“كوفيد 19” لم يغير نمط الحياة والروتين اليومي فحسب، لكنه أثر على الشخصية المصرية وسلوكياتها، وكان أبرزها مشهد رفض أهالي دفن الطبيبة سونيا عبدالعظيم في محافظة الدقهلية المصابة بفيروس كورونا، الذي أثار استياء وحفيظة الأغلبية، لكن إلى أي مدى ستتأثر الشخصيات والسلوكيات في ظل الجائحة؟

sss

وتسبب فيروس كورونا، الذي ظهر في مدينة ووهان الصينية، أواخر العام الماضي في إصابة 1983219حالة مؤكدة حول العالم، توفى منهم 125145، وتعافى 466606 شخصًا عقب تلقى العلاج، واتخذت الحكومات والدول إجراءات صارمة لمواجهته، أهمها البقاء في المنزل، وتعزيز التباعد الاجتماعي وتقليص التجمعات، لمواجهة الفيروس.

معضلة الأسد

طريقة تعاملنا مع الخوف والقلق في وجود تهديد يطغى على باقي التهديدات أو المخاطر حولنا، يشبه التهديد بوجود أسد في الجوار، حيث المراكز المسؤولة عن المشاعر في المخ تهتم بالخروج من هذه المأزق وتجنب الخطر بأي شكل، حتى ولو كان عن طريق مواجهة الأسد، بحسب ما وصفه علماء نفس بتقرير نشره موقع ناشونال جيوغرافيك.

وفي المقابل، تعمل المراكز المسؤولة عن السلوك وردود الأفعال على دراسة الموقف، وتقييم المخاطر الحالية والمحتملة، وليس فقط الهروب من الأسد، بل تتحدد ردود الأفعال وفق الجزء الذي تكون له الغلبة من المخ، بحيث إذا تمكن الذعر والخوف منا، تسيطر مراكز المشاعر على المخ، ونتصرف بشكل غير عقلاني – وعدواني أحيانا – حتى في وجود الحقائق، وهو ما حدث في  واقعة الدقهلية.

تناقض الشخصية المصرية 

“الفوضى الممنهجة لأهالي قرية الدقهلية، دفعتهم لتبني معلومات مغلوطة دون التأكد من صحتها، وتبني سياسة القطيع الغبية”، بحسب أستاذ علم الاجتماع بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية سوسن فايد، التي أكدت أن هذه التصرفات تتنافي مع الشخصية المصرية والعادات والتقاليد.

وتشير فايد في تصريحات لـ”مصر 360″، إلى الرسائل الإعلامية والتوعوية لاسيما الدينية عقب واقعة الدقهلية وهو ما تم تداركه بعدها بأيام من قبل أهالي قرية بكفر الشيخ الذي شيعوا جنازة مهيبة لأحدى ضحايا كورونا، خاصة أن حرمة الدفن لدى المصريين لها طقوس خاصة منذ الفراعنة.

المراجعات الفكرية بعد كورونا

تأثيرات كورونا الاجتماعية والنفسية لم تقتصر على واقعتي الدفن فقط، بل ستنعكس أيضا على سلوكيات وثقافة المصريين تجاه الترحاب والسلامات، خاصة مع الفئات الأكثر وعيا، حيث تقل مظاهر القبلات والأحضان لإمكانية نقلها العدوى، حتى بعد انتهاء جائحة الفيروس.

تتوقع أستاذة علم الاجتماع أن يتسبب “كورونا” في مراجعات فكرية لدى المجتمع، بعد تعرضهم لفيروس لا يرى بالعين المجردة استطاع تغير شكل العالم ووقف دورة الحياة الطبيعية، خاصة بعد توقف الطقوس الدينية لشعب يشكل الوازع الديني جزء من ثقافته الفكرية.

دور المؤسسة الدينية

بالحديث عن الوازع الديني تُطرح علامات استفهام حول الدور التوعوي للمؤسسات الدينية، خاصة بعد غلق المساجد خوفًا من تفشي الفيروس، ليوضح المتحدث باسم وزارة الأوقاف أحمد القاضي أنه تم تفعيل رسائل التوعية من خلال الإذاعة والتلفزيون والمنصات الالكترونية كمواقع الوزارة أو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية وتطبيق وعي ومواقع التواصل الاجتماعي.

ويشير المتحدث باسم الأوقاف لـ”مصر 360″، إلي أن وزارة الأوقاف استندت إلي رأي المختصين في وزارة الصحة، سواء في قرار غلق المساجد، أو دفن ضحايا كورونا، خاصة أن الدين يأمر في الأزمات بالتكاتف والتراحم، لا التباغض أو المجادلة أو الخلاف، فضلا عن أن أخلاق القرية تتميز بالشهامة وإغاثة المكروب.

واقعة رفض أهالي قرية الدقهلية بدفن طبيبة الكورونا كان تصرفا مخالفا للعرف والدين والإنسانية والشرع وسنة الرسول، وغريب على سمات مصر عامة وأهل القرية خاصة، لاسيما بعدما أكدت لهم وزارة الصحة أن دفن الجثمان لا ضرر منه ولا خوف من انتشار العدوى، وكان عليهم أن يمتثلوا للقرار وأن يساعدوا أهل الضحية كما يأمرنا ديننا بالتراحم، حسبما ذكر القاضي.

الخوف وراء السلوكيات الغريبة

السلوكيات الغريبة لم تتوقف على الخوف من نشر العدوى بسبب جثمان مصابة، بل ظهر في التكالب على الشراء رغم تأكيدات الحكومة بتوافر السلع في المتاجر وتنظيم عملية الشراء، واستثناء متاجر الأطعمة من ساعات الحظر، الأمر الذي فسره علماء نفس بأن الخوف هو الدافع وراء أي سلوكيات غريبة في ظل جائحة كورونا.

“عندما يشعر الناس بعدم اليقين يميلون للتركيز على الأشياء التي تجلب لهم اليقين، فالأغلب لا يملك القدرة على صناعة لقاحات جديدة أو سن سياسات جديدة، ولكن هناك تصرفًا واحدًا يمكننا التحكم فيه، ويجعلنا نشعر بأننا نفعل شيئًا ما وهو تخزين المؤن”، حسب قول أستاذ الاقتصاد العصبي بجامعة كاليفورنيا في سان دييجو بالولايات المتحدة “أوما كارماركر”،مؤكدا أن التكالب على الشراء ليس بجديد؛ وهو أمر متكرر خلال أوبئة سابقة، وأيضا بعد أحداث 11 سبتمبر 2011، وحدث قبل الأعاصير على ساحل الأطلنطي.

وفسر أستاذ مساعد علم النفس بجامعة ولاية سان دييجو، “ليزا كا”، السلوكيات الغريبة بإنها استجابة طبيعية لتجربة مليئة بالضغط النفس، خاصة أن فيروس كورونا آليته وقدرته على الفتك ليست مفهومة بالكامل، ولكن مع الأعاصير يعلم الأشخاص ما هم مقبلون عليه، لكن الخوف المتزايد يجعل الأشخاص يذهبون إلى المتجر ويشترون 12 لفة من المناشف الورقية بدلًا من اثنتين، وأربعة صناديق مكرونة بدلاً من واحد، وثلاث زجاجات من صابون اليد عندما يكون هناك بالفعل خمس زجاجات في المنزل.

 

اقرأ أيضا:

“ضد الإنسانية” .. أنانية الأهالي حرمت “طبيبة كورونا” التكريم الأخير 

“الحزن عن بعد “.. كورونا يجبر ديانات العالم على تغيير شعائر الدفن والجنائز