشار الأوبئة واتخاذ الإجراءات السريعة فى حال حدوثها، منعا للانتشار وتوسع رقعة الإصابة، والقيام على رفع الصحة العامة للجماعات البشرية، والمحافظة على حياة الأصحاء دون الاصابة.

الكوليرا

منذ مئة وسبعون عاما انتشرت الكوليرا الهندية فى مصر، وقام الوالي محمد على باشا بنشر قانونا للحجر الصحي، واتخاذ بعض الإجراءات المهمة التي تعد طرقا للوقاية، والتي تعتبر أبجدية أولي للطب الوقائى، حيث تم تطهير البضائع والأمتعة القابلة لنقل العدوي، وإعدام بعض المأكولات كالفواكة والخضروات والزبدة، وتغيير مياة السفن بعد تطهيرها وهو ما عرف فيما بعد بإجراءات الوقاية من الوباء وكانت ضمن الطب الوقائى.

فيروس كورونا هو فيروس من سلالة جديدة من فيروس كورونا الذى تم التعرف عليه فى بعض حالات الالتهاب الرئوى بولاية ووهان بالصين وهى مجموعة من الفيروسات التى تصيب الإنسان وتكون أعراضه مشابهة لأدوار البرد العادى مثل صداع، سيلان الأنف، حمى، سعال، ضيق فى التنفس، الإلتهاب الرئوى وتصل الى مايسمى بالمتلازمة التنفسية الحادة الوخيمة SARS أو متلازمة الشرق الأوسط التنفسية الحادة MERS ولا يوجد له علاج أو لقاح محدد حتى الآن.

اقرأ أيضا المعادلة الصعبة..صراع العقل والعاطفة للعودة للعمل في حضرة كورونا

لا يستهين العلم بسلوكيات البشر خاصة فى حالة انتشار وباء ما، أوتهديد حياة الأخرين نتيجة ذلك السلوك، أحد الدراسات التي خرجت عام 2004 أكدت أن نصف وفيات الولايات المتحدة فى عام 2000 كانت بسبب السلوكيات والتعرضات التي يمكن الوقاية منها، منها أمراض القلب والأوعية الدموية، وامراض الجهاز التنفسي المزمنة، وفى أوائل القرن العشرين ظهر اسم الطب الوقائي من خلال سارة جوزفين بيكر، وفي أربعينيات القرن الماضي صاغ وقتها “ليفل واي جورني كلارك” مصطلح الوقاية الأولية .

أدوار لا تنتهي

ضرب الطب الوقائى مثلا في أوقات مختلفة ارتبطت فيها الإصابات بأمراض جديدة منها أنفلونزا الخنازير، حين أعلن عن التخلص من المصدر المرتبط بالمرض وقام بشراء كميات كبيرة من التايمفلو، في حين تواجد أيضا في المشهد خلال حملات المسح الشامل للقضاء على الفيروسات الكبدية الوبائية “فيروس سي”، وأمراض الضغط والسكر والسمنة، كما يقوم بدور آخر لمنع حدوث الأمراض من خلال الوقاية الأولية والتطعيمات التي تقي وتبدأ من الولادة وحتي نهاية العمر خلال برامج تطعيم مختلفة، لإيقاف انتشار أمراض مثل” الحصبة، والحصبة الألمانية والسعال الديكي، والحمي النكافية، والفيروس المسبب لشلل الأطفال، والدفتريا والتتياتنوس وغيرها”.

أقدم قطاعات الوزارة

ويعلق الدكتور علاء غنام مسئول الحق فى الصحة فى المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، علي دور القطاع الوقائى فى وزارة الصحة بأنه من أقوى القطاعات من حيث يمتلك الخبرة و الكوادر الطبية المدربة التى تستعين بهم منظمة الصحة العالمية.،ولكن قلّ هذا الاهتمام خلال السنوات العشر السابقة، قبل أن يأتى «كورونا» ويعيد إحياءه من جديد.

