“يخيم الغبار على ملامحهم ويسيطر اليأس على أصواتهم وتلهث ألسنتهم بالدعاء والمغفرة على أمل تحسن الأحوال وفك الكرب”، هذا هو حال الأغلبية العظمي من الشعب المصري الفئة التي تكافح كل يوم مع ظروف اقتصادية وأزمات عالمية لا يعلمون عنها الكثير، فضلًا عن وباء يحصد الأرواح ويثقل عاتقهم بهموم تزيد الوضع في عيونهم ضبابية.

sss

حكايات المتضررين في زمن كورونا لا تنتهي، بين مطالب عادلة بتدخل الدولة لحل أزمة الطبقات الأكثر تضررًا، وتجاهل رسمي والاكتفاء بمطالبة المواطنين بالبقاء في منازلهم لحين عبور أزمة كورونا.

ومن المتوقع أن يفقد العالم نحو 25 مليون وظيفة في العام الحالي في أسوأ السيناريوهات وحوالي 5.3 مليون وظيفة في أفضل الاحتمالات، وفقا لتقرير صدر مؤخرا عن منظمة العمل العالمية.

وكشف موقع “ستراتفور” الأميركي عن تباطؤ النمو الاقتصادي في مصر في الربع الأول من  2020، مقارنة بالنمو الإيجابي الذي حققه خلال العام المنصرم مما يشكل عبئًا سياسيًا على الحكومة، مشيرًا إلى أن جائحة كورونا تهدد بزيادة معدل البطالة بعد التراجع الذي شهده خلال الأشهر الأخيرة، فضلًا عن تباطؤ نمو الأجور في ظل التضخم الذي تشهده البلاد التي يعيش ثلث سكانها في فقر مدقع، وفقًا لإحصائيات أصدرتها وكالة الإحصاء بالقاهرة في أغسطس 2019.

حكايات المتضررين

“بسابق الزمن كل يوم عشان اتحصل على كام جنيه آكل بقيهم العيال آخر النهار”، بهذه الكلمات بدأ “م.أ”، حديثه، راويًا معاناته بعد أزمة انتشار فيروس كورونا، ووقف كل الأعمال والشركات، فهو يعمل في أحد المطاعم بمنطقة الهرم، والتي تأثرت بشدة بعد وقف حركة الطيران وقطاع السياحة بمصر، حيث تم تسريحه هو وعشرات العاملين بالمطعم، حيث يعمل المطعم على السياح الصينين وشرق آسيا، علي وجه التحديد.

وقال “م.أ” لـ مصر 360، والذي يعمل بوظيفة “متر” في المطعم:”صاحب المطعم اجتمع معانا بعد انتشار فيروس كورونا في الصين، وطلب منا العمل 15 يومًا فقط في الشهر، مع خصم المرتب للنصف، وعند اعتراضي على الأمر نظرًا لتحملي أسرة و4 أولاد، في مراحل تعليمية مختلفة، كان رده “ليس بيدي حيلة”، فالكارثة أصابته كما أصابتنا” .

وتابع:” منذ هذا اليوم أي من فبراير الماضي وأنا اتسول بين الكافيهات والقهاوي للحصول على بضعة جنيهات آخر اليوم لإطعام أولادي”، مشيرًا إلى أن حتي شركات التوظيف التي كان يلجأ إليها لوضعه في أي وظيفة بمرتب ثابت أغلقت أبوابها منذ بداية الأزمة، مطالبًا الجهات المسئولة بالوقوف إلى جانبهم حتي يستطيعوا العبور من هذه الأزمة بأقل الخسائر.

“الجوع هو اللي هيموتنا مش كورونا”، هكذا ردد مصطفي إبراهيم، موظف بأحد الشركات الخاصة، والذي يبلغ من العمر 33 عامًا، ويعمل بالشركة منذ 5 سنوات، ومتزوج منذ عامين وأكثر ولديه طفلة، موضحًا أنه تم تسريحه من العمل تحت بند “اجازة بدون مرتب”، حتي انتهاء الأزمة، مع صرف نصف مرتب له نظير شهر مارس فقط، وعند الاستفسار عن باقي مستحقاته لم يجد ردًا مقنعًا من أحد، قائًلا:”عايز اكل بنتي ومراتي اعمل ايه ومفيش حكومة تساعد معانا”.

