أعادت العملية الإرهابية الأخيرة التي استهدفت السفارة الأمريكية في تونس، الجمعة الماضي، شبح الإرهاب والتطرف إلى البلاد، حيث لقي عنصران إرهابيان مصرعهما في تفجير انتحاري قرب مقر السفارة. وأسفر الانفجار أيضا عن مقتل رجل أمن، وإصابة عدد آخر من رجال الشرطة، بعد أن انفجرت دراجة نارية كان يقودها الانتحاريان.

قبل ذلك بعدة أشهر، وقعت آخر عملية إرهابية مزدوجة في تونس، السابع والعشرين من يونيو الماضي، حين قام انتحاري بمهاجمة دورية للشرطة في وسط العاصمة. وقُتل أحد الضباط، بينما أصيب ضابط آخر وأحد المارة. وبعد أقل من 30 دقيقة، وعلى بعد 1.5 كم، هاجم انتحاري آخر وحدة لمكافحة الإرهاب. وأسفر هذا الحادث عن إصابة ستة ضباط شرطة، وأعلن تنظيم «داعش» مسؤوليته عن الهجومين الإرهابيين، في حينه.

 

الهروب الكبير

انهارت المنظومة الأمنية في البلاد عام 2011، وكانت تلك فرصة مواتية لعدد من العناصر الذين هربوا من السجون وقتها، وكانت تلاحقهم اتهامات مختلفة، كحق عام أو تهم إرهابية، للتوجه إلى ليبيا، وبعدها توزع هؤلاء إلى وجهات أخرى، منها سوريا وتركيا وأوروبا.

في 8 مايو 2011، وقعت اشتباكات دامية بين الأمن التونسي ومسلحين في مدينة «الروحية»، وهي الأولى من نوعها في تونس بعد الثورة. وقُتل في الاشتباكات مقدم ورقيب من الجيش، كما قتل مسلحان تونسيان، فيما جرح جندي ومواطن آخرين.

منذ عام 2011، وعلى مدار السنوات التسع الماضية، ضرب الإرهاب أغلب مناطق ومدن تونس

ومنذ عام 2011، وعلى مدار السنوات التسع الماضية، ضرب الإرهاب أغلب مناطق ومدن البلاد، ومن بينها صفاقس، وسليانة، وباجة، وسيدي بوزيد، والقصرين، وجندوبة، وسوسة، وبنزرت، والعاصمة تونس. وقامت جماعتان إرهابيتان، إحداهما مرتبطة بتنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي»، والأخرى ترتبط بتنظيم «داعش»، بارتكاب العديد من الهجمات الإرهابية، حيث تم استهداف أفراد الأمن والعسكريين بشكل رئيس، وهو ما أسفر عن مقتل ما يقرب من 150 شخصا وإصابة ما يقرب من 200 آخرين، حتى وقوع العملية الإرهابية الأخيرة.

تحتل ولايات العاصمة الأربع (تونس، بن عروس، أريانة، منوبة) صدارة الترتيب من حيث التوزيع الجغرافي للمتهمين بالإرهاب في البلاد، بنسبة تناهز 32%. ويُفسر ذلك بتمركز أغلب القيادات السلفية في العاصمة. في حين تأتي ولاية سيدي بوزيد في المرتبة الثانية بنسبة 14%. ويعود ذلك إلى تجذر الحركات السلفية وخاصة الجهادية في سيدي بوزيد خلال العشرية التي سبقت الثورة.

ذكرى «بن قردان» الرابعة

يتزامن التفجير مع الذكرى الرابعة لهجوم بن قردان الذي وقع يوم 7 مارس 2016، وشهد إفشال أكبر هجوم نفذه عشرات الإرهابيين على مدينة بن قردان المحاذية للحدود مع ليبيا، في عملية كانت تهدف لإقامة «أول إمارة لداعش في تونس».

 

كان هجوم «بن قردان» الإرهابي، أكثر الحوادث دموية في تاريخ البلاد، حيث بلغ عدد القتلى في هذا الهجوم 66 قتيلًا، منهم 46 مسلحًا، و7 مدنيين و7 من الحرس الوطني و3 من الشرطة و2 من الجيش، فيما جرح 18 شخصا من القوات الأمنية والعسكرية والمدنيين.

