مع تنامي اليمين المتطرف في أوروبا، ترصد الكثير من المراكز البحثية هذه الظاهرة، آخر تلك الدراسات مقال للباحث أدريا ريفيرا إسكارتين نٌشر بمنظمة « مراجعة الحرية » بالمملكة المتحدة، تحت عنوان: « كيف تسببت الأحزاب اليمينية الشعبوية الراديكالية في تآكل أجندة حقوق الإنسان للاتحاد الأوروبي في المتوسط »، يرى الكاتب أنه من الغالب أن تقوم أحزاب اليمين الشعبوية الراديكالية بدعم فك الارتباط مع الاتحاد الأوروبي. مضيفا أنه بالرغم من أن الكثير من تلك الأحزاب يدعم فك الارتباط مع الاتحاد الأوروبي، فإن هناك احتمالية لتوجه مختلف يتم تبنيه في المستقبل فيما قد يصطلح عليه “الأوربة غير الرسمية وغير ليبرالية”، حيث تقدم قدرة إيطاليا لتشكيل علاقات الاتحاد الأوروبي مع تونس والمساعي المجرية للتأثير على علاقات الاتحاد الأوروبي مع مصر أمثلة حديثة لكيفية تجسيد هذا التوجه.
في الأيام السابقة للانتخابات الأوروبية 2019، تعهد ستيف بانون، زعيم اليمين الراديكالي الشعبوي، بأن الأحزاب الرافضة لقيم الاتحاد الأوروبي التي تدور حول وزير الداخلية الإيطالي السابق ماتيو سالفيني ورئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان ستكون قادرة على الحصول على حصة جوهرية من مقاعد البرلمان الأوروبي. هدفهم المعلن كان هو إعاقة سياسات الاتحاد الأوروبي من الداخل ومناهضة شبح وجود اتحاد أوروبي فيدرالي. وبالرغم أنهم حققوا أقل من التوقعات في الانتخابات الأوروبية، إلا أن أدائهم كان جيدا على المستوى الداخلي في أنحاء القارة. وفي أعقاب ذلك، استطاعت أحزاب اليمين الشعبوية الحصول على مناصب تنفيذية في بلاد مثل بولندا، والمجر، وإيطاليا والنمسا.
استطاعت أحزاب اليمين الشعبوية الحصول على مناصب تنفيذية في بلاد مثل بولندا، والمجر، وإيطاليا والنمسا
ويطرح الكاتب سؤال هو كيف يمكن لحكومات مشكلة من هذه الأحزاب التأثير على نشاط الاتحاد الأوروبي خارج حدوده. كما يؤكد أن ذلك السؤال يبدو أنه أكثر إلحاحا في حالة المتوسط، فيقول أنه في المقام الأول، هذا بسبب الأهمية الكبيرة التي توليها أحزاب اليمين الراديكالية الشعبوية للمنطقة بسبب دورها في التحكم في الهجرة والمسائل الأمنية، وثانيا، لأن الاتحاد الأوروبي لديه حضور قوي في شمال أفريقيا، عبر أدواته مثل سياسة الجوار الأوروبية، فيما يتعلق بالتعاون التجاري والدبلوماسي.
أحد المخرجات الممكنة لزيادة قوة الأحزاب اليمينية الراديكالية الشعبوية هو تكرار نموذج البريكست في بلدانها، أو تبني استراتيجية خفض التوجه الأوروبي، أي البقاء في الاتحاد الأوروبي مع دعم خروج استراتيجي جزئي في مجالات سياسات معينة مثل السياسة الخارجية. في هذه الحالة، ربما تحاول الدول الأعضاء التراجع عن آليات التعاون والعودة إلى منطق نزعة حكومية دولية في تلك الجوانب حيث لدي المفوضية سلطات قوية، مثلما في التجارة مساعدات التعاون.