وعبر إبراهيم لـ مصر 360، عن استنكاره من حملات “خليك في بيتك والزم بيتك”، قائًلا:”لو اقعد في البيت مين هياكل أهلي، شوفوا حل وقعدونا بعد كدا”، مضيفًا أنه يمر بظروف معيشية صعبة للغاية، فضلًا عن رعبه من الإصابة بالفيروس، أو إصابة أحد من أسرته، فهو ليس بحمل دفع مصاريف العلاج.

ومن مصطفي لـ “م. ع”، صاحب شركة سفريات بمنطقة الدقي، ويبلغ من العمر 36 عامًا، والذي مكث بالمنزل منذ بداية الأزمة، بعد توقف حركة الطيران في العالم، قائًلا:”تحويشة العمر خلصت وبستلف”، متسائًلا عن انتهاء هذه الأزمة وعودة الأمور إلي طبيعتها، وذلك لعدم استطاعته المقاومة هو أسرته في ظل هذه الظروف، خاصًة أنه لا يوجد وقت محدد لانتهاء الأزمة.

50 مليون وظيفة بقطاع السياحة العالمي معرضة  للخطر بسبب “كورونا”  

ويقول “ب.ح”، والذي يعمل بأحد شركات توزيع ماكينات القهوة على الكافيهات والمطاعم، والتي كان يتم استيرادها من إيطاليا، إن عمله توقف منذ بداية الأزمة وانتشارها في إيطاليا، حيث تم قطع كل تعاملات الشركة مع المصدر، ولا أجد بديلاً لسد احتياجات أسرتي.

وتابع:”الحكومة تطالبنا بالبقاء بالمنزل دون بديل أو صرف بدل بطالة كما تفعل الدول الأوروبية، ولا يعلم المسئولين عن ظروفنا شيئًا، واليوم يمر على أسرته بصعوبة ومطالبات الأولاد لا تنتهي”.

بينما أوضح مصطفي عبدالله، الإداري بأحد مكاتب الاستشارات الهندسية، بمنطقة المهندسين، والذي يعول ولد وبنت في مراحل تعليمية مختلفة، أن منذ بداية الشهر المنصرم وهو يعمل نصف شهر، ولمدة لا تترواح الـ 3 ساعات، موضحًا أن صاحب المكتب أراد اعطائهم أجازة بدون مرتب، لكنهم رفضوا، قائًلا:”هصرف على ولادي ازاي لو قعدت في البيت خالص، نصف المرتب أفضل من عدمه خالص”.

ويضيف عبد الله أنه يشعر كل يوم أنه محاصر من جهتين، الأولي الوباء الذي لا يوجد له علاج إلى الآن، والثانية الصعوبات الاقتصادية والمعيشية التي نحياها بشكل يومي دون أن يسمع بنا أحد، مشيرًا إلى أنه لم يستطع التقديم في منحة الـ 500 جنيه التي أصدرته وزارة القوي العاملة لأنه مؤمن عليه، ولكن حتي هذه المنحة لا تجدي نفعًا، فأي أسرة مكونة من فردين فقط تتعدي مصاريفهم اليومية الـ 100 جنية، فالـ 500 جنية لا تكفي يومين مع أسرة ذات عدد”.

حالة مصر

وأصدرت مؤسسة ماعت للسلام والتنمية و حقوق الإنسان، تقريرا بعنوان “جائحة كورنا بين المواجهة والتحديات.. دراسة حالة مصر”، تناول تأثير فيروس كورونا على أوضاع حقوق الإنسان على مستوى العالم مع التركيز على الحالة المصرية.

أكد أيمن عقيل، رئيس مؤسسة ماعت، أن فيروس كورونا له تداعيات كبيرة على مجموعة من الحقوق الأساسية للمواطنين، ويأتي على رأسها الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، ومن المتوقع أن يتأثر الجميع وخاصة الفئات الأكثر ضعفاً، مطالبًا الحكومة بالمزيد من الخطط والبرامج لتخفيف العبء على المواطنين الأكثر احتياجاً.

عقد العمل

أثر وباء كورونا على جميع بلدان العالم، وطبقت معظم الحكومات إجراءات احترازية، مع فرض حظر تجول كامل في بعض الدول، ولكن أكثر المصابين دون فيروس، كما يطلق عليهم، هم الموظفين والعاملين التي تم تسريحهم من عملهم بعد الأزمة.