والإحياء هنا لا يأتى من فراغ، فهناك مكاتب صحة ووحدات رعاية صحية فى كل الأحياء والمدن والقرى على مستوى الجمهورية، وهى إحدى الأدوات الأساسية للقطاع الوقائى التى استطاعت مصر من خلالها تحقيق برامج التطعيمات الإجبارية، التى قضت على أمراض مثل الجدرى والحصبة والدرن إلى جانب شلل الأطفال، وهو من الأمراض الخطيرة التى كانت متوطنة فى مصر، وبهذه التجربة تفوقت مصر على بلاد كثيرة فى العالم.

ويشير غنام فى تصريحات خاصة لـ” مصر 360″، إلي الدور الكبير للطب الوقائي خلال أزمة أنفلونزا الخنازير فى 2009، ومكافحة العدوي والترصد وتدريب الفرق الطبية على الحد من انتشار الاوبئة، موضحًا أن مصر دولة مهددة بالاوبئة لأن موقعها الجغرافي يجعلها وسط العالم .

الطب الوقائى في مصر لديه خطة جيدة يقوم بتنفيذها خلال الفترة الحالية لمواجهة فيروس كورونا، بحسب ما أكد “غنام” متابعًا: “دور الطب الوقائي مهم لمحاصرة بؤر انتشارر الفيروس، ولكنه للأسف تم إهمال القطاع خلال العشر سنوات الماضية، وهذه الأزمة الحالية فرصة جيدة لإعادة النظر إليه والاهتمام به مرة أخري لأنه أقرب إلى طوق نجاة”.

ترصد الأمراض

“لقد أثبت نظام ترصد الأمراض الراسخ فى مصر وجهود تتبُّع المُخالِطين فعاليتها فى مكافحة حالات الإصابة الفردية والجماعية قبل انتشارها”، هكذا أشاد بيان منظمة بعثة الدعم التقني المعنية بمرض كوفيد -19 في مصر نهاية شهر مارس المنصرم، حيث كثفت مصر كافة الجهود لرصد انتشار الفيروس، وتتبع المخالطين لحالات الإصابة.

الكثير من الأخبار المنتشرة يكون فيها الطب الوقائى حاضرا بقوة منها تغسيل جثامين المتوفين بكورونا، كما سبق وأعلنت الدكتورة هالة زايد وزير الصحة المصرية، أنه يتم التغسيل والتكفين فى حضور قطاع الطب الوقائى، حيث يتم الابتعاد عن الجثة مسافة متر واتخاذ كافة الاحتياطات من ارتداء الواقيات الشخصية وتغطية أجزاء الجسم التي تخرج منها الافرازات بضمادة غير منفذة ووضع الجثة فى كيس مخصص لدفن الموتي غير نافذ لأي سوائل مغلق بسوستة ومكتوب عليه علامة خطر الإصابة بالعدوي وحتي حمل الجثمان وإنزاله يتم اتخاذ كافة الإجراءات الخاصة بالوقاية.

وأرسل الطب الوقائى، خطابًا لكافة مديريات الصحة بالمحافظات والمستشفسات الحكومية التابعة للوزارة ن وتضمن إرشادات مهمة لمكافحة تفشي كورونا، منها تخصيص ممر خاص بالمستشفي لدخول حالات الاشتباه بأعراض تنفسية، وإجراء فحص يومي صباحي للعاملين بالمستشفى بمدخل المكان قبل توقيع الحضور، والتأكد من توافر جميع أدوات الوقاية الشخصية والمطهرات اللازمة للتعامل مع أى حالات.

كما اعلن الطب الوقائى فى بيانه عدم السماح لأي مقدم خدمة طبية بالتعامل مع المرضي إلا بعد التأكد من ارتداء أدوات الوقاية الشخصية المناسبة، كما تم تخصيص مراقب من فريق مكافحة العدوي بالمستشفي للتأكد من التزام أفراد الفريق الطبي بسياسة ارتداء ونزع أدوات الوقاية الشخصية.

يذكر أن كورونا المستجد كوفيد-19 فيروس متطور  تخطي عدد المصابين به حول العالم حاجز المليونين مقابل أكثر من 126 ألف وفاة، فيما وصل عدد المتعافون حتي كتابة السطور الى 507 .782 شخص حول العالم، ظهر فى مدينة ووهان الصينية في يناير الماضي وانتقل الى العالم كله.

فى حين وصلت مصر حتي كتابة هذه السطور الى 2505 مصابا بالكورونا و183 حالة وفيات 553 حالات شفاء.