ومع ذلك، يقول الكاتب أن هناك مخرج ثالث محتمل من الممكن وصفه بأنها “أوربة” غير رسمية وغير ليبرالية. ثم يستطرد بأن ذلك قد يكون في محاولة الأحزاب اليمينية الراديكالية الشعبوية التأثير على السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي كي تعكس قيمها وتوقعاتها.
يقول الكاتب أن هناك مخرج ثالث محتمل من الممكن وصفه بأنها “أوربة” غير رسمية وغير ليبرالية
ويضيف أن تبني مثل تلك الاستراتيجية مرجح أكثر عندما تكون تكلفة الخروج من الاتحاد باهظة للغاية، وعندما تستفيد الدول الأعضاء من المظلة السياسية والاقتصادية للاتحاد الأوروبي سعيا لتحقيق أهدافها القومية. ويقول الكاتب أن هناك مثالين يمكن عرضهما لتصوير ديناميكيات “الأوربة” غير الرسمية وغير ليبرالية. حيث أنه تحت قيادة حزب وزير الداخلية الإيطالي السابق ماتيو سالفاني، رابطة الشمال، أسست إيطاليا تحالفا غير رسمي من الدول الأعضاء لأجل إنشاء “منصات نزول” للمهاجرين غير النظاميين في تونس خلال صيف 2018. ثم يتابع الكاتب بأن تلك الخطط قد تبناها المجلس الأوروبي إلا أنه لم تطبق مطلقا بسبب رفض تونس.
ثم يتابع أن المجر من جانبها كانت تسعى إلى تطبيع العلاقات مع مصر بعد 2013 وجعلت دولا أخرى تحذو حذوها؛ فعلى سبيل المثال، كان أوربان هو أول من يزور البلاد بعد اغتيال الباحث الشاب جوليو ريجيني وتكرر إعلانه بأنه ينبغي على الاتحاد الأوروبي ألا يعطي مصر محاضرات بشأن حقوق الإنسان. ثم يضيف أنه نتيجة لذلك، في حالة تونس، شددت حكومة كونتي شروط الهجرة، فيما أحبط أكثر توقعات السلطات التونسية والمجتمع المدني بشأن الاتحاد الأوروبي ودعمه للتحول الديموقراطي.
أما في مصر، فقد أصبح الاتحاد الأوروبي يبتعد أكثر فأكثر عن أجندة حقوق الإنسان، وهي الخطوة التي كان أوربان يدافع عنها في مجموعة فيشغراد (تحالف من التشيك، المجر، بولندا، سلوفاكيا). ويطرح الكاتب أن الأحزاب اليمينية الراديكالية الشعبوية ربما لا تشكل تهديدا على السلامة الإقليمية للاتحاد الأوروبي، إلا أنه يقول أنه بالرغم من ذلك، فإن وصول هذه الأحزاب للسلطة ربما يغير أو على الأقل يؤثر على طبيعة السياسات التي يحاول الاتحاد الأوروبي تنفيذها.
الأحزاب اليمينية الراديكالية الشعبوية ربما لا تشكل تهديدا على السلامة الإقليمية للاتحاد الأوروبي
كما يرى أن “الأوربة” غير رسمية وغير ليبرالية يمكن لها أن تعمق من التضارب القائم في السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي في المتوسط. ثم يوضح بأن هذه التضاربات تدلل على التناقضات بين الهدف المعلن للسياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي في المتوسط، مثل تعزيز حقوق الإنسان ودعم الديمقراطية، وفي المقابل، يقول الكاتب إن الأولويات الأخرى هي مثل المصالح الاقتصادية الذاتية أو الاستقرار على المدى القصير. ويوضح أنه كما قد أشار الكثير من الباحثين، فإن التضاربات ليست بجديدة، إلا أن وصول الأحزاب اليمينية الراديكالية الشعبوية للسلطة يفاقم من تلك الديناميكيات وتآكل أجندة حقوق الإنسان في منطقة المتوسط.