وكشف محمد إبراهيم، المحامي الحقوقي، أن وباء كورونا دفع أحدى الشركات بمصر، لإجبار العاملين لديها على تخفيض أجورهم بينما قامت بعض الشركات بإنهاء عقود بعض العاملين لديها، وهو الأمر الذى يعد مخالفة قانونية، حيث أنه لا يمكن اعتبار انتشار وباء الكورونا حول العالم أحد الأسباب لتخفيض أجور العمال أو إنهاء عقود العمل.

ووفقًا لـ نص المادة 165 من القانون المدنى، فالقوة القاهرة والواردة والتى عرفتها محكمة النقض المصرية بأنها تعني حرباً أو زلزالاً أو حريقاً، كما قد تكون أمرا إداريا واجب التنفيذ، بشرط أن تتوافر فيها استحالة التوقع واستحالة الدفع، وينقضى بها التزام المدين من المسئولية العقدية، فإذا حصلت الاستحالة وفقاً للتعريف السابق، ينقضى الالتزام وفقاً لنص المادة 373 من القانون المدنى المصري.

وفى حال قيام صاحب العمل بإنهاء عقد العمل محدد المدة منفردا، فإنه يلتزم بسداد باقى قيمة هذا العقد حتى نهايته، أما إذا كان عقد العمل غير محدد المدة، وقام صاحب العمل بإنهاء العقد دون توافر شروط الإنهاء وإجراءاته الواردة فى قانون العمل المصري، فإنه يلتزم بتعويض العامل عن هذا الإنهاء بشهرين على الأقل عن كل سنة من سنوات العمل لديه.

أما فيما يتعلق بتخفيض الأجر، فمن المستقر عليه قانونًا أن الأجر مقابل العمل، فإذا لم يقم العامل بعمله المفروض عليه وفقاً لعقد العمل، فإنه يكون غير مستحق للأجر، وقد أجاز المشرع لصاحب العمل تخفيض الأجر فى حالات معينة وبشروط محددة، فيمكنه القيام بتخفيض الأجر بدلاً من إغلاق المنشأة أو تقليص حجمها أو تقليل نشاطها، وبشرط موافقة الجهة الإدارية، وألا يقل الأجر بعد التخفيض عن الحد الأدنى للأجور، والأهم موافقة العامل على تخفيض الأجر.

معدلات البطالة

يعيش العالم “أزمة لا مثيل لها” على حد وصف “كريستالينا جورجييفا”، المدير العام لصندوق النقد الدولي، أزمة جلبها كورونا وشعر بتأثيرها الصادم جميع العمال بشكل فوري، وبينما يلوح في الأفق سيناريو “الكساد العظيم” يتمنى البعض ألا تكون الأمور في اتجاه ما هو أسوأ.

وبحسب وكالة “بلومبرج”، الأمريكية، سيعمل تزايد البطالة على تكثيف الضغط على الحكومات والبنوك المركزية لتسريع تنفيذ برامج إما لتعويض العمال المفصولين بشكل مباشر أو محاولة إقناع أرباب العمل بالحفاظ على موظفيهم لحين تلاشي أثر كورونا، وتحذر الوكالة من الفشل في تحقيق هذا الأمر خوفا من مواجهة ركود أعمق.

ويتوقع الاقتصاديون في “جى بي مورجان” أن يقفز مقياس البطالة في الأسواق المتقدمة بنسبة 2.7% بحلول منتصف هذا العام، بعد أن بدأ هذا العام حول أدنى مستوى له في 4 عقود.

“النقد الدولي”: “جائحة كورونا ” أسوأ بكثير من الأزمة المالية العالمية

منحة الـ 500 جنيه

تُقدر العمالة غير المنتظمة في مصر، بنحو 12 مليون شخصاً، بحسب إحصاء لاتحاد عمال نقابات مصر، والعامل غير المنتظم هو من يعمل خارج أي مظلة تأمينية أو اجتماعية، ويعتمد على تحصيل أجره بشكل يومي.

وتمثل العمالة غير المنتظمة في مصر أكثر من 40 بالمئة من العاملين في البلاد، البالغ عددهم 30 مليون، بحسب أحدث إحصاء للجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء المصري.

وكان وزير القوى العاملة، محمد سعفان، قد وجه في 17 مارس المنصرم، بصرف منحة استثنائية للعمالة غير المنتظمة المستفيدة والمسجلة بقواعد بيانات مديريات القوي العاملة بالمحافظات، قدرها 500 جنيه تصرف من خلال مكاتب البريد التابعة لمحل إقامة كل عامل، في إطار الخطة الشاملة لحماية المواطنين من تداعيات فيروس كورونا.

وعن استفادة العمال بالمنحة، أوضح ياسر عوف، أحد العمال في مصانع الملابس متوسطة المستوي، أنه يحاول ترشيد استهلاكه ومصاريفه هو وأسرته قدر الإمكان حتى تمر الأزمة.

وأضاف “ياسر” لـ مصر 360، أنه قدم على موقع الوزارة على هذه المنحة، ولكن لا يأمل بها كثيرا، قائًلا:”500 جنيه يعملوا أيه في الزمن ده؟ مصاريف بنتي لوحدها قدي أنا وأمها، محتاجين حل للي بيحصل ده عشان نقدر نعيش، ولو استمر الحال كده فالحكومة بضحي بينا من غير كورونا”.

الحقيقة الغائبة في اتهام” رسالة” بالتلاعب في التبرعات وإهانة مواطنين

خبراء

ويقول محمد وهب الله، الأمين العام لاتحاد عمال مصر، ورئيس النقابة العامة للعاملين بالتجارة، ووكيل لجنة القوى العاملة بمجلس النواب، إن تأثير أزمة كورونا على العمال بمصر حالها حال كل الدول في العالم، فهناك ضرر بالطبع ولكن الإجراءات الاحترازية التي تتخذها الدول كإقرار منحة للعمالة الغير منتظمة لمدة 3 شهور، بجانب صرف منحة للعمالة المنتظمة من صندوق الطوارئ، كما طالب الرئيس عبد الفتاح السيسي رجال الأعمال، بعدم تسريح العمالة أو خفض رواتبهم حتي انتهاء الأزمة.

وأضاف وهب الله لـ مصر 360، أنه من الصعب قياس عمق تأثير الأزمة على العمالة غير المنتظمة على المدى القصير لعدم وضوح أوان انتهاء الأزمة وإذا ما كان هذا الوباء موسمياً أم مؤقتاً، وأن هناك جانبا إيجابيا أيضا يتمثل في إنشاء قاعدة البيانات التي تقوم الحكومة بإعدادها حاليًا، لأنها قد تكون نواة للاستعانة بهذه العمالة وربما دمجها مع الأعمال الحكومية أي وضعها تحت مظلة أو كيان.

ويؤكد عبد الفتاح فكري، رئيس النقابة العامة للعاملين بسكك حديد مصر، أنه منذ بداية أزمة كورونا وتعمل الهيئة على تعقيم جميع القطارات والأماكن الحيوية بشكل يومي، حسب تعليمات وزارة الصحة، مع عمل حملات توعية في كل أماكن العمل، بالإضافة إلى تخفيض عدد القطارات نظرًا لطبيعة وظروف البلد.

وتابع رئيس النقابة العامة للعاملين بسكك حديد مصر، لـ مصر 360، أنه بعد اتخاذ الإجراءات الاحترازية لمواجهة كورونا، تم إعطاء بعض العاملين في قطاعات التي لم تتأثر بعلميات التشغيل أجازة بدون مرتب، فضلاً عن إعطاء أصحاب الأمراض المزمنة والسيدات الحوامل والأمهات اجازة مدفوعة الأجر”.

بينما كشف يحيى الزنانيري، نائب رئيس شعبة الملابس الجاهزة في غرفة القاهرة التجارية، مدي تأثير فيروس كورونا على تجار الملابس بالسوق المحلي، وتأثير ذلك على حركة البيع والشراء، مشيرًا إلى أن مناسبة كـ عيد الأم، شهدت إقبالا ضعيفا على الشراء، مخيبًا لآمال التجار.

وأضاف “الزنانيري” لـ مصر 360، أنه في المستقبل القريب سيظهر تأثير كورونا على العمال بشكل أكبر، لأنه بعد إصدار قرار بتعليق جميع العروض الترفيهية وغلق معظم دور السينما والمسارح فأن الحاجة إلى شراء الملابس ستقل لأن معظم المواطنين يمكوثون بالمنزل بالفعل”.