وتحتفل تونس كل عام بإحياء ذكرى «بن قردان»، حيث تُعتبر على المستوى الرسمي والشعبي أحد مفاخر الجهد الأمني والعسكري في الحرب على الإرهاب، والتي شكلت أولى الهزائم الكبرى التي لحقت بتنظيم «داعش» بعد تمدده في منطقة شمال أفريقيا.

الانتقام

استغل «داعش» الذكرى الرابعة لأكبر هزائمه في مدينة بن قردان، ليوجه رسائل متعددة لتونس وحلفائها، خصوصاً الولايات المتحدة تفيد بأنه موجود وقادر على التحرك والتنفيذ مرة أخرى، كما أن توقيت تنفيذ التفجير مرتبط بالوضع في المنطقة، خصوصاً لبيبا ومالي والنيجر، التي وصلها مئات المرتزقة والإرهابيين، وجزء كبير منهم تونسيون أعادوا تنشيط الخلايا النائمة، وهو ما يؤكد استعادة الجماعات الإرهابية حرية التحرك في ليبيا.

العملية التي استهدفت طوق الحماية الأمنية لمقر السفارة الأميركية، نفذها اثنان من عناصر «داعش» هما الإرهابيان «سليم الزنادي وحبيب لعقة» اللذان يسكنان في حي غير بعيد عن موقع السفارة، وكانا قد قضيا عقوبة في السجن بتهم الانتماء لتنظيم إرهابي، وأحدهم غادر السجن حديثاً.

 

تغذية «المظالم الاجتماعية»

يحمل 98,8 % من المتهمين بالإرهاب في البلاد الجنسية التونسية، بحسب دراسات رسمية، ما يؤيد مقولة أن الإرهاب في تونس «صناعة محلّية». ورصدت دراسة أجرتها مؤسسة «Institute For Security Studies» للباحث ماثيو هربرت، بعض الحوادث الإرهابية التي شهدتها تونس في الأعوام الأخيرة، مشيرة إلى أن أسباب هذه الحوادث «تتجاوز العوامل الخارجية، وترتبط – في الأساس- بالعديد من العوامل المحلية داخل الدولة التونسية».

الإرهاب في تونس «صناعة محلّية» حيث يحمل 98,8 % من المتهمين بالإرهاب الجنسية التونسية، بحسب دراسات رسمية

وأضافت الدراسة أنه «منذ عام 2015، استثمرت الحكومة التونسية، بدعم من الشركاء الدوليين، بكثافة في تعزيز قدرة قوات مكافحة الإرهاب والشرطة على الكشف عن المخططات الإرهابية والتصدي لها، لكن تظل قوات الأمن المدربة والمجهزة بشكل جيد قادرة فقط على تقليل التهديد، وليس التغلب عليه. إن القيام بذلك، أي القضاء على الإرهاب، يتطلب وضع حلول عاجلة وفعالة لحل الأزمات الاقتصادية التي تشهدها البلاد، ومعالجة ضعف النظام السياسي وعدم المساواة المتجذرة في المجتمع، وكل الظروف التي تؤدى بدورها إلى تغذية المظالم الاجتماعية، وتؤثر على بعض الشباب وتدفعهم للانضمام إلى الجماعات الإرهابية»، وذلك وفق الدراسة.

واعتبر ماثيو هربرت، في الدراسة، أن «المشكلات الاقتصادية في تونس لا تزال في تصاعد مستمر، وهو ما يؤثر على مستوى معيشة الأفراد من الطبقة الوسطى والطبقة العاملة، وقد يكون سببا في دفعهم إلى التطرف. فلم يحدث أي تحسن في تقديم الخدمات للمواطنين، كما أن السياسيون لم يطرأ عليهم أي تغيير جذري وفعال. وهذا يجعل الأفراد يشعرون بالإحباط و«يكفرون» بالديمقراطية. والأهم من ذلك أن انعدام فرص المساواة الهيكلية العميقة، والذي يعوق بدوره الوصول إلى الفرص الاقتصادية بشكل متساو، هو من أهم العوامل الدافعة نحو التطرف».

وأظهرت الدارسة أن «رد الفعل على ذلك، جاء متمثلا في هجرة البعض وانخراط البعض في الاحتجاجات الاجتماعية الدورية. ولكن بعض الشباب، وخاصة أولئك الذين ينتمون إلى المناطق المهمشة أو الأحياء أو العائلات المهمشة، اتجهوا نحو تبني الأفكار المتطرفة، وارتكبوا العديد من العمليات الإرهابية».

ــــــــــــــــــــــــــ

المصادر: